الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

35/11/28

بسم الله الرحمن الرحیم

  العنوان: الفور والتراخي
-تتمة صاحب الكفاية (ره).
-فائدة صاحب المعالم (ره).
-الأصل العملي. 
ذكرنا سابقا ان لا دلالة للصيغة على ايّة خصوصية كما لا دلالة للمادة على أية خصوصية. ونكمل كلام صاحب المعالم وما ذكره صاحب الكفاية تحت عنوان " تتمة "، ونذكر ما ذكره صاحب المعالم أيضا تحت عنوان " فائدة " وهل هناك فرق بين تتمة صاحب الكفاية وفائدة صاحب المعالم، وننهي المطلب ببيان الأصل العملي بعد الانتهاء من مرحلة الأصل اللفظي الذي يقتضي كما هو المشهور ان الصيغة لا تدل على فور ولا على تراخ كدلالة مع عدم القرينة، وهو المختار.
تتمة كلام صاحب المعالم: الخامس - أن كل مخبر كالقائل: " زيد قائم، وعمرو عالم " [1]، وكل مُنشئ كالقائل: " هي طالق، وأنت حر "، وإنما يقصد الزمان الحاضر . فكذلك الامر، إلحاقا له بالأعم الأغلب.
وجوابه: أما أولا: فبأنه قياس في اللغة، لأنك قست الامر في إفادته الفور على غيره من الخبر والانشاء، وبطلانه بخصوصه ظاهر. وأما ثانيا: فبالفرق بينهما بأن الامر لا يمكن توجهه إلى الحال، إذ الحاصل لا يطلب، بل الاستقبال، إما مطلقا، وإما الأقرب إلى الحال الذي هو عبارة عن الفور، وكلاهما محتمل، فلا يصار إلى الحمل على الثاني إلا لدليل.
السادس - أن النهي يفيد الفور، فيفيده الأمر، لأنه طلب مثله. وأيضا الامر بالشيء نهي عن أضداده، وهو يقتضى الفور بنحو ما مر في التكرار آنفا.
وجوابه: يعلم من الجواب السابق، فلا يحتاج إلى تقريره.
احتج السيد (المرتضى) رحمه الله [2]- بأن الامر قد يرد في القرآن واستعمال أهل اللغة ويراد به الفور، وقد يرد ويراد به التراخي. وظاهر استعمال اللفظة في شيئين يقتضي أنها حقيقة فيهما ومشتركة بينهما. وأيضا فإنه يحسن بلا شبهة أن يستفهم المأمور - مع فقد العادات والامارات - : هل أريد منه التعجيل أو التأخير؟ والاستفهام لا يحسن إلا مع الاحتمال في اللفظ [3].
 ننتقل إلى تتمة صاحب الكفاية (ره) يقول: 
  تتمة: بناء على القول بالفور فهل قضية الأمر الإتيان فورا ففورا بحيث لو عصى لوجب عليه الإتيان له فورا أيضا في الزمان الثاني أولا؟
 يقول الشيخ الآخوند (ره) في الكفاية: هناك وجهان مبنيان على أن مفاد الصيغة على هذا القول هو وحدة المطلوب أو تعدده [4]، فلا يخفى أنه لو قيل بدلالتها على الفورية لما كان لها دلالة على نحو المطلوب من وحدته أو تعدده فتدبر جيدا [5].
  وحاصله في مقام توضيح كلامه: أنه إذا كان الأمر مأخوذا على نحو وحدة المطلوب أي أن الفورية في الآن الأول جزء من المأمور به ومقوم لأصل المصلحة ذهبنا إلى عدم الفورية في الزمان الثاني أي التراخي عند عصيان الزمن الأول والدخول في الزمان الثاني، وذلك لانتفاء مصلحة الفورية. وإذا كان الأمر مأخوذا على نحو تعدد المطلوب ذهبنا إلى بقاء وجوب الفورية في الزمان الثاني. وذلك لأن الأمر تعلق بالفعل مع الفورية. فإذا انتفت الفورية في الزمان الأول تبقى في الزمان الثاني.
  ثم يقول صاحب الكفاية : أنه لو قيل بالدلالة على الفورية لما كان لها دلالة على المطلوب من الوحدة أو التعدد.  هذه هي معالجة صاحب الكفاية (ره) للمسألة.
 أما صاحب المعالم (ره) فقد ذكر مسألة في ذيل مسألة الفور والتراخي تحت عنوان " فائدة "، ويظهر من بعضهم توهّم أنها نفس المسألة السابقة التي ذكرها صاحب الكفاية تحت عنوان " تتمة ". لكنهما مسألتان.
  أما فائدة صاحب المعالم فهي من فروع عنوان المؤقت، وتتمة صاحب الكفاية هي من فروع مسألة الفور. ولعلّ سبب التوهم هو ما ابتدأ به صاحب المعالم حيث قال: فائدة: " إذا قلنا بأن الامر للفور ..". ولا بأس بذكر كلمات صاحب المعالم ص 60. فائدة:
إذا قلنا: بأن الامر للفور، ولم يأت المكلف بالمأمور به في أول أوقات الامكان، فهل يجب عليه الاتيان به في الثاني أم لا؟ ذهب إلى كل فريق .
احتجوا للأول: بأن الامر يقتضى كون المأمور فاعلا على الاطلاق، وذلك يوجب استمرار الامر. وللثاني: بأن قوله: إفعل يجري مجرى قوله: إفعل في الآن الثاني من الامر، ولو صرح بذلك، لما وجب الاتيان به فيما بعد. هكذا نقل المحقق والعلامة الاحتجاج، ولم يرجحا شيئا.
وبنى العلامة الخلاف على أن قول القائل: افعل، هل معناه: إفعل في الوقت الثاني، فان عصيب ففي الثالث؟، وهكذا. أو معناه: إفعل في الزمن الثاني، من غير بيان حال الزمن الثالث وما بعده؟.
 فان قلنا بالأول اقتضى الامر الفعل في جميع الأزمان، وإن قلنا بالثاني لم يقتضيه، فالمسألة لغوية. وقد سبقه إلى مثل هذا الكلام بعض العامة. [6]
   هذا كله في مرحلة الأصل اللفظي.
 أما الأصل العملي عند الشك في وضع الصيغة فهو أصالة عدم لزوم الفورية، وعمليا تكون النتيجة التراخي.
  قد يقال: ان الأصل هنا الاحتياط، وذلك للشك في صحة الامتثال في الزمن الثاني. ومع الشك في الامتثال يجري الاحتياط.
 والجواب: الامتثال قد حصل فانتفى موضوع اصالة الاحتياط وهو الشك في الامتثال، وبيقي الشك في التكليف، أي في لزوم الفورية وهو موضوع أصل البراءة.
 والحاصل: ان هناك مسألة مؤقت وغير مؤقت ومسألة فور وتراخ. وقوام مسالة الفور والتراخي ظهورها في لزوم اصل الفعل، والشك في لزوم الفورية على نحو تعدد المطلوب، ومع تعدد المطلوب في مسألة   الفور والتراخي يكون الامتثال قد تم. وهل هناك وجوب للفورية أو لا؟، فالأصل عدم لزوم الفورية.
 بهذا ننتهي من مسألة الفور والتراخي وملخصها انه في مرحلة الأصل اللفظي: لا الصيغة ولا المادة تدل على خصوصية الفور والتراخي، تجتمع عدم دلالة الصيغة على الفور والتراخي مع التراخي ولكنها ليست دليلا ولا ظاهرة في التراخي، وإن كانت تجتمع نتيجتها مع التراخي من باب التسهيل. والاصل العملي اصالة عدم لزوم الفورية.


[1] نلاحظ ان محل الخلل  من تعبيراتهم، انهم لم يفرقوا بيتن الاستعمال والتبادر والله العالم.
[2] القاعدة التي أسسها السيد (ره) من ان الاستعمال علامة للحقيقة.
[3] الاحتمال في اللفظ يكون بسبب الاشترك اللفظي أو الاشترك المعنوي، ومجرد الاحتمال هنا لا يعني انه موضوع للطرفين.
[4] يعني يجب الفعل مع الفور وتكون الفورية مقومة لأصل المصلحة، فيكون المأمور به الفعل مع الفورية، هذا يعبر غنه بوحدة المطلوب بحيث ان الفورية لو لم تتم فاصل المأمور به ينتفي. نقول للشيخ الآخوند (ره): انت بنيت على شيء لا نعرفه فما فائدة هذا البناء.
[5] كفاية الأصول، الآخوند الخرساني، ج1، ص80.
[6] معالم الدين وملاذ المجتهدين، الشهيد الثاني، ج1، ص59.