الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

36/03/22

بسم الله الرحمن الرحیم

  العنوان: الإجزاء.  
  المعنى الثالث للسببية:
  وهو ما ذهب إليه الشيخ الأعظم الأنصاري (ره) وبعض الإمامية مما سمي بالمصلحة السلوكية. وهي أن قيام الأمارة يؤدي لإحداث مصلحة في سلوكها يتدارك بها مصلحة الواقع مع بقاء الواقع على ما هو عليه من دون إحداث مصلحة في المتعلّق، فيبقى على ما هو عليه من دون تغيير أو انقلاب [1]، وهذا يعنى أمورا:
-اشتراك الأحكام بين العالم والجاهل. لأنه هناك واقع يبحث عنه المجتهد. 
-بقاء الواقع كما هو وعدم تغيّره وانقلابه، فتبقى الأحكام الواقية على مطلوبيتها رغم قيام الأمارات على خلافها. وهذا بعكس المعنى الثاني للسببية.
- بقاء مصلحة الواقع، إلا أن مصلحة السلوك يتدارك بها تلك المصلحة.
 على هذا المعنى الثالث للسببية اختلف الأصوليين في الإجزاء. فذهب بعضهم إلى الإجزاء نظراً إلى التدارك، فلا دعا للإعادة في الوقت والقضاء في خارجه، وذهب آخرون كالشيخ النائني (ره) إلى عدم الإجزاء، أو بعبارة أصح: إلى حاجة الإجزاء إلى دليل كحاجته على القول بالطريقية، نظرا إلى أن سنخ المصلحة يختلف عن الآخر، فيبقى الحكم الواقعي على ما هو عليه لم يمتثل وكذلك المصلحة الواقعية لم تستوفى، ولا دليل على سقوط الإعادة أو القضاء.
 إذن على السببية لا نقول دائما بالإجزاء، فعلى قول الاشاعرة لا إعادة ولا قضاء بل هو تصويب، وعلى القول المعروف عن المعتزلة وهو احداث مصلحة، أيضا لا بد من الإجزاء لان الواقع أتي كما هو، وعلى القول الثالث أي على المصلحة السلوكية فالإجزاء محل كلام: بعضهم قال بالإجزاء نظرا إلى تدارك مصلحة الواقع بالمصلحة الناشئة عن السلوك، وبعضهم قال بأنه لا إجزاء لأن المصلحة الواقعية باقية والحكم الواقعي لم يمتثل.
  إلى هنا نكون قد بحثنا الإجزاء في عالم الأدلة والالفاظ، في عالم الأصل اللفظي وملخص ما ذهبنا اليه في خطوط:
 اولا: لا شك في إجزاء المأمور به عن أمر نفسه. وذكرنا مسألة الامتثال بعد الامتثال وهو محل كلام بين الاصوليين، وقلنا هناك: أن الامتثال بعد الامتثال أمر محال، نعم الإتيان بعد الامتثال أمر ممكن بشرط أن يكون الفرد الآخر البديل فيه ميزة شرعية أو عقلائية أقرها الشارع من قبيل تبديل الصلاة فرادى بجماعة.
 ثانيا: الاتيان بالمأمور به بالأمر الإضطراري أيضا مجزٍ عن الواقع لإطلاق الأدلة.
 ثالثا:  المأمور به بالأمر الظاهري، أي ما قامت عليه الامارات الظنية والأصول. قلنا على ما ذهبنا نحن اليه: أنه على الطريقية، الحكم الواقعي لا يزال كما هو والمصلحة لا دليل على إستيفائها، لذا ذهبنا إلى عدم الاجزاء عند خطأ الامارة أو الاصل، وسواء كان في حكم أو في موضوع، على خلاف الشيخ الآخوند (ره) في الأصل المثبت للموضوعات، وعلى السببية نحن لا نقول بالمصلحة السلوكية، يكون الشكل الاول والثاني وحتى الثالث قيل بأنه يؤدي إلى الإجزاء، وقيل أن الثالث لا يؤدي إلى الإجزاء.
رابعا: المأمور به بالأمر القطعي، الإعتقادي. قلنا ايضا بعدم الاجزاء فيه لأن الحكم الواقعي لا يزال كما هو عليه لم يمتثل والمصلحة لم تستوف، بعبارة اخرى: فقط في الحكم الظاهري على الطريقية والقطعي لا اجزاء فيه، يجب الاعادة في الوقت ويجب القضاء خارجه.
 إلى هنا نكون قد انتهينا من مؤدى الأصل اللفظي في الإجزاء في الأمارة والأصول، أما لو فرض أن بعض الاصوليين لم يصل  إلى أن الامارة مأخوذة على نحو الطريقية أو على نحو السببية، وفي الطريقية عدم إجزاء وفي السببية الاجزاء، ما هو الأصل العملي عند الشك؟ قلنا اننا اولا نبحث عن علم، علمي، أصل لفظي، أصل عملي. فعند الشك هل تجب الإعادة في الوقت ويجب القضاء خارجه أو لا؟
 إذن بعد الإنتهاء من الأصل اللفظي وإذا شككنا أن الامارة مأخوذة على نحو الطريقية أو السببية ما هو الأصل العملي حينئذ؟. هل الأصل العملي يقتضي وجوب الاعادة أو لا يقتضي؟
 صاحب الكفاية (ره) قال: انه هناك فرقا بين الاعادة والقضاء، فالإعادة الاصل فيها الاحتياط والاشتغال، لان الحكم الفعلي لا يزال موجودا، فيجب الاعادة. أما الأصل العملي في القضاء البراءة، لأن موضوع الحكم هو الفوت، فالأصل عدم ثبوت عنوان الفوت الذي يؤدي إلى ثبوت القضاء، يؤدي إلى اصل البراءة، بعبارة اخرى: مقتضي الحكم غير موجود.
 أما نحن سنذهب إلى البراءة في الوقت وفي خارجه. غدا ان شاء الله نفصّل.


[1]  مثلا: لو قامت امارة على طهارة الخمر، فلا تنشأ في نفس طهارة الخمر مصلحة، نعم تنشأ مصلحة في سلوك الامارة لا في المتعلّق. لذلك عبّر عنها بالمصلحة السلوكية.