العنوان: الأوامر
-التعبدي والتوصلي. التعبدي والتوصلي مبحث بسيط بحثه القدماء، لكن الذي وسع هذا
المبحث الإشكالات الكثيرة التي صدرت عند دراسته، كإشكال الدور واخذ المتقدم في
المتأخر وكيف يمكن ان اخذ داعي الامر في متعلّق الامر، ولهذا المبحث ثمرة عملية
وهي انه عند الشك فما هو الأصل، لذلك سنقسم المطلب أولا: كمقدمة في بيان بعض
المصطلحات. وثانيا: في الاشكال الأساسي في الدور أو الخلف. وثالثا: في الأصل في
المسألة، الأصلي اللفظي ثم الأصل العملي. رابعا: ذكر الثمرة وبعض التطبيقات وان
كنا سنذكر الثمار قبل بداية تحقيق المسألة.
أولا: يقول صاحب الكفاية:
المبحث الخامس: إن إطلاق الصيغة هل يقتضي كون الوجوب توصليا، فيجزي
إتيانه مطلقا، ولو بدون قصد القربة، أو لا؟ فلا بد من الرجوع فيما شك في تعبديته وتوصليته
إلى الأصل؟. [1]لابد في تحقيق ذلك من تمهيد مقدمات:
إحداها: الوجوب التوصلي، هو ما كان الغرض منه يحصل بمجرد حصول الواجب، ويسقط بمجرد
وجوده، بخلاف التعبدي، فإن الغرض منه لا يكاد يحصل بذلك، بل لابد - في سقوطه وحصول
غرضه - من الاتيان به متقربا به منه تعالى.
[2]
انتهى.
إذن صاحب الكفاية (ره) عنون المسألة،
ثم بيّن معنى التعبدي والتوصلي.
قبل أن نشرع لا بد من مقدمة بسيطة في
استعمالات التعبدي والتوصلي.
التعبدي استعمل في ثلاثة معان:
1-التعبدي بمعنى أن افعل الشيء أو أومن
به تعبدا، أي آخذ به كما هو ولو من دون معرفة الحكمة منه أو العلّة، من باب
التسليم قضاء لحق العبودية والمولوية. وهذا يشمل كل الأحكام غير المعلّلة نصا أو
مفهوما أو عقلا، مثلا: صلاة الصبح ركعتان، وعدّة الطلاق ثلاثة قروء، وهكذا أكثر
الأحكام، آخذ بها تعبدا ويخرج حينئذ ما يحكم به العقل أو العقلاء
[3] .
وهذا المعنى ليس هو المقصود في مسالتنا.
2-التعبدي بمعنى أنه صدر من المكلّف قربة
إلى معبوده، فيكون مثابا عليه، فيكون الثواب يدور وجودا وعدما مدار قصد القربة.
وهذا ما نسميه بالتعبدي بالمعنى الأعم. وهذا المعنى أيضا ليس هو محل الكلام.
3-التعبدي بمعنى ما يعتبر في تحققه قصد
القربة، أي أن تحقق المأمور به يدور وجودا وعدما مدار قصد القربة. ومثاله: الصوم
والصلاة وكل ما يسمى في أبواب الفقه العبادات. وهذا المعنى من التعبدي هو محل
الكلام في مسألتنا.
والتوصلي يطلق على معنيين:
الأول: ما لا يعتبر في تحققه قصد
القربة، فيكون مقابل التعبدي بالمعنى الثالث. وهذا المعنى من التوصلي هو محل
الكلام في مسالتنا، ومثاله: البيع والشراء وتطهير الثوب والارث.
الثاني: ما لا تعتبر فيه المباشرة من
المكلّف حيث إن المطلوب فيه نفس تحقق الفعل المكلّف به، فيسقط التكليف بفعل المكلف
نفسه، أو بفعل غيره، سواء كان بالتبرع من هذا الغير أو بالاستنابة، بل ربما لا
يعتبر في سقوطه الالتفات والاختيار، بل ولا إيقاعه في ضمن فرد محلّل، وذلك كتطهير
الثوب المتنجس، فإنه يحصل ولو بفعل الغير، بل بفعل آلة إذا كان بحسب شروط التطهير،
بل يحصل حتى بالماء المغصوب. هذا القسم الثاني ليس هو محل الاكلام بل له أماكن
أخرى في العيني والكفائي، التعيني والتخييري، في النفسي والغيري.
إذا عرفت هذه الاستعمالات، فمحل
الكلام في مسألتنا هو ما يدور تحقق المكلف به وجودا وعدما مدار تحقق قصد القربة.
وكمقدمة ثانية: متعلّقات التكليف
ثلاثة أقسام:
الأول: ما نعلم بكونه تعبديا كالصلاة
والصوم.
الثاني: ما نعلم بكونه توصليا
كالزواج والبيع والطلاق وبر الوالدين.
الثالث: ما نشك هل هو توصلي أم
تعبدي؟ ومع الشك فما هو الأصل الذي نرجع إليه؟ بداية الأصل اللفظي، ثم الأصل
العملي؟
ومسألتنا عقدت للبحث في الأصل في
المسألة أي عند الشك: الأصل اللفظي؟ ثم الأصل العملي؟
ونضرب عدّة أمثلة وتطبيقات، لان
الثمار من المسألة هي انه عند الشك في المأمور به هل الأصل ان يكون تعبديا أو
توصليا؟
1-إذا شككنا في عبادية تحنيط الميّت أو
تكفينه، أغسله؟ أو دفنه؟ هل هذه الأفعال يجب ان تكون تقربا إلى امر الله تعالى؟
فلو شككنا هل يكون العمل صحيحا؟ وهل تجب الإعادة مع عدم قصد القربة؟
2-إذا شككنا في أن الوفاء بالنذر هل هو
تعبدي أو توصلي.
3-إذا شككنا في عبادية الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر.
4-إذا شككنا في عبادية الزكاة؟ وإن كان
الاجماع على عباديتها، لكن دافع الزكاة إذا تخلف عن أدائها وأجبره الحاكم الشرعي
على دفعها، فيكون دفعه لها خوفا من الحاكم، لا تقربا إلى الله تعالى بانحاء التقرب
التي سنذكرها لاحقا، فإن الزكاة تصحّ، ويتحقق المأمور به، ولو كانت عبادية لبطلت
ووجبت اعادتها، ولا أظن أن أحدا يقول بذلك.
5-كذلك إذا شككنا في عبادية الخمس، نظرا
إلى ان البعض قد يخمس رياء فهل عليه إعادة تخميس أمواله؟
هذا التساؤلات موجودة، ذكرت هذه التطبيقات لنقول ان بحث هذه
المسألة ليس مجرد بحث وترف فكري بل له ثمار مهمة.
غدا ان شاء الله نبدأ ببحث المسألة
وبحث الاشكال الأول.