الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

36/03/01

بسم الله الرحمن الرحیم

  العنوان: الإجزاء مع الاتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري
 بعد التذكير بما مرّ في مقام حل ما اشتهر على الألسن من ان الاحكام الخمسة متضادة، لم يعترف به السيد (ره) لان هذا التضاد أما من جهة الاعتبار او من جهة المبدأ أو من جهة المنتهى. أما من جهة الاعتبار فالاعتبار قليل المؤونة فلا تعارض ولا تضاد، أما من جهة المبدأ أي المصالح والملاكات، أيضا لا تعارض، لأن المصلحة الواقعية شيء ومصلحة إنشاء الحكم الظاهري شيء وسنخ آخر وهو التسهيل وغيره. أما المنتهى وهو الامتثال أيضا لا تضاد لأنه يجب امتثال الحكم الظاهري، اما الحكم الواقعي مع عدم انكشاف الواقع فلا يجب امتثاله، بعبارة أخرى: في عالم الامتثال نمتثل حكما واحدا سواء كان الظاهري أو الواقعي.
نكمل كلام السيد الخوئي (ره): [وبكلمة أخرى: إن الشرط هو الطهارة أو الحلية الواقعية فحسب بمقتضى الأدلة الواقعية [1]، وهذه القواعد والأصول إنما تثبت الطهارة أو الحلية في مواردها عند الشك والجهل بها، والمكلف مأمور بترتيب آثار الواقع عليها ما دام هذا الشك والجهل. فإذا ارتفع انكشف أن العمل فاقد له من الأول [2]، وعليه فما أتى به غير مأمور به واقعاً. ومن الطبيعي أن إجزاء غير المأمور به عن المأمور يحتاج إلى دليل خاص وإلا فمقتضى القاعدة عدم اجزائه عنه. أو فقل إن في صورة مطابقة تلك القواعد للواقع فالشرط الواقعي موجود وصحة العمل مستندة إلى وجدانه، ولا أثر عندئذ لوجود الطهارة أو الحلية الظاهرية. وأما في صورة مخالفتها للواقع فأثرها ليس الا ترتيب آثار الواقع عليها تعبداً في مرحلة الظاهر [3]لا البناء على أنها شرط حقيقة، كما أن الطهارة أو الحلية الواقعية شرط كذلك، بداهة أن لسانها ليس إثبات أن الشرط أعم منها [4]، بل لسانها إثبات آثار الشرط ظاهراً في ظرف الشك والجهل، وعند ارتفاعه وانكشاف الخلاف ظهر أن الشرط غير موجود. ومن هنا يظهر أن
هذه الحكومة إنما هي حكومة في طول الواقع [5]وفي ظرف الشك به بالإضافة إلى ترتيب آثار الشرط الواقعي عليها في مرحلة الظاهر فحسب، وليست بحكومة واقعية بالإضافة إلى توسعة دائرة الشرط وجعله الأعم من الواقع والظاهر حقيقة.
إلى هنا قد انتهينا إلى هذه النتيجة: هي أن مقتضى القاعدة عند ارتفاع الجهل و كشف الخلاف عدم الاجزاء فالإجزاء يحتاج إلى دليل خاص وقد ثبت ذلك في خصوص باب الصلاة دون غيره من أبواب العبادات والمعاملات. وقد تحصل من ذلك أنه لا فرق بين هذه القواعد والأصول وبين الأمارات فانهما من واد واحد فما أفاده (قده) من التفصيل بينهما ساقط [6]ولا أصل له كما عرفت. هذا من ناحية ] [7].
 نعم اشكل بعضهم على السيد الخوئي (ره) عندما قال انه لا يوجد تضاد بين الاحكام، وهذا انما يتم بناء على ان الاحكام تابعة لمصالح في المتعلقات، اما إذا قلنا إن المصلحة في الجعل في نفس الحكم أو على المصلحة السلوكية كما الشيخ الانصاري فهذا الاشكال لا يتم.
 جوابنا: انه في الامارات التي هي عبارة عن مجرد كشف عن حكم وليس لسانها لسان كشف عن مصلحة وانكشاف هي باللوازم العقلية، أي باللازم غير البين، كذلك لا يؤدي إلى قيام مصلحة وانقلاب الواقع. فلا تكون هنا مشكلة في الامارة فلا يقع الاشكال.
  غدا ان شاء الله نكمل كلام السيد السبزواري (ره) الذي يذهب إلى الاجزاء مطلقا في الامارت والاصول، بخلاف ما ذهب اليه السيد الخوئي بعدم الاجزاء مطلقا.


[1] هنا السيد (ره) اخذ بالرد على صاحب الكفاية (ره) الذي قال بان لسان القاعدة لسان توسيع دائرة الشرط، بحيث يشمل الطهارة المعلومة والطهارة المشكوكة.
[2] بخلاف قول صاحب الكفاية (ره) الذي قال بان العمل فاقد للشرط من حين العلم والانكشاف.
[3] أي مرحلة عدم انكشاف الواقع، مرحلة الجهل في مرحلة الظاهر، فلا توسيع لدائرة الشرط  ويصبح شرطا حقيقيا كما عند صاحب الكفاية (ره).
[4] استطراد: هناك مشكلة في مسألة خلاف الاستظهار، ففي رواية واحدة يمكن ان يكون هناك أكثر من فهم لها، ونتيجة هذا الفهم يمكن ان نذهب لاتجاه آخر غير المقصود، لذلك ارجو من الأخوة الطلبة الاهتمام بالنصوص الأدبية من قرآن وسنة وشعر وخطب كنهج البلاغة وغيره لما لذلك من أثر في تنمية الذوق وتصحيح الاستظهار.
[5] ليست في عرضه كما عند صاحب الكفاية (ره) الذي وسع دائرة الشرط ليشمل المشكوك والمجعول بالاضافة إلى المعلوم. وجعل الآثار واحد كصحة الوضوء وجعلها في عرض واحد بالنسبة للشرطية وآثارها.
[6] هذا التعبير القاسي لعله لان رأي صاحب الكفاية (ره) أخذ جوّاً جيدا عن بعض الأصوليين.
[7] محاضرات في الأصول، السيد الخوئي، ج2، ص257.