الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

35/05/29

بسم الله الرحمن الرحیم

  العنوان: الأوامر
التعبدي والتوصلي.
إستحالة اخذ قصد الامر في المأمور به.
-تصوير الاشكال بلزوم اللحاظ الآلي والاستقلالي.
-تصوير الاشكال بلزوم داعوية الشيء إلى نفسه.
 ثالثا: لزوم اجماع اللحاظ الآلي والاستقلالي:
  الأمر بطبيعته آلة ووسيلة لدفع وبعث المكلف للقيام بشيء، فهو من هذه الجهة آلة وليس مقصودا لنفسه.
 وموضوع الأمر يجب أن يتصور وحده لينصبّ عليه الحكم وهو مقصود لنفسه، فهو مأخوذ استقلالا.
  وبهذا أصبح الأمر ملحوظا آلة واستقلالا، فهو وسيلة للحث من جهة، وجزءا من الموضوع أو شرطا لو أخذ به من جهة أخرى فيجتمع اللحاظان الحقيقيان الآلية والاستقلالية في شيء واحد، وهذا محال، كونهما لحاظين متنافيين.
  وأُشكل عليه بالتمييز بين مقامي اللحاظين [1]: فإن اللحاظ الاستقلالي للأمر هو في كونه جزءا أو شرطا للموضوع، أي قبل إنشاء الأمر. أما الاستقلالي فهو حين الإنشاء. فلم يجتمع اللحاظان في زمن واحد أو رتبة واحدة. من قبيل: زيد هو أب وابن في وقت واحد، بلحاظ ابنه عمرو هو اب وبلحاظ والده هو ابن.    
  رابعا: لزوم داعويّة الشيء إلى نفسه:
  بيانه: الأمر لا يدعو إلا إلى متعلّقه بكل أجزائه وشرائطه، ومن الأجزاء في مسألتنا قصد الأمر، فيكون الأمر داعيا إلى نفسه.
 وقد أشكل عليه باشكالين:
  الأول: إن الامر منحل إلى امرين ضمنيين لكل منهما داعوية إلى متعلّقه، أحدهما الأمر بذات الفعل، وهذا يدعو إلى نفس الفعل، والثاني يدعو إلى الأمر الأول وما يدعو إليه، فاختلفت الداعوية فلا محذور.             
  ولكن يرد على هذا الإشكال: اولا: أنه في التعبديات لا يوجد إلا أمر واحد [2]، ثم ثانيا: إنه لو تصورنا الانحلال إلى الأمرين، لجاز لي امتثال الأمرين، الأول أي الحركات الصلاتية وأفعالها وشروطها عدا قصد الأمر، ومع امتثاله يسقط فلا موضوع للثاني ولا داعوية له إلا لنفس الأمر الأول بما هو، وهو مما لا يمكن امتثاله! [3]
  وقد أشار إلى ذلك الشيخ الآخوند (ره) في كفاية الأصول، يقول: إن قلت: نعم، لكن هذا كله إذا كان اعتباره في المأمور به بأمر واحد، وأما إذا كان بأمرين: تعلق أحدهما بذات الفعل، وثانيهما بإتيانه بداعي أمره، فلا محذور أصلا، كما لا يخفى [4]. فللآمر أن يتوسل بذلك في الوصلة إلى تمام غرضه ومقصده، بلا منعة. قلت: مضافا إلى القطع بأنه ليس في العبادات إلا أمر واحد، كغيرها من الواجبات والمستحبات، غاية الامر يدور مدار الامتثال وجودا وعدما فيها المثوبات والعقوبات، بخلاف ما عداها، فيدور فيه خصوص المثوبات [5]، وأما العقوبة فمترتبة على ترك الطاعة ومطلق الموافقة. أن الامر الأول إن كان يسقط بمجرد موافقته ولو لم يقصد به الامتثال، كما هو قضية الامر الثاني، فلا يبقى مجال لموافقة الثاني مع موافقة الأول بدون قصد امتثاله، فلا يتوسل الآمر إلى غرضه بهذه الحيلة والوسيلة. وإن لم يكد يسقط بذلك، فلا يكاد يكون له وجه، إلا عدم حصول غرضه بذلك من أمره، لاستحالة سقوطه مع عدم حصوله [6]، وإلا لما كان موجبا لحدوثه، وعليه فلا حاجة في الوصول إلى غرضه إلى وسيلة تعدد الامر، لاستقلال العقل، مع عدم حصول غرض الآمر بمجرد موافقة الامر بوجوب الموافقة على نحو يحصل به غرضه، فيسقط أمره. [7]
غدا ان شاء الله نكمل.













[1]  نحن نسلم بالكبرى وهي: لا يجوز اجتماع لحاظ الآلي والاستقلالي في شيء واحد. أما الصغرى وهي أن موردنا ينطبق عليه هذه الكبرى؟ الاشكال في الصغرى، والجواب هو الخروج من هذه الصغرى وذلك بالتمييز بينهما، ويتم ذلك بان يكون الأول في مقام الانشاء والثاني في مقام الخارج.    .
[2] استطراد:. كقاعدة غير مبحوثة: كيفية البيان لها اثر كبير في مضمون المبيّن، فلا توضع جانبا ونفصّل كما نشاء. مثلا: في الشبهة المصداقية، ذهب مشهور المتأخرين إلى عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، بينما ذهب مشهور القدماء إلى جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، ونحن نميل إلى ما ذهبوا اليه، وللتوضيح مثلا: لو قلت " أكرم العلماء إلا الفساق " كأنك قلت: " أكرم العلماء العدول " " ولا تكرم العلماء الفساق " القضية تنحل إلى قضيتين، فإذا شككنا بـ " زيد " هل نكرمه؟ قالوا انه بين حجتين فلا يمكن التمسك بأي عنوان لأننا حلينا البيان إلى قضيتين. ذكرنا سابقا ان هذا الانحلال ليس بثابت في عالم الثبوت العالم الواقعي نعم هو ممكن في عالمنا. فلا بد لنا من الرجوع إلى نفس البيان، فعندما قال الآمر : " أكرم العلماء " اعطى القاعدة العامة واخرج منها من تيقنا بفسقه، فالمشكوك ينطبق عليه العام، ولا يقال انه انحل إلى قضيتين لانه يسأل حينئذ لماذا الشارع بيّن بهذه الطريقة بالعام دون ذكر بقية الافراد؟ هل هناك غاية؟ ونحن كأبناء لغة نعرف ان هناك فرقا شاسعا بين البيانين ولا يستويان مضمونا، فلا تتم قاعدة عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. وتطبيقا لهذا الكلام عندما نقول: " صلَّ " لا يكون هناك الا بيان واحد وامر واحد. وتفكيك إلى امرين يحتاج إلى دليل. اما لو كان هناك ظهور في التفكيك نأخذ به لان مسائل اللغة مسألة ظهورات.                    
[3] وكقاعدة عامة: الامر يسقط إما بامتثاله، أو بانتفاء موضوعه، أو بانتفاء غرضه، أو بنسخه. وأما سقوطه بالعصيان فهو محل كلام، نعم يأثم وتصوري أنه لا يسقط.      .
[4]  من باب متمم الجعل كما عبّر عنه النائيني (ره) بان الامر الأول غير كاف للبيان فنتمم الجعل بأمر آخر.
[5] هنا بيان للفرق بين التوصلي والتعبدي. بان التوصلي الثواب يدور وجودا وعدما مدار قصد الأمر، بينما التعبدي الثواب والعقاب. وصورنا الفرق بين التوصلي والتعبدي بتصوير آخر: قلنا ان التوصلي الذي هو محل الكلام هو ما يدور الثواب وجودا وعدما مداره وإن كان قد يخترق في بعض الأمور كالكرم الذي يثيب الله عليه وإن لم يكن لله تعالى. بينما في التعبدي يدور الغرض او الصحة مداره وجودا او عدما.      .
[6] هنا بدأ صاحب الكفاية (ره) حل الموضوع على رأيه، وملخصه: ان الامر الأول لا يكفي في تحقق الغرض فيحتاج إلى بيان لم يتحقق بالبيان الأول. ففكك بين الغرض والمأمور به. أي بدل ان يكون هناك امرين هناك مأمور به وغرض.      .
 [7] كفاية الأصول، الآخوند الخراساني، ص 74.