الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

35/07/27

بسم الله الرحمن الرحیم

  العنوان: التعييني والعيني

-المبحث السادس: إطلاق الصيغة يقتضي الوجوب النفسي التعييني والتعيني:
 في أجواء وفاة الامام موسى بن جعفر الكاظم (ع) عظّم الله اجوركم ونسأل الله تعالى أن يحشرنا معهم ومع ابائهم يوم القيامة. 
 يقول الشيخ الآخند (ره) في الكفاية: قضية إطلاق الصيغة كون الوجوب نفسيا تعيينيا عينيا لكون كل واحد مما يقابلها [1] يكون فيه تقيّد الوجوب وتضييق دائرته، فإذا كان في مقام البيان ولم ينصب قرينة عليه فالحكمة تقتضي كونه مطلقا، وجب هناك شيء آخر أو لا [2]، أتى بشيء أخر أو لا، أتى به آخر أو لا، كما هو واضح لا يخفى. [3]
 بيانه: تارة نتكلم في الأصل اللفظي، وتارة في الأصل العملي.
أما في المقام الأول: أي الكلام في الأصل اللفظي. بيان موضع النزاع: الصيغة بذاتها مشتركة بين الوجوب النفسي والوجوب الغيري والعيني والكفائي والتعييني والتخيري فنستخدم صيغة " افعل "، فإذا كان هناك قرينة على أحدهما تعيّن، والكلام مع فقد القرينة، مثلا: في غسل الجنابة. هو غسل واجب غيري مقدمة لغيره، لكن هل يصح لنفسه؟ كأن ينوي الغسل قربة لله تعالى لا لغاية،كما في الوضوء الذي ثبت من الروايات صحته. هل يصح الغسل لغير قراءة القرآن او ما يكون الغسل مقدمة لها كمس كتابة القرآن، اللبث في المسجد وغيرها؟ فإذا شككنا في " إذا كنتم جنبا فاطهروا " هل هو وجوب نفسي أو وجوب مقدمي؟ فإذا كان الأصل النفسي، فعند الشك يمكن ان نقول ان الغسل كما يمكن ان يكون مقدمة لغيره يمكن ان يكون هو مطلوب لذاته. ويمكن تصور المسألة في التعيني والتخيري كما في الكفارات.                 
 أولا: في التعريفات وللتذكير: الواجب نفسي ويقابله الغيري.
 الواجب النفسي: هو الواجب لنفسه لا لأجل واجب آخر [4]، ويقابله الواجب الغيري أي ما كان وجوبه لأجل واجب آخر، ويسمى أيضا بالمقدمي أو بالطريقي.
 الواجب التعييني: هو الواجب بلا واجب آخر يكون عدلا له وبديلا عنه في عَرضه، ويقابله الواجب التخييري.[5]
  الواجب العيني: ما يتعلّق بكل مكلّف بشخصه ولا يسقط بفعل الغير، ويقابله الكفائي.
 الصيغة بالوضع تشمل جميع هذه الأقسام، نعم عند الاستعمال لا يكون المراد الاستعمالي [6] الا أحد اثنين، أي: إما نفسي وإما غيري، ويكون: إما عيني وإما كفائي، ويكون إما تعييني وإما تخييري. هذا إذا كان على نحو الحقيقة، وإذا كان مستعملا في الجامع فهو مجاز.
  أما المراد الجدي فإذا كان لدينا قرينة حالية أو مقالية على أن المراد أحدهما عملنا بها، كما لو قال: " على المسلمين أن يطعموا فلانا "، فإذا أطعمه أحدهم سقط عن الباقين، فالمراد هو نفس الفعل، فإذا تمّ من أحدهم سقط عن الباقين.
  وإن كان هناك قرينة على أن المراد هو الجامع بينهما فكذلك نعمل بها.
  ومع عدم أي قرينة فماذا يقتضي الإطلاق؟ (في مرحلة المراد الجدي، لانه في الوضع يشمل الاثنين معا).
 يقول الشيخ الآخوند: إن إطلاق الهيئة يقتضي النفسي العيني التعيني، وذلك لأن المرجع في الألفاظ وما يفهم منها هو الظهور العرفي والاستعمالات العرفية [7]، ونحن نرى أن العرف عندما يريد الوجوب النفسي يستعمل لفظ الصيغة من دون أي تقييد فيقول مثلا: " أقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة ". وإذا أراد العرف الوجوب الغيري استعمل الصيغة مع تقييد، بل لا بد من التقييد حينئذ، مثلا: } إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين { [8]. فالغسل والمسح وجوبهما مقدمي للصلاة ولذلك بيّن وجوبهما مقيّدا فقال: } إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا .... {.
من هنا لما كانت الأقسام الثلاثة: العيني والتعييني والتخيري يحتاج مقابلها إلى بيان زائد فإذا كان المتكلم في مقام بيان وامكن ان يبين ولم يبين، حينئذ يكون الاطلاق في النفسي. بتعبير أخر: الدليل على ان اطلاق الصيغة يقتضي العيني لا الكفائي والنفسي لا الغيري هو انه إذا أراد الكفائي او التخييري او الغيري كان عليه أن يقيّد، هذا عند العرف، والعرف هو المرجع في هذه الامور.
فتحتاج إلى مؤنة زائدة وتحتاج الصيغة حينئذ إلى تقييد، ولان التقييد يؤدي إلى تضيق دائرة مدلول الصيغة [9] من هنا كان مدلول الصيغة هو الاطلاق وعدم التقييد إذا كان المتكلم في مقام بيان فإن عدم القيد احد مقدمات الاطلاق.
إذن الطريق الأول هو إطلاق الصيغة بمقدمات الحكمة، وهناك طرق ذكرها بعضهم لاستفادة النفسي.
منها: دعوى انصراف الذهن عرفا إلى العيني لاسيما عند توجيه الخطاب إلى الافراد، بعبارة أخرى: هو انسباق إلى بعض حصة الكلي النفسي والغيري، فانصرف إلى النفسي.
 هل هناك فرق بين ظهور اللفظ في النفسي بالإطلاق، وظهور النفسي بالانصراف او لا؟   
غدا ان شاء الله عز وجل نكمل.



[1] النفسي يقابله الغيري، التعييني يقابله التخيري، والعيني يقابله الكفائي.  .
[2] استطراد: الأولى أن تكون أم الا بناء على رأي أبو حيان التوحيدي. بعد همزة التسوية المقدرة بسواء تأتي أم.  .
[3] كفاية الأصول، الشيخ الآخوند، ص 76.
[4] عبرّ الأصوليون هنا " لأجل واجب آخر " ولم يعبروا لأجل أمر آخر، والا لاصبحت كل الواجبات غيرية لكونها لأجل مصالح.
[5] وقع الكلام في الواجب التخييري ما هو؟ هل هو الجامع، أو هو هذا الفرد الذي اختاره. جوابا على ذلك نقول: ان الواجب هو عبارة عن امر بسيط له أصناف كالمضيق والموسع والمشروط وغير المشروط نمط من الواجبات بسيط.     .
[6] ذكرنا ان هناك مراحل: الوضع، الاستعمال، المراد الجدي.  .
[7] ردا على اشكال الكلام في الاستعمالي او الجدي: الكلام في المراد الجدي، هذه الأصول التي ذكرناها سابقا كأصالة الظهور انما تكون عند الشك في المراد الجدي لا الشك في الاستعمال، لان كيفية الاستعمال ليست من شؤون العرف العادي. وإن ذهب القدماء إلى ان هذه الأصول تجري عند الشك في الاستعمال.      .
[8]مائده/سوره5، آیه6.
[9] ردا على استيضاح: تقييد واطلاق الصيغة يقتضي التوسعة: الجواب: حين نقول مثلا: صل انت او غيرك. هنا التوسع في دائرة الامتثال وليس في دائرة الوجوب العيني والكفائي، في الوضع مدلول الصيغة يشمل الاثنين، اما مع القيد انت او غيرك، فيشمل واحدة فقط.      .