الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

36/02/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: الإجزاء مع الاتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري
-الشك مأخوذ في الأمارة موردا وفي الأصل موضوعا.
-الأقوال في المسألة.
موقعية الشك بين الامارة والأصل: إن الشك مأخوذ في الأصل موضوعا، بينما هو مأخوذ في الأمارة موردا.
  بيان ذلك: إن الأصل لا تصل إليه النوبة إلا بعد فقدان العلم والعلمي، فيقف المكلف حائرا ويقول ما أعمل؟  فتأتي مرحلة الأصل، ولذلك سمّي بالأصل العملي.
  إذن لا بد من شك يعيشه المكلّف ويجد نفسه حائرا ليكون موضوعا للأصل. أما الأمارة فقد لا يكون المكلّف ملتفتا أصلا إلى الواقع المخبر عنه، كما لو أخبرك شخص من دون مقدمات ومن دون سابق تصور وشك: " لقد وصل فلان أو ولد لفلان ولد "، فإن الخبر لم يكن مسبوقا بشك، نعم هو يجتمع موردا مع الشك.
 مثال آخر: ﴿ اوفوا بالعقود ﴾ [1] استنبطوا منها قاعدة، عموم، أصل لفظي وهو امارة، فلا يوجد التفات لهذه القاعدة القرآنية وأنه سيخاطب المكلف بالوفاء بالعقد، هذه القاعدة ليس موضوعها الشك القرآن مباشرة امر بالوفاء بالعقود حتى لو لم تكن تتصور المسألة اصلا. بينما عندما يقول في الحديث الشريف " لا تنقض اليقين بالشك " بالنسبة لثبوت شهر رمضان، الشك في الأصل متحقق بين بقاء شهر شعبان ودخول شهر رمضان، فيأتي هنا الأصل " لا تنقض اليقين بالشك " وهو الاستصحاب، ولذا قال الشيخ الانصاري (ره): إذا كان الاستصحاب مستنده الروايات فهو أصل، وإن كان مستنده سيرة العقلاء فهو أمارة، وذلك لأن العقلاء ليس هناك من يتعبدهم لأن الأصل هو تعبد محض.       
  بعد بيان معنى الحكم الظاهري نعود إلى مسألتنا وهي: أن الاتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري هل يجزي عن الواقعي فيما إذا انكشف الخلاف المؤدِّي إلى حكم ظاهري آخر؟ كما لو اتكلت على رواية ثم تبين لي بعد ذلك ضعف الرواية، أو تبدل رأي المجتهد، أو بان خطأ البيّنة.  
  قبل بيان المختار نذكر الأقوال في المسألة بحسب ما ورد في المحاضرات عن السيد الخوئي (ره):
   الأول: الإجزاء مطلقا.
   الثاني: عدمه مطلقا.
 الثالث: التفصيل بين ما إذا انكشف الخلاف بعلم وجداني وما إذا انكشف بعلم تعبدِّي، فيجزي عن الثاني
دون الأول.
 الرابع: التفصيل بين القول بالسببية والقول بالطريقية، فعلى الأول لا مناص من الإجزاء دون الثاني.
 الخامس: التفصيل بين أقسام  السببية بالإلتزام بالإجزاء في بعضها وبعدمه في الأخر.[2]
 السادس: التفصيل بين الأمارات والأصول بالالتزام بعدم الإجزاء في موارد الامارات والاجزاء في موارد الأصول، وقد اختار هذا التفصيل المحقق صاحب الكفاية (ره).[3]
  تعليقنا على نقل السيد الخوئي (ره) لمختار صاحب الكفاية في القول السادس: الظاهر أن صاحب الكفاية (ره) يقول بالاجزاء في الأصل في خصوص متعلّق التكليف، أما في أصل التكليف فلا يقول بالإجزاء. وهذه عبارة الآخوند (ره): وأما ما يجري في إثبات أصل التكليف كما إذا قام الطريق أو الأصل على وجوب صلاة الجمعة يومها في زمان الغيبة فانكشف بعد أدائها وجوب صلاة الظهر في زمانها فلا وجه لإجزائها مطلقا، غاية الأمر أن تصير صلاة الجمعة فيها أيضا ذات مصلحة لذلك [4]، ولا ينافي هذا بقاء صلاة الظهر على ما هي عليه من المصلحة كما لا يخفى، إلا أن يقوم دليل بالخصوص على عدم وجوب صلاتين في يوم واحد.[5]
 ملخص كلام الشيخ الآخوند (ره) في الكفاية في خطوط:
-عدم الإجزاء في الأمارات سواء كان منها ما يثبت أصل التكليف كالأمارات المثبتة لأصل وجوب الصلاة أو أنواعها، أو ما يثبت متعلّق التكليف من شرائط ومقدمات وأجزاء كاشتراط الطهارة من الخبث في الصلاة. هذا على القول بالطريقية وهو مذهبه (ره) في حجية الأمارة. أما على القول بالسببية فحينئذ يكون الكلام فيها كالكلام في الاضطراري، فإن الأمارة إذا كانت سببا في قيام مصلحة فتارة تكون وافية بتمام مصلحة الواقع وإلا فإما أن يمكن استيفاؤها أو لا، وإذا امكن استيفاؤها فإما ان تكون على نحو الالزام او الاستحباب. وحينئذ فالكلام هنا هو الكلام في الاضطراري.
-الأجزاء في ما قام عليه الأصل في متعلّق التكليف مثل: " كل شيء لك طاهر حتى تعلم أنه قذر "، حيث وسّع الشارع – برأي الآخوند – شرط الطهارة في الصلاة لتشمل بالإضافة إلى الطهارة الواقعية الطهارة المشكوكة، ومعه فقد اتى المكلف بالواجب مع تمتم شرائطه، وحينئذ لا مناص من القول بالإجزاء.
-عدم الإجزاء في ما قام عليه الأصل في نفس التكليف فلا قول بالإجزاء عنده (ره).


[1] مائده/سوره5، آیه1.
[2] هنا إذا قلنا بان لا حكم إلا حكم المجتهد، فلا ترد هنا مسألة الأجزاء أصلا لأننا نعود لرأي المجتهد.
[3] محاضرات في الاصول، السيد الخوئي، ج2، ص250.
[4] أي على نحو السببية في بعض اوجهها.
[5] كفاية الأصول، الآخوند الخراساني، ج1، ص87.