الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

36/04/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: الإجزاء
-تبدل رأي المجتهد.
-عدول المقلّد إلى مجتهد أخر.
-استثناء الصلاة من عدم الإجزاء لحديث " لا تعاد ".
-ثبوت حكم ظاهري عند شخص هل ينفذ فيحق غيره.
-استثناء النكاح والطلاق من هذا الأخير.
 قبل أن ننهي باب الإجزاء لا بأس ببيان الإجزاء وعدمه في مسائل، ونستطيع أن نستخلص من الإجزاء: أن الإجزاء ملاكه أمران: الأول الإتيان بالمأمور به الواقعي، والثاني: إستيفاء المصلحة الواقعية، فإذا تحقق أحد الأمرين تحقق الإجزاء. وملاك عدم الإجزاء عدم الأمرين. 
    هناك بعض العناوين في بحث الاجزاء لا بأس للالتفات إليها: إذا تبدل رأي المجتهد، إذا عدل المقلّد من مجتهد إلى آخر وكان الثاني يخالف الأول في الرأي. إستثناء الصلاة من عدم الإجزاء لحديث " لا تعاد " [1]. ثبوت حكم ظاهري عند شخص هل ينفذ في حق غيره، كما لو اختلف الإمام والمأموم في شرط في الصلاة أو الطهارة. استثناء النكاح والطلاق من هذا الأخير.
  ولنشرع فيها واحدة بعد الأخرى:
 المسألة الأولى: إذا تبدّل رأي المجتهد؟ كما لو وجد رواية معتبرة لم يكن قد رآها سابقا فعدل عن رأيه الأول، أو تبيّن له ضعف رواية كان قد بنى على اعتبارها وهكذا، فلا وجه للقول بالإجزاء، والسبب في ذلك أن ملاك القول بالإجزاء يرتكز إلى أحد أمرين: امتثال الواقع أو استيفاء المصلحة الواقعية. ومع انتفاء الأمرين معا فلا وجه للإجزاء، فلا بد من الإعادة في الوقت والقضاء خارجه. هذا على الطريقية حيث إن الأمارة مجرد كاشف عن واقع، والواقع باق كما هو، فالحكم الواقعي لم يمتثل، والمصلحة الواقعية لم تستوف.
 أما على السببية فلا بد من القول بالإجزاء على قول الأشاعرة والمعتزلة حيث إن الواقع هو ما ذهب إليه المجتهد وهو تصويب على ما نقل عنهم. نعم بناء على المصلحة السلوكية فمحل كلام في اقتضاء الإجزاء وعدمه، كما ذكرنا سابقا. [2]
    إذن الأصل إذا تبدل رأي المجتهد عدم الإجزاء، بل يجب الاعادة في الوقت والقضاء خارجه، إلا إذا قام دليل خاص كما في الصلاة والنكاح والطلاق. وهكذا كل حكم إعتقادي خاطئ ليس له واقع، كما لو توضأ المكلّف بمائع معتقدا كونه ماء ثم تبيّن أنه زيت مثلا، أو قطع بكونه على طهارة حدثية فبان خلافها، فلا مجال للقول بالإجزاء، لعدم تحقق ملاكه: فالحكم الواقعي على ما هو لم يمتثل، والمصلحة الواقعية لا تزال لم تستوف.  
  المسألة الثانية: إذا تبدّل تقليد المكلف لأمر من موجبات العدول، كوفاة الأول، أو تبيّن أعلميّة الثاني على القول بوجوب تقليد الأعلم، أو غير ذلك، وكانت فتاوى الثاني مخالفة للأول [3]، فأيضا لا مجال للقول بالإجزاء، لعدم وجود ملاكه، وهو عدم امتثال الحكم الواقعي وعدم استيفاء المصلحة الواقعية، هذا على القول بالكاشفية والطريقية للأمارات.
  أما على القول بالسببية فقد يقال بالإجزاء هنا كما في الحكم الظاهري والاضطراري، ووجهه أن قيام الفتوى من المجتهد وحجيتها على المقلّد توجب إحداث مصلحة بحق المقلّد، تماما كقيام أمارة عند المجتهد حيث توجب إحداث مصلحة في الواقع، أي لا فرق بين التقليد والأمارة على السببية من حيث إحداث مصلحة في الواقع. فيصبح السؤال:  هل هناك فرق بين التقليد والامارة؟ هل التقليد يحدث مصلحة كما تحدث الأمارة مصلحة – على السببية -؟    
  لكن ينبغي أن نتأمل في المسألة، هل يوجد فرق بين قيام الأمارة لدى المجتهد، وبين قيام الفتوى لدى المقلّد؟
  قد يقال: هناك فرق، بدعوى أن حجية فتاوي المجتهدين على المقلّدين هي من باب السببية والموضوعية، وهي تستلزم الإجزاء. والفرق بين التقليد والأمارة مع اشتراكهما في الاعتبار أن الأمارة كشف عن واقع أما التقليد فهو الأخذ برأي المجتهد، أي بحدسه. فالتقليد ليس كشفا عن واقع. الفرق جوهري بينهما، ولذلك لا مانع من كون التقليد سببا لقيام مصلحة.   
  وجواب هذه الدعوى أن السببية هي إحداث مصلحة في المؤدى، وإذا كان أهم أدلّة التقليد هي السيرة العقلائية في رجوع الجاهل إلى العالم، فالسيرة العقلائية ليس فيها من جعل المؤدى عين ولا أثر، بل كذلك لو كان دليل حجية التقليد هو الأخبار من قبيل: " انظروا إلى رجل روى حديثنا أو عرف حلالنا وحرامنا فللعوام أن يقلدوه " [4].   ذلك أن الحجج الشرعية ليست حججا تأسيسية، بل هي حجج إمضائية، بمعنى أنها كانت موجودة عند العقلاء فأمضاها الشارع متدخلا في شروطها ومجاريها، والعقلاء عندما يسلكون مسلكا فليس لإحداث مصلحة فيه، بل لأجل حاجات عقلائية عندهم كما ذكرنا ذلك مرارا.


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج3، ص227، أبواب القبلة، ب9، ح1، ط الإسلامية.
[2] فائدة:. الحجج عند الشارع ليست مخترعة ومؤسسة مبتدعة من قبل الشارع، بل كلها حجج عقلائية كالخبر الواحد، والشهرة الفتوائية، والشهرة الروائية والظن المطلق، والقياس، والاستحسان لو قلنا بحجيّته، بل حتى الاصول، كالبراءة، والاحتياط والاستصحاب، إلى آخره كل هذه الامور أمور عقلائية لذلك نجد في القانون المدني اكثر قواعده توافق قواعد الشرع، مثلا: قاعدة اليد " على اليد ما أخذت حتى تؤدي "، قاعدة التجاوز والفراغ. بعبارة اخرى: ليس هناك حجج تأسيسية. نعم الشارع قد يتدخّل إما بإلغائها كليا كالقياس، أو تهذيبا كالتدخل في الشروط والأجزاء. بل ما عندنا حجج إمضائية
[3] وهناك مسألة اخرى ممكن أن ترد، وهي إذا كان قلّدا فصار مجتهدا وخالف في رأيه المجتهد الذي قلّده. كل هذه العناوين تنطبق عليها قاعدة ملاك الإجزاء.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج18، ص94، كتاب القضاء، ب10، ح20، ط الإسلامية.