الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

35/08/05

بسم الله الرحمن الرحیم

  العنوان: دلالة الأمر على المرّة والتكرار

-الامتثال بعد الامتثال
المبحث الثاني: هل يصح الامتثال بعد الامتثال؟ مثلا: هل لي ان أصلي صلاة الظهر مرّة أخرى امتثالا؟ اما احتياطا للشك في شيء منها فلا شك في الجواز، وهذا ليس من باب الامتثال. وقد ورد في الحديث ذلك كـ " من صلى فرادة ثم أقيمت جماعة فليصلها جماعة، فان الله يختار أحبهما اليه " والعرف قد يساعد على ذلك، ولكن كيف نفسره بناء على عدم الجواز عقلا؟.    
 هناك ثلاثة أقوال:
 الأول: الامتثال بعد الامتثال، ومن الذاهبين إليه صاحب المعالم (ره) كما مرّ في كرمه.
  الثاني: عدم صحة الامتثال بعد الامتثال، كما هو عليه مجمل المتأخرين.
 الثالث: التفصيل بين تحقق الغرض الأقصى فلا يصح الامتثال لسقوط الغرض، وبين عدمه فيصح، وذلك كما لو طلب الآمر كوب ماء، فامتثل المأمور وأتى بكوب، فهل يصح للمأمور أن يأتي بكوب آخر فيما لو كان الماء اصفى وأنقى، أو أن يستبدل كوبا بكوب؟ يفصل صاحب الكفاية (ره) بين شرب الامر للكوب الأول – وهو ما يسمى بالغرض الأقصى - وبين عدم شربه، فلا يصح الامتثال الثاني في الحالة الأولى، ويصح في الحالة الثانية.
 وهذا نص صاحب الكفاية (ره): والتحقيق: إن قضية الاطلاق إنما هو جواز الاتيان بها مرة في ضمن فرد أو أفراد، فيكون إيجادها في ضمنها نحوا من الامتثال، كإيجادها في ضمن الواحد، لا جواز الاتيان بها مرة ومرات، فإنه مع الاتيان بها مرة لا محالة يحصل الامتثال ويسقط به الامر، فيما إذا كان امتثال الامر علة تامة  لحصول الغرض الأقصى، بحيث يحصل بمجرده، فلا يبقى معه مجال لإتيانه ثانيا بداعي امتثال آخر، أو بداعي أن يكون الاتيانان امتثالا واحدا، لما عرفت من حصول الموافقة بإتيانها، وسقوط الغرض معها، وسقوط الامر بسقوطه، فلا يبقى مجال لامتثاله أصلا. [1] وأما إذا لم يكن الامتثال علّة تامة لحصول الغرض، كما إذا أمر بالماء ليشرب أو يتوضأ فأتي به، ولم يشرب أو لم يتوضأ فعلا، فلا يبعد صحة تبديل الامتثال بإتيان فرد آخر أحسن منه، بل مطلقا [2]، كما كان له ذلك قبله، على ما يأتي بيانه في الاجزاء. [3]
  ولا بأس بذكر كلام السيد الخوئي (ره) ثم التعليق عليه. قبل ذلك هناك مقدمة وهي اننا بيّنا سابقا أن الغرض هل يمكن أن لا يكون مساويا من المأمور به، المتعلّق، أو لا؟ ذكر في مسألة التعبدي والتوصلي انه يمكن ذلك، بعد ان يتم المأمور به يقول المولى ان الغرض لم يتم بعد، فاعرف انه لا بد من داعي الامر حينئذ، فيكون غرض المولى أوسع من تحقق المأمور به.    
يقول السيد الخوئي (ره): والصحيح: هو عدم جواز الامتثال بعد الامتثال، وذلك لأن مقتضى تعلق الأمر بالطبيعة بدون تقييدها بشيء كالتكرار أو نحوه حصول الامتثال بإيجادها في ضمن فرد ما في الخارج، لفرض انطباقها عليه قهرا، ولا نعني بالامتثال إلا انطباق الطبيعة المأمور بها على الفرد المأتي به في الخارج، ومعه لا محالة يحصل الغرض ويسقط الأمر فلا يبقى مجال للامتثال مرة ثانية، لفرض سقوط الأمر بالامتثال الأول وحصول الغرض به، فالإتيان بها بداعيه ثانيا خُلفٌ.
ومن هنا سنذكر - إن شاء الله تعالى - في مبحث الإجزاء أن الإتيان بالمأمور به بجميع أجزائه وشرائطه علّة تامة  لحصول الغرض وسقوط الأمر، فعدم الإجزاء غير معقول، بل لو لم يكن الامتثال الأول مسقطا للأمر وموجبا لحصول الغرض لم يكن الامتثال الثاني أيضا كذلك، لفرض أنه مثله فلا تفاوت بينهما، على أنه لا معنى لجواز الامتثال ثانيا بعد فرض بقاء الأمر والغرض.
وإن شئت قلت: إن لأمر واحد ليس إلا امتثالا واحدا، فعندئذ إن سقط الأمر بالامتثال الأول لم يعقل امتثاله ثانيا، وإلا وجب ذلك، ضرورة أن حدوث الغرض كما يوجب حدوث الأمر وبقاؤه يوجب بقاءه فجواز الامتثال بعد الامتثال عندئذ لا يرجع إلى معنى معقول.
نعم، إذا أتى المكلف بما لا ينطبق عليه المأمور به خارجا وجب عليه الإتيان به مرة ثانية، إلا أنه ليس امتثالا بعد الامتثال، لفرض أن الأول ليس امتثالا له.
ومن ضوء هذا البيان تظهر نقطة الخطأ في كلام صاحب الكفاية (قده)، وهي:
الخلط بين الغرض المترتب على وجود المأمور به في الخارج من دون دخل شيء آخر فيه وبين غرض الآمر، كرفع العطش - مثلا - حيث إن حصوله يتوقف على فعل نفسه وهو الشرب زائدا على الإتيان بالمأمور به، ومن الطبيعي أن المكلف لا يكون مأمورا بإيجاده وامتثاله، لخروجه عن قدرته واختياره، فالواجب على المكلف ليس إلا تمكين المولى من الشرب وتهيئة المقدمات له، فإنه تحت اختياره وقدرته، وهو يحصل بصرف الامتثال الأول.
وكيف كان، فإن حصل الغرض من الامتثال الأول وسقط الأمر لم يعقل الامتثال الثاني إلا تشريعا، وإن لم يحصل وجب ذلك ثانيا، وعلى كلا التقديرين فلا معنى لجوازه أصلا.
نعم، قد يتوهم جواز ذلك في موردين: [4]
أحدهما: في صلاة الآيات، حيث قد ورد فيها: أن من صلى صلاة الآيات فله أن يعيد صلاته مرة ثانية ما دامت الآية باقية، وهذا يدل على جواز الامتثال مرة ثانية بعد الامتثال الأول.[5]
 قبل ان نصل إلى بيان تمام كلامه (ره) ونذكر ما يمكن ان نصل اليه نذكر الروايات التي وردت في صلاة الآيات  
في صلاة الآيات: الوسائل في المعتبر:1 - محمد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد الله عليه السلام صلاة الكسوف إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد. [6]
 كذلك ب 9 استحباب إطالة صلاة الكسوف بقدره حتى للإمام.
وفي صلاة الجماعة بعد أن صلى فرادى: الوسائل: 10 - وبإسناده عن سهل بن زياد، عن محمد بن الوليد، عن يعقوب، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أصلي ثم ادخل المسجد فتقام الصلاة وقد صليت، فقال: صل معهم، يختار الله أحبهما إليه. محمد بن يعقوب، عن علي بن محمد، عن سهل بن زياد مثله. [7]
إضاءة: ذكرت هذه الرواية لكلامه (ع) " يختار الله أحبهما إليه " هل نستطيع ان نخرج منها بقاعدة او انها خاصة بالصلاة، ستنفعنا في اظهار حكم العقلاء في ذلك. 
 وفي الصحيح: 11 - وعن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري، عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يصلي الصلاة وحده ثم يجد جماعة، قال: يصلي معهم ويجعلها الفريضة. ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب. أقول: وتقدم ما يدل على ذلك، ويأتي ما يدل عليه. [8]
هنا سنصل إلى نتيجة انه أذا كان متعلق التكليف كليا مشككا في تحصيل الغرض، لان افراد التكليف ليست على سنن واحد. فهل يمكن تصحيح الامتثال الثاني؟ كونوا على ذُكر من ذلك، لأننا سنستفيد منه عند بيان المختار.
 غدا إن شاء الله نكمل كلام السيد الخوئي (ره).





[1]  استطراد: عندم يصدر حكم من المولى، متى يسقط الحكم؟ إما بانتفاء موضوعه، أو بحصول الغرض، أو بالامتثال فيسقط الحكم عقلا فلا يمكن عقلا امتثال آخر. وهل يسقط بالعصيان أو لا؟ فيه كلام يأتي في مبحث الترتب.     .
[2] مثال " أحسن منه " من قبيل ما ورد في صلاة الجماعة بدل صلاة الفرد، أو الصلاة في البيت فرادى والصلاة في المسجد مرّة ثانية أيضا فرادى لان الصلاة في المسجد أفضل.    
[3] كفاية الأصول، الشيخ الآخند، ص 79.
[4] كلامه هنا (ره) من الناحية الشرعية، أما صاحب المعالم الامر عنده من المسلمات العرفية " لا ريب " بالامتثال بعد الامتثال. السؤال هنا: ماذا نصنع بالمسائل العرفية حيث ان الامتثال بعد الامتثال وارد عندهم. وماذا نفعل بصلاة الآيات وصلاة الجماعة؟  
[5] محاضرات في الاصول، سيد أبو القاسم الخوئي، ج 2، ص 209.
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 5، ص 153، باب 8، استحباب إعادة صلاة الكسوف، ح1، ط الإسلامية.
[7] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 5، ص 456، باب 54، استحباب إعادة المنفرد صلاته، ح10، ط الإسلامية. .
[8] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 5، ص 457، باب 54، استحباب إعادة المنفرد صلاته، ح11، ط الإسلامية.