الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

35/02/29

بسم الله الرحمن الرحیم

  العنوان: الأوامر [1]
 سبب الدلالة على الوجوب؟ أو ما هي علّة ظهور مادة الامر بالوجوب؟.
 بعد ذكر الاسباب الاربعة المحتملة نكمل لان نفس هذه الاحتمالات استدلوا بها على الوجوب في المادة والصيغة.
 الثاني الظهور الإطلاقي: الذي ذهب إليه المحقق العراقي، وملخصه أن اللفظ ينصرف إلى الفرد الأكمل، والفرد الاكمل للطلب هو الوجوب.
  والجواب: أن هذا مبني على أن الطلب موضوع للأعم فينصرف إلى الاكمل حيث إنه ليس بحاجة إلى قرينة بعكس ما هو أقل منه،  وهذا مصادرة على المطلوب، لأن البحث هو في الموضوع له المادة أو الهيئة، فإذا فرض مسبقا أن الطلب موضوع الأعم فقد تمّ البحث. ثم إن ما ذكره استحسانات لا تثبت وضعا، نعم قد تؤدي إلى ظهور، ولكنّا لا نجد في أنفسنا ذلك، فلو قلت لك: ائتني بثوب أسود، هل يعني ذلك الأسود القوي كل السواد؟! ولو أتيت بثوب سواده عادي وسط ألا يكفي في الامتثال؟! ولسان الناس ذلك فلا ينصرف إلى الفرد الاكمل.
 أما ما ذكره بان الاكمل ليس له حدّ والاقل كمالا له حدود ومراتب وهي التي تحتاج إلى قرينة لتحديدها مثلا: في الطلب أقواه الوجوب ثم الرجحان وهذا له مراتب كثيرة من استحباب مؤكد واستحباب اقل منه تأكيدا، شديد وعادي وإلى ان يتساوى الطرفان.
  نقول: كما أن المرتبة القليلة تحتاج إلى تحديد كذلك مرتبة الاكمل تحتاج إلى تحديد فهو مرتبة من المراتب وتحتاج إلى تحديد.
 ثانيا: قلنا ان هذه الامور لا تثبت اوضاعا ولا حتى ظهورا، كل الامور التي ذكرناها سابقا من مؤونة أقل أو أكثر أو غير ذلك استحسانات لا تثبت اوضاعا بل ولا ظهورا.
  ثالثا: إذا قلنا إن الظهور من باب أصالة عدم التحديد، أي أن الاصل عدم تحديد القوة أو النقص أو الضعف، فينصرف حينئذ إلى الفرد الأكمل فهذا أصل عملي، والأصل العملي لا ينقح أوضاعا أو ظهورا. نعم لوكانت المسألة لتنقيح حكم شرعي فمع عدم وجود الأدلة اللفظية تصل النوبة إلى الأصول العملية، ولكن هذه مسألة خارج البحث. إذن ما ذكره المحقق العراقي فيه الكثير من التأمل لا نسلم به.      
  الثالث: الظهور في الوجوب بحكم العقل:
   وبه قال المحقق النائيني (ره) والمحقق الخوئي (ره) نقل ذلك في كتاب المحاضرات للشيخ الفياض[2].
  وتقريبه: { أن العقل يحكم بأن وظيفة العبودية والمولوية تقتضي لزوم المبادرة وقيامَ العبد بامتثال ما أمره المولى وعدم الأمن من العقوبة لدى المخالفة إلا إذا أقام المولى قرينة على الترخيص وجواز الترك، فالحاكم بالوجوب إنما هو العقل دون الصيغة، لا وضعا ولا إطلاقا }.
  بعبارة اخرى بان اللفظ والصيغة لا دلالة لهما على الوجوب كليا بل العقل هو الذي حكم بوجوب الامتثال، ولذلك لو فهمت أمر المولى من دون تلفظ، بإشارة مثلا أو بغير ذلك لوجب الامتثال من دون دخالة للفظ ولا للصيغة وضعا واطلاقا، حذرا من المؤاخذة والعقوبة.
 وبعبارة اخرى ان المسألة عقلية محضة، والكلام في الالفاظ فيكون لفظ الصيغة أو المادة مجرد مصداق لكيفية الطلب، فكل انواع الطلب بأكملها وكل ما يتم به انشاء الطلب كالإشارة وغيرها، ظاهرة في الوجوب إلا ان يقوم دليل على الاستحباب أو جواز الترك. فلا فرق بين قول المولى تعالى لعبده وبين إشارته بيده أن يأتي.      
  ولكن نقول: أما في مادة الأمر فهذا الإنبعاث بسبب ارتكاز وجوب المبادرة المأخوذ من وضع الأمر للوجوب.
 وأما في الهيئة فحكم العقل بالانبعاث ليس مسألة لفظية، تصبح المسألة عقلية ولا علاقة للفظ في الدلالة على الوجوب لا وضعا ولا إطلاقا، بل لا يوجد دلالة، والموجود هو حكم العقل بلزوم طاعة المولى، فكأنها أصبحت مسألة من مسائل علم الكلام، فإن حكم العقل بالانبعاث لا علاقة له بالألفاظ. وهذا خارج عما نحن فيه فمسألتنا من مسائل مباحث الالفاظ . وهذا ايضا يحتاج إلى تحقيق مسألة، بأن مولوية المولى الله عز وجل هل هي كمولوية الموالي العاديين؟.  
 رابعا: أن الظهور في الوجوب هو بحكم العقلاء:
  ذهب إلى ذلك السيد الخميني (ره) في منهاج الوصول [3].
   وتقريبه: { أن الأمر الصادر من المولى واجب الطاعة بحكم العقلاء كافة، وليس للعبد الاعتذار باحتمال كونه ناشئا من المصلحة غير الملزمة، ولا يكون ذلك لدلالة لفظية أو مقدمات حكمة، بل نفس صدور البعث موضوع لحكم العقلاء بلزوم الطاعة حتى يرد منه ترخيص }.
  ويرد عليه: أن هذا مصادرة على المطلوب، فان للمولى اوامر الزامية وغير الزامية، فإن البعث إذا لم يكن إلزاميا لا يكون واجب الطاعة ويستطيع العبد الاعتذار، لاننا نعلم ذلك، بل لعلّ اكثر الطلبات غير ملزمة كما نراه في كثير من الروايات والاحكام الشرعية.





[1] رغم العطلة السنوية بمناسبة رأس السنة الميلادية، نقول أن للتعطيل أفاته الكثيرة والله عز وجل يريدنا أن نعمل، الشيخ الآخوند (ره) يقول: اني لا اعتبر المحصل محصلا حتى يكون يوم تعطيله اكثر من يوم تحصيله فائدة.  .
[2] محاضرات الفياض ج 2 ص 132.
[3] منهاج الوصول ج 1 ص 256.