العنوان: الأوامر
التعبدي والتوصلي.
- الأصل العملي. إذا انتفى الأصل اللفظي والأصل
المقامي، فما هو الأصل العملي الذي يرجع إليه عند الشك؟
في الأصل العملي يدور الموضوع حول
نقطة واحدة وهي: هل مسألتنا من باب الأقل والأكثر الارتباطيين
[1]
أو لا؟
في الأصل العمل هل تجري البراءة أو
يجري الاشتغال بعد الفراغ من الأصل اللفظي والاطلاق المقامي؟
الأصل العملي مجرد وظيفة، والبراءة
تعني عدم وجوب الاتيان بالقيد فيكون الأصل التوصلية، والاحتياط يعنى وجوب الاتيان
بالقيد فيكون الأصل التعبدية.
قطعا مسألتنا ليست من باب الاستقلاليين،
لان الشك في وجود جزء وهو قصد الامر لا يمكن ان يكون وحده، فتكون مسألتنا من باب
الارتباطيين. وانقسم الاصوليون في الارتباطيين إلى قائل بالبراءة بل اكثرهم،
وبعضهم قال بالاشتغال أي يجب الاتيان بقيد قصد الامر. لكن ذهب صاحب الكفاية وغيره
إلى أن مسألتنا ليست من باب الدوران.
يقول الشيخ الآخند (ره) في كفاية
الأصول:
فاعلم انه لا مجال هاهنا إلا لأصالة الاشتغال
ولو قيل بأصالة البراءة فيما إذا دار الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين، وذلك
لأن الشك هاهنا في الخروج عن عهدة التكليف المعلوم مع استقلال العقل بلزوم الخروج
عنها، فلا يكون العقاب مع الشك وعدم إحراز الخروج عقابا بلا بيان والمؤاخذة عليه
بلا برهان، ضرورة أنه بالعلم بالتكليف تصح المؤاخذة على المخالفة وعدم الخروج عن
العهدة لو اتفق عدم الخروج عنها بمجرد الموافقة بلا قصد القربة. [2]
انتهى.
بيانه: إن
التكليف هنا معلوم وهو الأمر بجميع الأجزاء والشرائط والمشكوك هو قصد القربة، ومعه
لا بد من الاحتياط لأن الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.
إن قلت: هذا
من مصاديق الأقل والأكثر الارتباطيين، وهناك يقول الأكثر بالبراءة، وهنا يدور
الأمر بين الأقل والأكثر فنذهب مع الاكثر إلى البراءة.
قلت: نذهب
إلى الاشتغال حتى لو قلنا في مسألة الدوران
[3]
بالبراءة، ان هذه المسألة ليست من تطبيقات مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين، أو
نقول هل ينطبق ما ينطبق في تلك المسألة على مسألتنا؟
والفرق بين مسألتنا ومسألة الدوران
من وجوه:
الأول: إن الشك في الامتثال في مسألة
الدوران ناشئ عن الشك في سعة وضيق المأمور به، أي ليس من المأمور به لفظا يقينا،
بخلاف مسألتنا فإن الشك ناشئ من حكم العقل بعدم تحقق غرض المولى بعد العلم بحصول
جميع ما يعتبر في المأمور به.
الثاني: إن
موضوع البراءة العقلية هو عدم البيان، فعبّروا عنها بقبح العقاب بلا بيان. وفي
مسألتنا التكليف مبيّن بكامل اجزائه وشرائطه، والشك هو في تحقق الغرض.
الثالث: وهو
ثمرة الفرقين: إن العلم الإجمالي في مسألة الدوران ينحل إلى علم تفصيلي بوجوب
الأقل وشك بدوي بوجوب الزائد، وذلك ببركة ادلة البراءة الشرعية من قبيل " كل
شيء مطلق حتى يرد فيه نهي " أو " رفع عن امتي ما لا يعلمون".
وحينئذ تجري البراءة في الزائد، وبجريانها تقدم على حكم العقل بالاحتياط، ويرتفع
الشك في مرحلة الامتثال. وأما في مسألتنا فلا موضوع لأصالة البراءة لأني أعلم
التكليف بجميع الأجزاء، ولكني أشك في حصول الغرض، فيحكم العقل بوجوب الاتيان
بالزائد لتحصيل الغرض. وحكم العقل بالخروج اليقيني عن عهدة ما اشتغل به يقينا
بإتيان ما يقطع معه بحصول الغرض باق على حاله.
وهنا يقول صاحب الكفاية (ره):
ثم إنه لا أظنك تتوهم وتقول: إن البراءة الشرعية مقتضية لعدم
الاعتبار، وإن كان قضية الاشتغال عقلا هو الاعتبار، لوضوح انه لا بد في عمومها من
شيء قابل للرفع والوضع شرعا، وليس هاهنا [4] فإن دخل قصد القربة ونحوها في الغرض ليس بشرعي بل واقعي.
[5]
انتهى.
فإن أدلة البراءة الشرعية مثل حديث
الرفع موضوعه يجب ان يكون قابلا للرفع والوضع، أي تكون تحت يد الشارع رفعا ووضعا
من جهة كونه مشرعا، أي تحت إرادته التشريعية لا التكوينية. فتخرج جميع الأحكام
العقلية والتكوينية الواقعية. وما نحن فيه فإن الماهية المحصّلة للصلاح – الفعل مع
قصد الامر - لا يحصل الغرض منها واقعا إلا بقصد القربة.
والحمد لله رب العالمين.