الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

35/04/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: دلالة صيغة الأمر
-معنى الوجوب لغة وعدم نقله شرعا.
-هل يمكن تقسيم الأحكام إلى أكثر من خمسة؟ 
فائدتان: الأولى: معنى الوجوب لغة وعرفا، وهل هناك نقل شرعا أو لا؟
معنى الوجوب هو الثبوت والثابت. فنقول: وجبت لك الجنّة، أي ثبتت وحقَّت. وكما في الحديث: أن الله عز وجل أرسل ملكا إلى الأرض وقال له سر في الأرض فوجد رجلا على باب دار، فسأله ما عندك عند صاحب الدار، قال: أزوره، قال: لما. قال: في الله، قال: انا رسول ربك اليك وجبت لك الجنّة.
  وفي الفلسفة يقولون: " الشيء ما لم يجب لم يوجد ". الشيء بما هو ممكن فلا يوجد إلا بمرجح، فلا بد أن يجب كي يوجد لكن وجوبه إضافي وليس وجوبا ذاتيا.
 ولا بأس بتفسير الوجوب في الاصطلاح الأصولي والفقهي بنفس المعنى اللغوي والعرفي، ولا مانع منه وذلك باعتبار دلالته على ثبوت الفعل على ذمّة المكلّف، فالثبوت كما يكون تكوينيا وخارجيا، كذلك يكون تشريعيا واعتباريا، فلا داعي للذهاب إلى القول بالنقل من المعنى اللغوي إلى معنى شرعي اصطلاحي آخر، بل نفس المعنى. هذا هو الاصل، وعليه يكون النقل هو الذي يحتاج إلى دليل.
الفائدة الثانية: لما كان الكلام في دلالة الصيغة على الوجوب وسياتي الكلام عن كثرة استعمالها في الاستحباب والاباحة، لا بأس بليّ العنان للكلام عن تقسيم الأحكام، وإضاءة مهمة لا تخلو من فائدة. 
إضاءة على تقسيمات الاحكام. قلنا ان صيغة افعل ظاهرة في الوجوب وكثيرا ما تستعمل في الاستحباب والإباحة وأيضا صيغة النهي لا تفعل، الظاهرة في الحرمة مع كثرة استعمالها في المكروه، أو لفظة " ملعون " " ملعون من اكل وحده ". وغيرها من الصيغ.
 قسموا الاحكام كتقسيم عقلي إلى خمسة: طلب مع الزام بالفعل وهو الوجوب. طلب من دون الزام وهو الاستحباب. عدم رجحان أحد الطرفين أي التساوي وهي الاباحة. نهي مع الزام الترك وهي الحرمة. ومع عدم الزام الترك هي الكراهة. ولكن نجد بعض المستحبات والمكروهات لسان الامر بها لسان وجوب، بل أن التعامل معها تعامل الواجب، مثلا: " صلاة الجماعة " نعلم جميعا انها مستحبة، فما معنى التهديد على ترك الجماعة؟ وما معنى أن يقول رسول الله (ص) لجيران المسجد " لاحرقن دوركم "، فإذا كان الامر مستحبا لحضور المساجد، فما معنى حرق الدور؟. فكأن الخروج عن الجماعة من الكبائر.
 هناك استحبابات نفسرها بالاستحباب الأكيد ولكن لا اجبار فيها، والاجبار يكون على الواجب.
لذلك بعض المعاصرين طرح فكرة أن الاحكام قسمان: الواجب والحرام. لأنه لا يوجد عنده مستحب يجوز تركه كما في بعض الروايات. وبعضهم ذهب الى التقليص فقال بالاربعة: بالواجب والمستحب والمكروه والحرام. فلا وجود للإباحة وتساوي الطرفين لان الحكم ينبغي أن يكون عن مصلحة ومقتض ولا وجود مصلحة في الاباحة. لكننا لا نقول بذلك.
  نحن نقول كنظرية: ان هناك فرائض وسنن ومستحبات وهذا هو نص لسان الروايات. السنة هي التي لا يجوز تركها كليا بخلاف المستحب فيجوز تركه. مثلا: من السنن صلاة الجماعة وعدم ترك الجماعة، التهديد على ترك السنة بخلاف المستحب العادي كزواج المتعة كفرد من افراد الزواج لان مطلق الزواج سنّة لوجود النص، فلا يلزم بزواج المتعة وإن ورد كونه من السنة. ومثال آخر بعض الادعية كدعاء الحزين الذي يستحب قراءته لكن لا يجب قراءته كما في صلاة الجماعة التي لا يجوز تركها. فما هو الفرق بينها؟
 نقول هل يوجد قسم من الأحكام هو بين الواجب والمستحب نسميه سنّة؟.
  بعض الأفعال رغم أنها مستحبة وفيها ثواب عند الفعل لكن يجوز تركها كليا، ويوجد بعض المستحبات لا يجوز تركها كليا مع امكان تركها أحيانا، ويوجد نوع لا يعامل معاملة المستحب لوجود التهديد عليه كما في بعضها " لا يرى ريح الجنّة "، والسنة سنتان: سنة ترك وسنة فعل. إذن هناك قسم له حكم خاص. [1]
في الوسائل باب كراهة ترك حضور الجماعة حتى الأعمى ولو بان يشد حبلا من منزله إلى المسجد الا لعذر كالمطر والمرض والعلة والشغل.
في الصحيح: ح 1- محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا، عن حماد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام ( في حديث ) قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: من سمع النداء فلم يجبه من غير علة فلا صلاة له. ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب مثله. [2]
 المقصود من الإجابة عند سماع الدعاء الصلاة في اول الوقت أو الصلاة في المسجد إن كان النداء من المسجد، وقد يقال: " فلم يجبه" انه ليس على الفور، ولكن الفاء للترتيب والتعقيب من دون تراخي فالاحتمالات موجودة والتأويلات أيضا، والتقديرات كذلك كما في تقديرات الحديث " لا صلاة لجار المسجد الا في المسجد " قالوا انها بتقدير الصلاة الكاملة، كذلك لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب حيث: لا صلاة صحيحة، رغم أنها نفس الصيغة والتركيب اللغوي. هذه التبريرات انما نشأت بعد هذه التقسيمات الخمسة، ولولاها لقلنا ان معنى " لا صلاة " نهي شديد ينفي الماهية كليا صار من السنن التي لا يجوز تركه كليا، فبسبب هذا التقسيم الخماسي الذي هو تقسيم عقلي في الأساس، اضطررنا لكل هذه التقديرات بسبب قرائن منفصلة أدّت إلى عدم ظهورها في نفي الماهية رغم ظهورها البدوي في ذلك. مع القول بالسنة يكون هناك الزام بقسمين: قسم الالتزام بكل الافراد التي نسميها فرائض، وهناك قسم الزام ببعض الافراد. وهذا الالزام يحتاج للقرائن.              
ح 3 - محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: لا صلاة لمن لا يشهد الصلاة من جيران المسجد إلا مريض أو مشغول.
 النفي هنا لنفي الماهية نحتاج للدليل على جواز الترك، وهذا التعبير الشديد بنفي الصلاة اضطررنا إلى تقدير وتأويل " الكاملة " رغم شدة النفي مع " لا " النافية، وذلك بسب هذه التقسيمات، فإذا جعلنا تقسيم سداسي وجعلنا السنة اعم لا حاجة للتقدير.
ح 4 - قال (الصدوق): وقال رسول الله صلى الله عليه وآله لقوم [3]: لتحضرن المسجد أو لأحرقن عليكم منازلكم.
في المعتبرة: ح6 - في (عقاب الأعمال) عن محمد بن علي ماجيلويه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، وفي ( المجالس ) عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، عن علي بن إبراهيم عن أبيه، عن عبد الله بن ميمون، عن الصادق عليه السلام عن آبائه قال: اشترط رسول الله صلى الله عليه وآله على جيران المسجد شهود الصلاة، وقال: لينتهين أقوام لا يشهدون الصلاة، أو لآمرن مؤذنا يؤذن ثم يقيم ثم آمر رجلا من أهل بيتي وهو علي عليه السلام فليحرقن على أقوام بيوتهم بحزم الحطب، لأنهم لا يأتون الصلاة. ورواه البرقي في (المحاسن) عن أبيه، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن القداح، عن أبي عبد الله مثله. [4]
 كل هذا التهديد هل هو على المستحب؟ نعم بعض الروايات حملت على الاستخفاف بالصلاة، ويصبح المحرم هو الاستخفاف.
  غدا نكمل ان شاء الله.



[1] للتوضيح:. النعامة في الفارسي تسمى " شتر مرغ " الدجاجة الجمل. أذا اردنا تحملها بالمتاع تقول: انا دجاجة، واذا طلب منها الطيران والبيض، تقول: انا جمل. فكأنها تحمل عنوانين: الجمل والدجاجة.    
[2] وسائل الشيعة ( الإسلامية ) - الحر العاملي - ج 5 - ص  375.
[3] ذكرنا سابقا أن الصدوق (ره) احيانا يقول: روي عن رسول الله (ص). وأحيانا يقول: قال رسول الله (ص) أو قال الصادق (ع). هل يمكن أن يكون فرق بين القولين مع العلم أن كليهما مرسل؟ إذا قال: قال رسول الله (ص) فكأنه يتبنى القول، بينما في قوله: روي عن رسول الله، كأنه لا يتبناه؟.      .
[4] وسائل الشيعة ( الإسلامية ) - الحر العاملي - ج 5 - ص 376.