الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

35/04/18

بسم الله الرحمن الرحیم

  العنوان: دلالة صيغة الأمر

التعليق على كلام السيد الخوئي (ره) في مسألة دلالة الجمل الخبرية على الوجوب.
الأمر الثاني: إن عدم الاستعمال لا يدل على عدم الجواز، ألا ترى أن النحاة يقولون إن عدة ألفاظ هي قياسية وليس سماعية، وإذا سألناهم لماذا لم يستعملها العرب فإنك لن تجد جوابا. واستخدام شيء على القاعدة لا يعدّ خطأ فاحشا وإن لم يقلها ولم تسمع عند العرب، وهذه مسألة بين النحاة: إذا كان شيء لم يسمع عند العرب ولكني استنبط قاعدة من كلامهم ثم طبقت القاعدة على امر ما، مثلا: بعض المصادر واسم الفاعل، وجمع ليس له مفرد لم يسمع عند العرب قد يكون هناك مصدر واسم له مفرد.
 المسائل القياسية والسماعية، فهل السماع هو مدار صحة الاستعمال؟ أو القياس هو مدار صحة الاستعمال؟
 نحن نميل إلى ان القاعدة إذا تم استنباطها وصارت قاعدة وقياسا، فلتكن لأن ليس المرجع هو ما تكلمه العرب فقط، فهو تطبيق فهم للقواعد التي كانت في أذهانهم والاوعي عندهم. وإلا لصار هناك جمود على ما تكلمه العرب فقط حتى العلاقات المجازية الذي قلنا بانه هل نتوقف عند التي جعلها العرب علاقات مصححة للمجاز، أو اننا نستطيع استنباط علاقة جديدة؟ كعلاقة التشبيه وعلاقة المكان والمكين والأول والمشارفة، الكل والجزء. وقلنا في حينها اننا لا نقتصر على العلاقات التي كانت عند العرب، بل نقول ان أي علاقة مصححة للمجاز تكفي بشرط ان تكون مصححة للمجاز وليس مجرد علاقة.
 لذا إذا استطعنا استنباط قاعدة، فاستخدام القاعدة وإن لم يسمع ليس خطأ فاحشا كما ذكر السيد الخوئي (ره)، نعم خطأ على قول ونحن لا نقول بخطائيته. كما لو اخترعنا مصدرا  كـ " المضارعية " " العرقنة " "واللبننة " " والبسملة والحوقلة ". نعم هنا شيء ملفت للنظر وهو انه لماذا لم يستخدم الماضي في الانشاء إلا بعد الشرط كـ " أعاد " بعكس " يعيد " وهذا لا يعني انها خطأ. فنقول: أولا: ان عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود. ثانيا: ان هناك استعمال للجملة الاسمية في مقام الانشاء. ثالثا: اننا نذهب إلى أن استعمال اللغات استعمال قياسي لا سماعي فقط بشرط أن تستنبط قاعدة صحيحة. وهنا نقول: ان هذه القاعدة صحيحة وهناك علاقة مصححة، فليس هناك خطأ وان كنت لم اعرف هذه العلاقة.                       
   ولذلك فما استدل به السيد (ره) على عدم مدخلية هذه النكتة في الدلالة على الوجوب غير تام.
   ثم إنه ذهب إلى حتمية وجود نكته أخرى لم يبينها!
  نقول؟: لا دليل على ذلك، بعد ثبوت مدخلية هذه النكتة كما سنبيّنه في المختار، أن هناك رغبة للآمر وليس مجرد عدم الرضى. 
  المختار:
  إن الجمل الفعلية المستعملة في مقام الإنشاء قد استعملت في معناها الحقيقي وهو ثبوت النسبة في الواقع، لكن الداعي هو الطلب والبعث، فكانت مصداقا للطلب والبعث، فإذا كان عن قصد حكاية كان اخبارا، وان كان عن قصد انشاء كان انشاء، فإذن هو نفس الموضوع له ونفس المستعمل فيه ولكن القصد هو الأساس وهو من شؤون الاستعمال لا من شؤون المستعمل فيه. وكونه مصداقا للطلب والبعث فإذا كان تهديدا تصبح كلمة " يعيد " مثلا مصداقا للتهديد، ومفهوم التهديد يحمل عليها بالحمل الشائع الصناعي، وليس مفهوم التهديد الموضوع له ولا المستعمل فيه التهديد، بل هي مصداق للتهديد لان الداعي هو التهديد.        
والنكتة المصححة لهذا الطلب هو الشوق الأكيد لحصول المطلوب فيأتي بالطلب بصيغة الخبر الثبوت لا بصيغة الانشاء، فكأنه يراه متحققا حاصلا، وهذا ما نراه في استعمالاتنا العرفية. مثلا: يؤذن المؤذن لصلاة الظهر، فيقول أحدهم للآخرين مستعجلا لصلاة الجماعة صلّينا. ولكن المشكلة ان " صلينا " بصيغة الماضي لم تقع سماعا إلا بعد الشرط، فيكون هذا التعبير خاطئ من هذه الناحية لو قلنا بالخطأ. 
  نعم في تعبير صاحب الكفاية (ره) من أن النكتة هي أن الآخر لا يرضى إلا بالوقوع، فهو صحيح، ولكن عدم الرضى ليس هو الداعي، بل الداعي هو الطلب، والمصحح هو شوق الآمر الأكيد حتى كأنه يراه متحققا. نعم بلحاظ كونه من العالي، ومن الرؤوف ومن الراغب يكون اللازم عدم رضاه إلا بوقوعه.
صاحب الكفاية (ره) يقول: { المبحث الرابع: إنه إذا سلم أن الصيغة لا تكون حقيقة في الوجوب، هل تكون ظاهرة فيه أيضا أو لا تكون؟ قيل بظهورها فيه، إما لغلبة الاستعمال فيه، أو لغلبة وجوده أو أكمليته. والكل كما ترى، ضرورة أن الاستعمال في الندب وكذا وجوده ليس بأقل لو لم يكن بأكثر. وأما الأكملية فغير موجبة للظهور، إذ الظهور لا يكاد يكون إلا لشدة أنس اللفظ بالمعنى [1]، بحيث يصير وجها له، ومجرد الأكملية لا يوجبه، كما لا يخفى. نعم فيما كان الامر بصدد البيان، فقضية مقدمات الحكمة هو الحمل على الوجوب، فإن الندب كأنه يحتاج إلى مؤونة بيان التحديد والتقييد بعدم المنع من الترك، بخلاف الوجوب، فإنه لا تحديد فيه للطلب ولا تقييد، فإطلاق

اللفظ وعدم تقييده مع كون المطلق في مقام البيان، كاف في بيانه، فافهم }.[2]
 إلى هنا نكون قد انتهينا من مبحث دلالة صيغة الامر على الوجوب.
  نلخص ما مضى وما اخترناه في دلالة الأمر في نقاط:
-مادة الأمر مشترك لفظي بين معنيين: الشأن أو ما في معناه، والطلب.
-مادة الأمر الموضوعة للطلب ظاهرة في الوجوب ومستند الظهور في المادة هو الوضع. أي أنها موضوعة للطلب الوجوبي.
-صيغة الأمر موضوعة للطلب الإنشائي ومستعملة في الطلب الإنشائي.
-صيغة الأمر تستعمل في مقامات عديدة منها الإلزام والاستحباب والتهديد والتعجيز والاستهزاء والحث وغير ذلك من المعاني التي أوصلها بعضهم في حاشية المعالم إلى خمسة عشر معنى.
-هذه المقامات دواع وليس من المستعمل فيه اللفظ، فإذا استعملت الصيغة في التهديد فيكون تهديدا بالحمل الشائع الصناعي أي مصداقا للتهديد.
-صيغة الأمر عند استعمالها بداعي الطلب من العالي إلى الداني ظاهرة في الوجوب قضاء لحق المولوية والعبودية.
-هذا الظهور مستند إلى حكم العقلاء بحسب قانون العبودية، وليس إلى الوضع ولا إلى انصرافها إلى الفرد الأكمل عند الإطلاق العرفي، ولا بحكم العقل ولا بسيرة العقلاء.
-الجمل الخبرية المستعملة في مقام الأنشاء الطلبي ظاهرة في الوجوب بنحو آكد من صيغة الأمر (كما ذهب اليه صاحب الكفاية)، أما ظهورها في الوجوب فهو بحكم العقلاء وقضاء لحق العبودية إذا كانت من العالي إلى الداني، وأما الآكدية فهي لأنها تدل على رغبة شديدة للآمر بحصول المخبر به. نعم يلزمه عدم رضاه كما ذكر صاحب الكفاية.
-الجمل الفعلية الخبرية موضوعة لثبوت شيء لشيء، والمستعمل فيه في الإخبار والأنشاء واحد وهو نفس الموضوع له، وهو ثبوت شيء لشيء، فلا يكون الاستعمال مجازا، بل هو على نحو الحقيقة لكن بداعي الانشاء.
-قصد الحكاية والإخبار وقصد الإنشاء هما من شؤون الاستعمال لا من شؤون المستعمل فيه، فلا يؤديان إلى مجاز في الاستعمال، لأن المجاز هو استعمال اللفظ في غير ما وضع له، وهنا قد استعمل اللفظ في نفس ما وضع له.
      





    [1] ذكرنا أن سبب الظهور هو الانس الذهني والقرن بين اللفظ والمعنى، بمجرد اطلاق اللفظ يخطر المعنى في الذهن.  .
[2] كفاية الأصول - الآخوند الخراساني - ص 72. ظاهر الكلام كأنه يؤكد أن إطلاق اللفظ يؤدي إلى انسباقٍ وذهابٍ إلى الوجوب لاصالة عدم القيد، والقيد هو جواز الترك في المندوب. وبكلمة فافهم نعلم انه (ره) ليس مقتنعا بهذا، والظاهر أن الأشكال فيه لامرين: الأول: كما ان الندب يحتاج إلى قيد فكذلك الوجوب يحتاج إلى قيد، لان كليهما طلب، فالوجوب عُرِّف بانه طلب مع منع من الترك، فهذا ايضا قيد، والاستحباب هو طلب مع جواز الترك. والثاني: هو ما وجهه المحقق العراقي (ره) بان الوجوب مرتية واحدة والاستحباب مراتب كثيرة، والمراتب الكثيرة هي التي تحتاج إلى بيان، بينما المرتبة الواحدة لا تحتاج للبيان. واجبنا سابقا أيضا ان حتى هذه المرتبة الواحد الكاملة أيضا هي مرتبة تحتاج إلى بيان. إذن انسباق اللفظ عند اطلاقه إلى الوجوب بسبب أنه هو الفرد الاكمل غير صحيح، بل نقول انه ظاهر في الوجوب ليس بسب الانصراف إلى الفرد الاكمل بل لانه من باب حكم العقلاء في الامر من العالي إلى الداني قضاء لحكم المولوية والعبودية.               .