الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

36/02/08

بسم الله الرحمن الرحیم

  العنوان: الإجزاء مع الاتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري
 ملخص ما قاله صاحب الكفاية في الأجزاء في خطوط: عدم الأجزاء في الامارات سواء كانت الامارة جارية في أصل التكليف أو في متعلّق التكليف. والاجزاء في الأصول إذا كانت في متعلق التكليف، وعدم الأجزاء في الأصول إذا كانت في أصل التكليف.    
 ولا بأس بنقل كلام  صاحب الكفاية بلفظه: المقام الثاني: في إجزاء الإتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري وعدمه. والتحقيق أن ما كان منه يجري في تنقيح ما هو موضوع التكليف وتحقيق متعلّقه، وكان بلسان تحقق ما هو شرطه أو شطره كقاعدة الطهارة أو الحلّية، بل واستصحابها في وجه قوي [1]ونحوها بالنسبة إلى كل ما اشترط بالطهارة أو الحلّية يجزي [2]، فإن دليله يكون حاكما على دليل الاشتراط [3]ومبينا لدائرة الشرط وأنه أعم من الطهارة الواقعية والظاهرية [4]. فانكشف الخلاف فيه لا يكون موجبا لانكشاف فقدان العمل بشرطه [5]بل بالنسبة إليه يكون من ارتفاعه من حين ارتفاع الجهل.[6]
  وهذا بخلاف ما كان منها بلسان أنه ما هو الشرط واقعا، كما هو لسان الامارات، فلا يجزي [7]، فإن دليل حجيته حيث كان بلسان أنه واجد لما هو شرطه الواقعي، فبارتفاع الجهل ينكشف أنه لم يكن كذلك، بل كان لشرطه فاقدا .[8]
  هذا على ما هو الأظهر الأقوى في الطرق والأمارات من أن حجيتها ليست بنحو السببية [9]. وأما ما بناء عليها[10]وأن العمل بسبب أداء أمارة إلى وجدان شرطه أو شطره يصير حقيقة صحيحا كأنه واجد له مع كونه فاقده، فيجزي لو كان الفاقد معه في هذا الحال كالواجد في كونه وافيا بتمام الغرض ولا يجزي لو لم يكن كذلك، ويجب الاتيان بالواجد لاستيفاء الباقي إن وجب وإلا لاستحب، هذا مع إمكان استيفائه وإلا فلا مجال لإثباته كما عرفت في الأمر الاضطراري  .[11]
ولا يخفى أن قضيّة إطلاق دليل الحجية على هذا هو الإجزاء بموافقته أيضا.[12] 
هنا يشرع في بيان مسألة، وهي أنه بناء على السببية، ما هو مقتضى إطلاق أدلة الحجية عند الشك في كيفية عالم الثبوت؟ أي عند الشك في أن الأمر الظاهري على أي نحو من أنحاء التقسيمات التي مرّ ذكرها في عالم الثبوت. أما في عالم الاثبات ماذا يقتضي؟                                        


[1]  وذلك بناء على ما اختاره (ره) من كون لسان الاستصحاب لسان جعل حكم.
[2] بيان ذلك: ان الإجزاء لا يتم إلا بشرطين: الأول: ما كان منه يجري في تنقيح ما هو موضوع التكليف وتحقيق متعلّقه كالطهارة من الخبث. والثاني: ما كان بلسان تحقق ما هو شرطه أو شطره كقاعدة الطهارة أو الحلّية، بل واستصحابها.
[3] مثلا: عندما أقول: " الطواف صلاة "، حكمت على الصلاة ووسعت مفهومها لتشمل الطواف، يأخذ الطواف أحكامها
[4]  أي أن القاعدة: كل شيء لك طاهر تشمل قسمين: الأول: الطهارة الواقعية، والثاني الطهارة المشكوكة. وبعبارة أخرى توسيع دائرة الشرط، ومعه يكون العمل كالصلاة مثلا في مشكوك الطهارة قد تمّ بشرطه الشرعي. استطراد: وهذا من قبيل كلام السكاكي في توسيع دائرة مفهوم لفظ أسد. والفرق بين كلامه وكلام عبد القاهر الجرجاني في البلاغة وغيره ان المشهور في البلاغة ان هناك حقيقة ومجاز، واستعمال لفظ الأسد استعمل مجازا، أما السكاكي اعتبر هذا الاستعمال حقيقة ادعائية، بادعاء أن مفهوم لفظ الأسد أوسع من الحيوان الخاص، ثم قلت " زيد أسد " ليشمل الرجل الشجاع ثم حملته على زيد، أي ليس هنا مجاز في الاستعمال. والتشبيه بكلام السكاكي تقريب للمطلب لا عينه
[5] لأنه قد أتي به بشرطه، سنبحث هذه النقطة التي اشكل فيها على صاحب الكفاية (ره)؟.
[6] وهذه نقطة خلاف ثانية، قال (ره) بان الشرط يرتفع وينقض عند ارتفاع الجهل لا من اول الامر، مثلا: إذا توضئت بماء نجس ثم صليت، أكون قد حققت موضوع الصلاة بالطهارة الظاهرية، لان شرط الصلاة ان تكون بالطهارة الواقعية والطهارة الظاهرية، فأكون قد اتيت بالشرط. ويرتفع الشرط من حين ارتفاع الجهل والعلم بالخطأ وليس من أول الامر. ومن جملة النقوض على هذا القول: انه مع اعتبار الطهارة لماء ما وقد نجّس شيئا آخر، فانه لا ينشر نجاسة إلا بعد العلم بالنجاسة وارتفاع الجهل، فإذا حكمنا بصحة الصلاة اول الامر فهل نستطيع الحكم بعدم تنجيس أشياء وصل اليها الماء؟.
[7] أما إذا كان أصلا فيجزي لأننا نستفيد من الأصل تحقق الشرط بالطهرة الظاهرية " كل شيء لك طاهر "، فالدليل تحقق الشرط واحرازه بالأصل. اما ما كان بلسان الامارة فلا يحرز الشرط. تنبيه هام: هناك أربعة أمور: ماهية الأمارة، مستند حجية الامارة، الحكمة من حجيتها، الداعي للحجية. أما ماهية الأمارة وجوهرها فهو الكشف عن واقع، وأما مستند الحجية لها إما الآيات أو الروايات أو سيرة العقلاء. وأما الحكمة من الحجية فهو الجامع بين ثلاثة أمور: الأسهلية والاقربية للواقع واستيفاء حاجة تبادل المعلومات. وأما الداعي فهو حاجة الناس لتبادل المعلومات. هذه الاربعة أمور في الامارة من الجيد عدم الخلط بينها لما فيها من الاثار الاستنباطية.
[8] حين يتبيّن خطأ الأمارة، والامارات ومنها الأخبار لا تؤثر في الواقع، بل هي مجرد كواشف، ولا تؤدي إلى انقلاب في الواقع، فلو اخبرني شخص أنما في الكوب ماء، وكان في الواقع خمرا فإنه لا ينقلب إلى خمر.
[9] الأقوال في الأمارات ثلاثة: الطريقية، والسببية، والمصلحة السلوكية. وذكرنا الفرق بان الطريقية هي مجرد طريق وكشف عن واقع محض، أما السببية فهي انشاء مصلحة جديدة بحسب الخبر وعلى أساسها ينصب الحكم، وقلنا انها تلتقي مع التصويب. أما المصلحة السلوكية وهي ان يكون في نفس سلوك الامارة مصلحة، وتختلف المصلحة السلوكية عن السببية وعن الطريقية. وقلنا ان جوهر الامارة هو الكشف وبالقول بالمصلحة السلوكية أو السببية نكون قد سلخنا الامارة عن جوهرها وماهيتها.
[10] أي السببية.
[11] هذه القسمة هي منها ما مرّ في الاضطراري، وذلك لنشوء مصلحة بقيام الأمارة، ويريد (ره) أن يقول أنه في عالم الثبوت تصح التقسيمات هنا نفس التقسيمات هناك والقول بالإجزاء هنا وعدمه نفس القول هناك. أي إذا كانت وافية تمام الغرض فتجزي، وإذا لم تف بتمام الغرض، إما يمكن التدارك أو لا يمكن. وإذا امكن إما على نحو الوجوب أو على نحو الاستحباب.
[12] كفاية الأصول، الآخوند الخراساني، ج1، ص86.