الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

35/04/06

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: دلالة صيغة الأمر
-هل يمكن تقسيم الأحكام إلى أكثر من خمسة؟ 
 قلنا في هذه الإضاءة ان بعض المستحبات هي من السنن التي نعلم بان الله عز وجل لا يرضى بتركها، هل تصبح واجبة؟ قلنا ان بعض الفقهاء خرجها بانها استهانة واستخفاف بشرع الله كما مرّ معنا في الدرس السابق. لكن قلنا ان الاستخفاف عنوان خاص بذاته.
 سنذكر بعض الروايات التي تخصص ما ورد في ترك السنن والمستحبات.     
صحيح الكليني: ح6 - حماد، عن حريز، عن زرارة، والفضيل قالا: قلنا له الصلوات في جماعة فريضة هي؟ فقال: الصلوات فريضة وليس الاجتماع بمفروض في الصلاة كلها ولكنها سنة ومن تركها رغبة عنها وعن جماعة المؤمنين من غير علة فلا صلاة له. [1]
 الشاهد في مسألتين " ومن تركها رغبة عنها " هو تخصيص بالرغبة وليس مطلق الترك. و" فلا صلاة له " هنا لنفي الماهية. ولعلّ الفقهاء لأجل هذه الرواية وامثالها قالوا: أن كل مستحب يترك رغبة عنه فهو حرام الترك لأنه استخفاف واستهانة بشرع الله. وقول (ع) " من غير علّة " هل هي تقييد لترك كلي الصلاة أي عنوانها ومتعلق الحكم والطبيعي الذي بنصب عليه الحكم، أو تقييد لترك بعض أفراد الصلاة؟ ومن المعلوم ان العلة لا تكون لترك كلي الصلاة، بالمعنى الذي ذكرناه لأن العلة تكون للأفراد الخارجية فتكون لبعض افراد الصلاة، فتكون العلة سببا لترك الفرد، فالنتيجة تكون ان كل صلاة جماعة يجب حضورها ألا مع وجود العلّة.          
لكن نقول: ان ليس كل ترك هو استخفاف واستهانة، عنوان الاستخفاف هو الاستخفاف في شرع الله عز وجل وهذا عنوان آخر، وحمل الفقهاء كل روايات الترك على هذا المعنى، حملٌ دليلهُ بعض هذه الروايات التي عبرّت بالرغبة. وذكرنا مثلا كلام الشهيد الثاني في المسالك: { ترك المندوبات لا يقدح في التقوى ولا يؤثر في العدالة إلا أن يتركها أجمع فيقدح فيها لدلالته على قلّة المبالاة بالدين والاهتمام بكمالات الشرع }.
 أول الكلام ان الترك يدل على قلة مبالاة في الدين، خصوصا واننا سنبين ان بعض الروايات ذكرت أن المكلف إذا اتم الواجب وترك المحرم دخل الجنة، فهذا لا يقدح في العدالة ولا دلالة فيه على لا مبالاة في الدين، وهذا موجود في مجتمعاتنا هناك شخص لا يصلي صلاة الليل لكنه كان نزيها طاهرا ومتفقها أيضا، يكاد يكون معصوما بالنسبة للمحرمات فهل يقدح ذلك في عدالته وهو لم يترك صلاة الليل عن استخفاف!!.
نذكر بعض الروايات الدالة على الاكتفاء بالفرائض الواجبة وترك المحرّمات:      
ح 4 - وبإسناده عن علي بن الحسن بن فضال، عن محمد بن أبي عمير، عن حماد ابن عثمان، عن معمر بن يحيى قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: لا يسأل الله عبدا عن صلاة بعد الخَمْس. الحديث.[2]
ح 16- وعنه، عن محمد بن خالد الأصم، عن ثعلبة بن ميمون، عن معمر بن يحيى أنه سمع أبا جعفر عليه السلام يقول: لا يسأل الله عبدا عن صلاة بعد الفريضة، ولا عن صدقة بعد الزكاة، ولا عن صوم بعد شهر رمضان.[3]
ح 17 - محمد بن علي بن الحسين بن بابويه بإسناده عن سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام أخبرني عن الفرائض التي افترض الله على العباد ما هي؟ فقال: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة الخمس، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصيام شهر رمضان، والولاية، فمن أقامهن وسدد وقارب واجتنب كل مسكر دخل الجنة. ورواه البرقي في المحاسن عن أبيه عن النضر عن يحيى الحلبي عن عبد الله بن مسكان عن سليمان بن خالد مثله.[4]
 وهناك رواية قريبة من هذه المعاني في عنوان عشر من قاربهن دخل الجنة. وفي حديث أبان: انما يسأل الله عن الفرائض. وفي روايات أخرى: من عمل بما افترض عليه الله. إلى آخره.
 النتيجة من هذه الإضاءة: هل نستطيع ان نميّز بين السنن والفرائض. السنة تعني الطريقة، ومن طريقة المرسلين الدعاء لله عز وجل، وكأن هناك نوع من المعنى التربوي النفسي، فأن تعرض عن الدعاء كليا هذه ليست من السنّة ولا طريقة الأنبياء، إذا خالفت السنّة وقعت في الاثم، مثلا: عدم الدعاء كليا وعدم التوجه لله عند المصائب هو خلاف الطريقة. فمن جو الروايات بفهم ان هناك امر اسمه سنّة، ألله لا يرضى بتركه، في مقام التشريع يكون امرا مستحبا، إذا وصل إلى مرحلة السنّة التي نعلم بعدم رضى الله عز وجل بتركها سواء كان عن رغبة عنها، أو عن استهانة، أو غير استهانة، كما ذكرنا مثلا لذلك ترك الدعاء فترك الدعاء قد يكون عن استخفاف، وقد يكون عن استهانة، وقد يكون عن إعراض، وقد يكون عن علّة، وقد يكون عن ديدنٍ. فترك الدعاء ليس من سنن المرسلين. وكلمة سنّة تعني الطريقة واستعملت في معناها اللغوي ولم تنقل إلى معنى شرعي. ومعنى الطريقة ينعكس على المعنى التشريعي وهو ان الاعراض عن هذه السنن هو المحرم، مثلا: إذا اصابتك مصيبة فسنة المرسلين ان تقول: " إن لله وإن اليه راجعون "، اما عمل الماديين والعلمانيين عند المصيبة الرجوع إلى المخدر أو التدخين (التتن) أو المنوم لكي ينسى المصيبة، هذه سنة أخرى خلاف سنّة المرسلين.
  إذن هل يوجد عندنا ان المستحبات إذا وصلت إلى مرحلة السنن التي نعلم أن الله عز وجل لا يرضى بتركها أصبحت واجبة ولو لم تكن عن استخفاف واستهانة؟  فالسنن والانبياء أرسلوا لتشريع وطريقة في الحياة للإرتباط بالله عز وجل، وجعل الارتباط بأمور خاصة. فإذا ميّزنا السنة عن غيرها فيجب العمل بها ولو ببعض افرادها بان لا اتركها الترك الكلي ليصبح رغبة عنها، بنوع من العنوان الخاص.
  فيكون من المحصل أن هناك سنة لا يجوز تركها، وهناك مستحبات ومندوبات وسنَة يجوز تركها. هناك جو عام من الروايات انه ما كان خلاف السنّة لا يجوز شرعا، كما في رواية " لأحرقن قوما " الحرق لنفس الأشخاص، وكما في سؤال الضرير حيث امره رسول الله (ص) ان يمد حبلا ويصل للمسجد. هذا التشديد ليس ببسيط، فليس لعنوان ثانوي ولا لأنه معصوم ولا لأنه استهانة واستخفاف كما فسّر. فإن التهديد والوعيد على ترك الصلاة في المسجد إما لكون إمام المسجد معصوما وهذا التقييد محتمل ولكن لا دليل عليه، وهذا خلاف الظاهر، والأصل خلافه، بل الظاهر وحدة المناط للمسجد جميعا حتى لو لم يكن إمام الجماعة معصوما، وإما لعنوان ثانوي وهذا أيضا يحتاج إلى دليل. وإما لأنه استهانة واستخفاف كما فسّره الفقهاء وهذا مسلّم ولكن ليس كل ترك استخفاف كما ذكرنا.
  هذه الإضاءة باب يجب ان نبحثه ونعلم ما هي السنن التي وصلنا فيها إلى مرحلة عدم جواز الترك أي إلى السنّة وطريقة الحياة، نعلم ما هو الميزان في التمييز بين السنة التي يجوز تركها والتي لا يجوز تركها. بذلك يمكن تفسر هذه الروايات التي أتي بها ببعض المستحبات ضمن الواجبات وببعض المكروهات ضمن المحرمات، بهذا التفسير. يمكن ان يكون هذا السياق أحد الأدلة على كونه من السنن التي نعلم انه لا يجوز تركها.
  هذه من لواحق صيغة الامر وغدا نكمل أن شاء الله.


 والحمد لله رب العالمين.                                     


[1] الكافي - الشيخ الكليني - ج 3 - ص 372.

[2] وسائل الشيعة ( الإسلامية ) - الحر العاملي - ج 3 - ص 7.
[3] وسائل الشيعة ( الإسلامية ) - الحر العاملي - ج 7 - ص 177.
[4] وسائل الشيعة ( الإسلامية ) - الحر العاملي - ج 1 - ص 12.