الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

36/03/23

بسم الله الرحمن الرحیم

   العنوان: الإجزاء
-رأي صاحب الكفاية (ره): الاحتياط في الاعادة في الوقت، والبراءة في القضاء.
-المختار: وهو البراءة في الاعادة والقضاء.
أما الأصل العملي: بعد الإنتهاء من الأصل اللفظي وإذا شككنا أن الامارة مأخوذة على نحو الطريقية أو السببية ما هو الأصل العملي حينئذ؟. هل الأصل العملي يقتضي وجوب الاعادة أو لا يقتضي؟
صاحب الكفاية (ره) قال: أنه هناك فرقا بين الاعادة والقضاء، ففي الإعادة الأصل الاحتياط والإشتغال، لأن الحكم الفعلي لا يزال موجودا، فيجب الاعادة. أما الأصل العملي في القضاء فهو البراءة، لأن موضوع القضاء هو عنوان الفوت، فالأصل عدم ثبوت عنوان الفوت، ومع عدمه نشك في التكليف مما يؤدي إلى أصل البراءة، بعبارة اخرى: مقتضي الحكم غير موجود.
 يقول صاحب الكفاية (ره): ولا يخفى أن قضية إطلاق دليل الحجية - على هذا - هو الاجتزاء بموافقته أيضا، هذا فيما إذا أحرز أن الحجية بنحو الكشف والطريقية، أي بنحو الموضوعية والسببية، وأما إذا شك [ فيها ] ولم يحرز أنها على أي الوجهين، فأصالة عدم الاتيان بما يسقط معه التكليف مقتضية للإعادة في الوقت،[1] واستصحاب عدم كون التكليف[2]بالواقع فعليا في الوقت لا يجدي، ولا يثبت كون ما أتى به مسقطا، إلا على القول بالأصل المثبت [3]، وقد علم اشتغال ذمته بما يشك في فراغها عنه بذلك المأتي. وهذا بخلاف ما إذا علم أنه مأمور به واقعا، وشك في أنه يجزي عما هو المأمور به الواقعي الأولي، كما في الأوامر الاضطرارية أو الظاهرية، بناء على أن يكون الحجية على نحو السببية، فقضية الأصل فيها - كما أشرنا إليه – عدم وجوب الإعادة، للإتيان بما اشتغلت به الذمة يقينا، وأصالة عدم فعلية التكليف الواقعي بعد رفع الاضطرار وكشف الخلاف.
وأما القضاء فلا يجب بناء على أنه فرض جديد، وكان الفوت المعلّق عليه وجوبه لا يثبت بأصالة عدم الاتيان، إلا على القول بالأصل المثبت، وإلا فهو واجب، كما لا يخفى على المتأمل، فتأمل جيدا. [4]
 ملخص كلامه (ره): انه اثناء الوقت لا بد من الاشتغال لوجود الحكم الواقعي، فإذا أتينا بأمر آخر اشك في الامتثال، وعند الشك نجري أصالة الاحتياط أو أصالة الاشتغال، هذا على الطريقية، أما على السببية فالبراءة. اما خارج الوقت فاشك في وجوب القضاء بعد تبيّن خطأ الامارة، القضاء حكم آخر واشك في ثبوت الحكم الآخر للشك في ثبوت موضوعه وهو الفوت، فأصبح الشك شكا في التكليف، عندها نرجع للبراءة.
 نقول في الاصل العملي: قولك: أما في الاعادة في الوقت لا بد من الاشتغال لوجود الحكم الواقعي. هناك فرق بين الطريقية والسببية. فعلى الطريقية لا شك في الاعادة ولا يوجد أيُ إنشاء لمصلحة.
إننا لا نوافق صاحب الكفاية (ره) على جريان أصالة الاحتياط في الإعادة، بل تجري اصالة البراءة بيانه:
 إن موضوع الاحتياط هو اشتغال الذمة بحكم فعلي يجب امتثاله، فإذا شككت في الامتثال تجري القاعدة العقلية: " الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني " وهنا يجب التيقن من اشتغال الذمة بحكم واقعي فعلي مطلوب امتثاله والمفروض خطأ الأمارة، أي ان مؤدّى الامارة يختلف عن الواقع. فعلى السببية – عدا المصلحة السلوكية على قول – يكون مؤدى الامارة هو الواقع المطلوب ولا مطلوب غيره، أي مع قيام الامارة يكون الأمر بالواقع قد ارتفع. نعم هو لا يرتفع مع القول بالطريقية. ومع الشك في كون الامارة طريقا أو سببا لا يتحقق موضوع الاحتياط وهو اشتغال الذمة يقينا بحكم فعلي مطلوب امتثاله ومع الشك في التكليف نذهب للبراءة لتحقق موضوعها. هذا بالنسبة إلى الإعادة في الوقت.   
  أما في وجوب القضاء نسلم مع صاحب الكفاية (ره) لأن القضاء بحكم جديد والفوت أيضا عنوان حادث، القضاء موضوعه الفوت إذا فاتك، فإذا ثبت الفوت فعليه القضاء وإلا فلا قضاء. لأنه اشك في التكليف فيكون الاصل البراءة.     
  ملخص ما ذكر في الإجزاء:
 الاتيان بالمأمور به عن أمر نفسه لا شك بالإجزاء، وفي ضمنها الامتثال بعد الامتثال، قلنا أن الاتيان بعد الامتثال يجزي في الفرد الذي فيه مزيّة شرعية أو عقلائية أقرها الشارع.
 والمأمور به بالأمر الاضطراري أيضا يجزي. وفي الامر الظاهري سواء كان أمارة أو أصلا، لا يجزي.
 الامارة طريقية وليست سببية.
 المأمور به بالأمر القطعي الاعتقادي لا يجزي. هذا كله في مرحلة الاصل اللفظي.
 أما في الأصل العملي نقول بالبراءة سواء كان في الوقت اعادة أو في خارج الوقت قضاء.


[1] الأصل العملي في هذه الحالة هو الاحتياط  وهو أصالة اشتغال الذمّة لأن الحكم الواقعي موجود ولم أحرز سقوطه.
[2]  هذا استدراك على احتمال أن استصحاب عدم كون التكليف بالواقع فعليا، مما يؤدي إلى القول بالبراءة.
[3] الأصل المثبت هو كل أصل يثبت لوازمه العرفية والعقلية والعادية، غير الشرعية، وهو غير حجة. مثلا: إذا دار الحكم بين أمرين، جريان اصل العدم في الأول يعني ثبوت الحكم في الثاني، هذا النفي باللازم العقلي. كوجود اناءين أحدهما نجس، اصالة الطهارة في الاناء الاول تعني ان الاناء الثاني نجس، وهذا من باب اللزوم العقلي وليس لازما شرعيا. لذلك استصحاب عدم النجاسة هنا هذا اصل مثبت. وهنا يدور الامر بين فعلية المؤدى وفعلية الواقع، مثلا إذا قامت الامارة على طهارة الخمر، والواقع ان الخمر نجس، ثم تبيّن خطأ الامارة.  وانا شربت الخمر. الفعلي في حقي ما هو؟ استصحاب عدم احدهما ينفي الأخر لكنه ينفيه عقلا ولا ينفيه شرعا، لأنه دوران عقلي فلا يجري الاصل فيه.
[4] كفاية الأصول، الشيخ الآخوند الخراساني، ص87.