الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

36/01/17

بسم الله الرحمن الرحیم

  العنوان: الاجزاء
 نكمل قول المحقق البرجردي (ره): بأن هناك أمر واحد وتوجيه واحد ولكن أفراد الامتثال هي التي تختلف من حال إلى آخر، والامثلة على ذلك كثيرة، وهي على غرار ما في الصلاة إذا كنت مسافرا الواجب ركعتان، وإذا كنت حاضرا فالواجب أربعة. وفي الحج التوجه بالحكم واحد ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ﴾ [1] لكن في مقام الاحرام لا يتم الا من المواقيت التي حددها الشارع، ولكل صقع من الأرض ميقاته، فهذا لا يعني ان هناك خطابات مختلفة للحج. وملخص كلامه (ر9) أن لدينا أمر واحد لا أمرين. 
  وقد يقال: إن هذا الردّ والتصوير لا ثمرة له؟
  لكن الظاهر أن لهذا التصوير ثمار في مسألتنا الاجزاء:
 منها: القول بالإجزاء مطلقا ثبوتا وإثباتا بناء على الأمر الواحد وذلك في حال استيعاب العذر لتمام الوقت. مثلا: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ﴾ [2] الامر واحد، والمتعلق واحد الذي هو الصلاة، والمفهوم واحد طبيعي واحد وهو الصلاة، وكذلك الشرائط، وكل ما في الامر أن الطهارة المأخوذة في صحة الصلاة هي الطهارة المائية مع وجود الماء، والترابية مع عدمه. واختلاف الطهارة المائية عن الطهارة الترابية لا يعني وجود امرين، بل هو وجود ظرفين.     
  ومنها: في الأصل العملي حيث لا شك في السقوط لو كان أمر واحد، بخلاف الأمرين فإن الاختياري أشك في سقوطه بامتثال الاضطراري فالمقام هنا مقام اشتغال.
 أقول: في ذكر المؤيدات لما ذهب اليه السيد البرجردي (ره) بوجود أمر واحد أو البقاء على ما هو متداول بوجود أمر اختياري أولي واقعي، وأمر اضطراري ثانوي.
  إن مفهوم الاضطرار قد ورد في القرآن الكريم: ﴿ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [3]، قد يقال إن " الفاء " ترتيبية استثنائية توميء إلى وجود أمر أول في حال الاختيار وأمر آخر في حال الاضطرار. ولكن هذه الآية في مقام رفع الحكم أو آثاره عند الاضطرار، لا إثبات حكم آخر، ويؤيدها روايات رفع الحكم التي جاءت في مقام المنّة على المكلفين.
 ومما يؤيد كلام المحقق البرجردي ما توميء إليه الروايات في الوسائل:
ح1-  محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن محمد بن حمران وعن جميل بن دراج جميعا، عن أبي عبد الله عليه السلام (في حديث) قال: إن الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا. [4]   
وح5 - وفي حديث زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن التيمم أحد الطهورين.
وح6 - وفي حديث محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن رب الماء هو رب الصعيد، فقد فعل أحد الطهورين.[5]
هذه الروايات تسوي بين الأمرين وتشير إلى أن هناك أمرا واحدا ويحتاج إلى شرط واحد وهو الطهارة، والطهور أمر اعتباري اعتبره الشارع أن يكون بدل الماء تراب.
كذلك هناك إشارة أخرى وهي: اتحادهما في حكم رفع الحدث بحيث يباح كل ما اباحته الطهارة المائية، كالدخول للمسجد وغيرها. 
إذن ملخصا: ما يريده السيد البرجردي (ره) أنّ ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ﴾ خطاب للجميع والمتعلق واحد وهو طبيعي الصلاة،  وشروط الصلاة من استقبال للقبلة والطهارة وغيرها أيضا واحدة، ولكن كل ما في الامر في استقبال القبلة انه من كان داخل المسجد الحرام فقبلته الكعبة، ومن كان ضمن الحرم المكي فقبلته المسجد الحرام، ومن كان خارج الحرم في الافاق وفي العالم فقبلته الحرم بكامله وليس خصوص الكعبة، فاختلاف القبلة باختلاف الظروف لا يعني وجود أوامر متعددة.
  غدا ان شاء الله نكمل مسألة البدار.


[1] آل عمران/سوره3، آیه97.
[2] بقره/سوره2، آیه43.
[3] بقره/سوره2، آیه173.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص994، أبواب التيمم، باب23، ح1، ط الإسلامية.
 توضيح مع فائدة بلاغية: الطهارة المائية ظرفها وجود الماء، والطهارة الترابية ظرفها عدم وجود الماء ولا يمكن ان يجتمع الظرفان معا. ثانيا: كلمة "  كما " تشبيه والتشبيه يكون للأخبار عن التسوية أو لرفع الوهم، لان المشبه اقل قوة في المشبه به، مثلا: زيد اسد، أي ان الشجاعة والقوة في الأسد واضحة والشك في زيد هل يشتمل على وجه الشبه أو لا؟ وهذا المسألة سنستفيد منها في مسألة البدار بان يكون عندي فردان احدهما اكمل من الآخر، فالتشبيه يوحي بوجود الفردين واحدهما انقص من الآخر، ويمكن ان نستفيد بان الطهور في الماء اقوى منه من الطهور في التراب لان مقتضى التشبيه ذلك الا ان يقام دليل على خلاف ذلك
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص995، أبواب التيمم، باب23، ح4، ط الإسلامية
فائدة تربوية: سلام الله على الائمة كانوا عندما يذكرون حكما كثيرا ما يقدموا له مقدمة قبل إعطاء الحكم، سواء كانت مقدمة وجدانية او إنسانية او منطقية. هذه الرواية نستفيد منها أمرا آخر غير الحكم الشرعي، ان أسلوب التبليغ ارشادي يؤدي إلى اطمئنان السائل قبل إعطاء الحكم.