العنوان: الفور والتراخي
نسأل الله تعالى ان تكون هذه العطلة
الصيفية كان فيها الخير الكثير، الشيخ الآخوند (ره) كان يقول:
" لا اعد المحصل محصلا حتى يكون يوم تعطيله كيوم تحصيله
". وحتى نفس التبليغ مع الناس هو عبارة عن استفادة لما درسناه، ثم نفس
المعاشرة والمماحكة مع الناس تؤدي على نوع من الفهم المميز للحديث والفقه، وهذا ما
نطلبه من الاخوان ان يكونوا مع الناس في كل لحظات حياتهم لان لها الأثر التبليغي
فقهيا أولا، وثانيا في فهم الفقه، كروايات ونصوص وفهم سيرة العقلاء.
وكل متفقه عندما ينهمك في الأمور
العملية ويبتعد عن العلم والنظريات والكتب، يعيش في حالة جمود، بينما إذا كان
عمليا مع الدراسة والأمور العلمية يتطور ويستمر بالعطاء.
بارك الله فيكم ونسأل الله تعالى لي
ولكم الثواب في كل حرف وكل كلمة وكل فكرة، ونحن نجهد انفسنا حتى نصل لحكم لله عز
وجل ان شاء الله.
نعود إلى درس الأصول وإلى درس دلالة
الصيغة، هذه الدروس المتداولة والموجودة من مئات السنين، ومنها دلالة الصيغة على
الفور او التراخي، هذه الفقرة موجودة قديما، وسنقرأ ان شاء الله عبارة المعالم حتى
نربط القديم بالحديث لما فيه من فائدة في تطور علم الأصول، فلا يجوز لنا ان ننقطع
عن القديم لأنه يعبر عن ذهنيتهم وكيفية تفكيرهم، وهنا تكمن أهمية المعالم بانها
تلخص الفكر القديم، بحيث تستطيع ان تربطه بالفكر الحديث.
محل الكلام:
إذا ثبت وجوب أمر بدليل معتبر، سواء
كان الدليل لفظيا أم لبيا وسواء كان بالوضع أو بالإطلاق أم بحكم العقل أو بحكم
العقلاء، وسواء أكان بجملة انشائية أم خبرية، ومع عدم وجود قرينة خاصة تدل على
الفورية أو التراخي، فهل نفس الصيغة عند اطلاقها تدل على الفور بمعنى وجوب الإتيان
والإمتثال في أول أزمنة الإمكان وهذا يعني ان كل مضمون بحسبه، أو لا تدل على ذلك،
بل يجوز التراخي. مثلا: فإذا قلت لك " اتني بماء " يعني خلال دقائق، اما
لو قلت لك " اتني برجل صالح " يكون حسب اول الإمكانيات الموجودة وهذا
معنى الفورية.
ثم إن هذه المسألة تختلف عن مسألة
المؤقت وغير المؤقت، وعن مسألة المضيّق والموسع.
والكلام في ذلك تارة في الأصل اللفظي
وتارة في الأصل العملي. ومع وجود الأصل اللفظي لا تصل النوبة إلى الأصل العملي.
أما الأصل اللفظي: فالكلام أيضا يقع
في أمرين: تارة في الدلالة اللغوية، وتارة في الدلالة الشرعية.
نفصل هنا بين اللغة والشرع، فإذا تم
الاستدلال بـ
﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ
مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [1]
فالصيغة لا تدل لغة على الفورية لولا الدليل الشرعي. إذن إذا قلنا بالدلالة
الشرعية يقتضي ذلك ان الأوامر الواردة في الشرع فقط تدل على الفورية وكأنّ هناك
قرينة خاصة، اما لغة فلا تدل. فكيفية الاستدلال لها ثمرة في هذه المسألة، والقدماء
كثيرا ما كانوا يستدلون على الأوضاع اللغوية بالاستعمالات الشرعية.
[2]
- أما لغة: فإن اللفظ في الأوامر مكون
من مادة وصيغة. أما المادة فهي لفظ موضوع لصِرف الطبيعة من دون لحاظ أية خصوصية،
وكذلك الصيغة فهي تدل على الوجوب فقط سواء قلنا إن الظهور بسبب الوضع أو بالإطلاق
أو بحكم العقلاء، ولا تدل على أية خصوصية.
- واما شرعا: فقد استدل للفورية شرعا
بعد التسليم بعدم الدلالة لغة، أي أن هناك قرينة خاصة في النصوص الشرعية بآيتين:
﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾
[3]
فإن المراد بالمغفرة سببُها وهو فعل المأمور به، لا نفسها لأنها فعل الله تعالى
فيستحيل مسارعة العبد إليها، وحينئذ تجب المسارعة إلى فعل المأمور به. فصيغة الامر
تدل على الوجوب والمسارعة والمبادرة. والاوامر الشرعية سواء كانت لفظية أو لبيّة
كحرمة القتل والكذب أو وجوب الصدق، كل ما كان دليله لبي أيضا يندرج، لان المأمور
به اللبي أيضا من أسباب المغفرة فتشمله الآية.
والآية الأخرى
﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ ﴾ [4]
فإن فعل المأمور به من الخيرات فيجب الاستباق إليه.
وإنما يتحقق عنوان المسارعة أو
الاستباق بأن يفعل الفعل على الفور، أي في أول أزمنة إمكان الامتثال.
إذن هذان الدليلان الآيتان مختصتان
بالأوامر الشرعية ولا علاقة لها بالمعنى اللغوي العرفي، سواء كانت هذه الأوامر
لفظية أم لبيّة. وحينئذ يصبح هذان الدليلان أوسع من المدعى، لان كلامنا في دلالة
الصيغة على الفور والتراخي.
والجواب: إن الآيتين ظاهرتان في حكم إرشادي،
وهو حكم العقل بحسن المسارعة والاستباق، وذلك لما فيه من مصلحة واضحة للإنسان، فهو
تنافس بين العقلاء، والتنافس إنما يكون في ما فيه مصلحة لأشخاصهم لوجود الانا،
ولولا الأنا ما عبد الله " ومن عرف نفسه فقد عرف ربه " والأنا يحكم بها
العقل .
[5] وبذلك ليس في الآية أي ظهور في حكم
إلزامي مولوي.
تبقى الأجوبة الأخرى وأكثرها أجوبة
نمطية مذكورة في كتب الأصول سنتعرض لبعضها.