الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

35/04/03

بسم الله الرحمن الرحیم

  العنوان: دلالة صيغة الأمر
بعد التذكير بما مرّ نعود إلى كلام صاحب الكفاية.
  اعتبر صاحب الكفاية (ره) ذمّ العقلاء تأييدا وليس دليلا، وذلك لأن هذا الذم وصحة العقوبة وإن كانت لازما مساويا للظهور في الوجوب، إلا أنها لازم أعم [1]، وذلك الظهور قد يكون سببه الوضع، وقد يكون سببه العقل، وقد يكون سببه العرف الذي يحمل اللفظ على الفرد الأكمل، وقد يكون سببه سيرة عقلائية. ومع جميع هذه الاحتمالات لا نعلم أن سبب إنسباق الوجوب هو الاستناد إلى نفس اللفظ كي يكون من التبادر الذي هو علامة الحقيقة، إذ قد يكون الإنسباق مستندا إلى بعض هذه الاحتمالات.
 ولنأخذ بالمناقشة:
  إننا نسلم كون الصيغة إذا كانت في مقام الطلب الحقيقي وإذا كانت من العالي إلى الداني ظاهرة في الإلزام وجعل الفعل في ذمة المخاطب، إلا اننا لا نسلم بكون ذلك بسبب الوضع، بل نقول إن الدلالة على الوجوب هي بسبب حكم العقلاء بذلك.
وبيانه: أربعة وجوه بل أقوال: هل تدل الصيغة على الوجوب بالوضع أو بالإطلاق، أو بحكم العقل، أو بحكم العقلاء؟
  القول الأول: كون الصيغة موضوعة للوجوب وبه قال صاحب الكفاية (ره) والشهيد الصدر ودليله التبادر.
  القول الثاني: هو ظهور الصيغة في الوجوب بالإطلاق، أي عند إطلاق اللفظ لغة يحمله العرف على الفرد الأكمل من افراده، ولما كان الوجوب هو الفرد الأكمل من أفراد الطلب حمل عليه وذلك عند تمامية مقدمات الحكمة.
 وتقريب حمل العرف الطلب على الفرد الأكمل: إن الأكمل لا حدّ له من جهة الضعف والنقص ولا من جهة القوة، فهو مرتبة واحدة، بخلاف المراتب الأخرى التي دونه، فإنها مراتب محدودة بحدّ النقص والضعف. ولا ريب في أن الوجود غير المحدود لا يفتقر في بيانه إلى أكثر مما يدل عليه، بخلاف المحدود فإنه يفتقر في بيانه إلى أكثر مما يدلّ عليه، فيفتقر إلى بيان حدوده لأن ما دون الأكمل كلي مشكك له أفراد، وعليه يلزم حمل الكلام الذي يدل على الطلب بلا ذكر حدود – أي في حال تمامية مقدمات الحكمة التي لخصناها بثلاث كلمات: ان يكون المتكلم في مقام بيان وأمكن أن يبيّن ولم يبيّن- حينئذ يحمل اللفظ على المرتبة التامة الكاملة وهي الوجوب، كما هو شأن كل مطلق. وذهب إلى هذا القول المحقق العراقي (ره) في نهاية الأفكار.
  ويردّه: أن المرتبة الأكمل هي أيضا مرتبة محدودة بحدود الكمال والحدود العليا. ثم إننا لا نرى العرف يرى ذلك. مثل: ألا ترى ان المشتري إذا طلب من البائع ثوبا أسود، فلم يعطه ثوبا حالك السواد بأشد ما يكون اسودادا، أي أعلى السواد درجة ومرتبة واشتدادا، بل أعطاه ثوبا أسود يعبّر عنه العرف بالأسود فيقولون: هذا ثوب أسود. أر ترى ان البائع يكون معذورا عند الناس بعدم تقديمه الأعلى درجة في السواد المهم أن يطلق عليه وصف الأسود عرفا.  
  القول الثالث: هو أن الصيغة دليل على الوجوب بحكم العقل، وبه قال المحقق النائيني (ره) والسيد الخوئي (ره)
 يقول السيد الخوئي (ره) { ومن ذلك يظهر: أن الصيغة كما لا تدل على الطلب والبعث كذلك لا تدل على الحتم والوجوب. نعم، يحكم العقل بالوجوب بمقتضى قانون العبودية والمولوية فيما إذا لم ينصب قرينة على الترخيص.
 أو فقل: إن الصيغة - كما عرفت - موضوعة للدلالة على إبراز الأمر الاعتباري في الخارج، ولا تدل على ما عدا ذلك، إلا أن العقل يحكم بأن وظيفة العبودية والمولوية تقتضي لزوم المبادرة والقيام على العبد نحو امتثال ما أمره به المولى واعتبره على ذمته، وعدم الأمن من العقوبة لدى المخالفة إلا إذا أقام المولى قرينة على الترخيص وجواز الترك، وعندئذ لا مانع من تركه، حيث إنه مع وجود هذه القرينة مأمون من العقاب، وينتزع العقل من ذلك الندب، كما ينتزع في الصورة الأولى الوجوب }. [2]
  القول الرابع: هو كون الصيغة حجة على الوجوب بحكم العقلاء، وبه قال السيد الخميني (ره) في مناهج الوصول. وتقريبه: إن الأمر الصادر من المولى واجب الطاعة بحكم العقلاء كافة، وليس للعبد الاعتذار باحتمال كونه ناشئا من المصلحة غير الملزمة، ولا يكون ذلك لدلالة لفظية – أي بالوضع أو الاطلاق- أي بمقدّمات حكمة –تؤدي إلى الانصراف إلى الفرد الاكمل -، بل نفس صدور البعث موضوع لحكم العقلاء بلزوم الطاعة حتى يرد منه ترخيص.  
 وإذا فسرنا المراد من حكم العقل عند السيد الخوئي بحكم العقلاء من باب العقل العملي، فإن مآل الرأيين إلى رأي



واحد، وهو حكم العقلاء.[3]
فائدتان: أولا: معنى الوجوب لغة وشرعا، هل هناك نقل أو لا؟ هل هناك منقول اصطلاحي ام هو نفس المعنى اللغوي؟ وهذا ينفعنا في نقد ما ذكره الشريف المرتضى وغيره. ثانيا: تسليط الضوء على ان الاحكام ليست خمسة بل يمكن ان تكون ستة او سبعة.





[1] اعتبره مؤيدا وليس دليلا. لأنه ليس دليلا على الوضع مع انه دليل على الوجوب. فسيرة العقلاء لا تدل على الوضع بل تدل على وجود الظهور بالوجوب دون تحديد منشأ هذا الظهور، هل هو حكم العقل أم حكم العقلاء أم سيرتهم. أتصور ان التأييد من جهة ان الوجوب هو للوضع لا لأصل الدلالة على الوجوب.   .
[2] محاضرات في أصول الفقه - تقرير بحث السيد الخوئي للفياض - ج 2 - ص 131.
[3] الفرق بين: حكم العقل، وحكم العقلاء، وبناء العقلاء، وسيرة العقلاء: هذه الاصطلاحات أصحاب التصانيف استعملوها بعدّة معان، فلتوحيد وتركيز المصطلح الأثر الكبير في فهم المطالب العلمية، وحتى لا يتكلم كل منا في واد.
 حكم العقلاء وهو حكم العقل العملي مثلا: العدل حسن. حكم ليس لحاجة ولا لمبرر بل العقلاء يحكمون بان العدل حسن، ولذلك عبِّر عنه " بالتأديبيات الصلاحية " لان العقلاء إذا جلسوا مع بعضهم يحكمون بينهم. يحتاج إلى عاقل آخر كي يتم الحكم، أي حكم العقلاء يحتاج إلى مجتمع لكي يصدر العقل حكمه.
 سيرة العقلاء ليست حكم بل هي مسلك أو عمل أو تبان لأجل حاجة، من قبيل أن يعملوا بأخبار الآحاد الموثقة من أجل إيصال المعلومات، أو في مسألة الوضع الذي هو حاجة عقلائية، والسير ة أيضا تشمل العادات والتقاليد والاصطلاحات. .
 بناء العقلاء هو اعم من السيرة والحكم، فيشمل كل تبان سواء كان التباني اصطلاحا، أو مسلكا. أو كان التباني حكما.
حكم العقل هو حكم العقل المجرد، ما يعبر عنه بالعقل النظري الذي لا يحتاج إلى عاقل آخر معه كي يتصور الموضوع او يصدر الحكم، مثلا: النقيضان والضدان لا يجتمعان.
لذلك العنوان الصحيح " للتحسين والتقبيح العقليين " هو ان يقال " التحسين والتقبيح العقلائيين ".