الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

35/02/27

بسم الله الرحمن الرحیم

  العنوان: الأوامر
أدلة القول بالوضع للأعم:
   عظم الله أجورنا وأجوركم باستشهاد إمام البشرية الحسين بن علي بن أبي طالي (عليهم).
  بعد عطلة اربعين الامام الحسين (ع) نعود لبحث الاوامر، وبعد التذكير بما مرّ نكمل ادلة القول بالوضع للأعم:
 الدليل الاول: صحة التقسيم بان الامر وجوبي وغير وجوبي هو دليل على انه موضوع للأعم.
واجيب: بان احتمال المجاز موجود، والاستعمال في التقسيم المذكور ليس على نحو الحقيقة، وقلنا ان الاستعمال اعم من الحقيقة والمجاز، فيكون التقسيم قرينة على المجازية. ولا بد من بيان أن التقسيم يكون دليلا بشرط ان لا يكون هناك قرينة على انه مجاز، أو ان اعرف من نفسي باني استعمل التقسيم بلا تكلّف، فعندما استعمل اللفظ مجازا اعلم بالتكلّف لان المجاز يحتاج إلى قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي.
 الدليل الثاني: ان الاستعمال ثابت في الاستحباب وذكرنا الوجوه تفصيلا في الدرس السابق.          
ومنها: أن فعل المندوب طاعة وكل طاعة فهو فعل المأمور به.
  والجواب: هنا قياس: " فعل المندوب طاعة وكل طاعة فهو فعل المأمور به "، إن الكبرى "كل طاعة فهو فعل المأمور به" لو أريد بالأمر معناه الحقيقي فهي ممنوعة لأنها مصادرة على المطلوب، ولو أريد بها الأعم من المعنى الحقيقي وغيره، فلا يفيد في إثبات الوضع، لأنه استعمال في الاعم وقد يكون استعمالا في المجاز. 
  دليل من قال بوضع مادة الأمر للوجوب أمور:
 ادلة ذكرها القدماء كثيرة مأخوذة من استعمالات الامر. 
  منها: التبادر عند إطلاق لفظ الأمر، يتبادر إلى الذهن إلى خصوص الوجوب، لا للوجوب والاستحباب، لا لاحدهما فيكون دليلا على الاشتراك اللفظي بينهما، ولا للأعم منهما فيكون دليلا على الاشتراك المعنوي. نعم فإن تم التبادر يكون دليلا.[1]  
  ومنها: ذم العقلاء. يقول الشيخ حسن بن زين الدين (ابن الشهيد الثاني) (ره) في مقدمة كتاب معالم الدين: {أنا نقطع بأن السيد إذا قال لعبده " إفعل كذا " فلم يفعل، عدّ عاصيا وذمه العقلاء معللين حسن ذمه بمجرد ترك الامتثال، وهو معنى الوجوب، لا يقال: القرائن على إرادة الوجوب في مثله موجودة غالبا، فلعلّه إنما يفهم منها، لا من مجرد الأمر؟ لأنا نقول: المفروض فيما ذكرناه انتفاء القرائن، فليقدر كذلك لو كانت في الواقع موجودة فالوجدان يشهد ببقاء الذمّ حينئذ عرفا، وبضميمة أصالة عدم النقل [2]إلى ذلك يتم المطلوب}. [3].
  ومنها: قوله تعالى مخاطبا إبليس: ﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ﴾ [4] يقول في الكفاية { وصحة الاحتجاج على العبد ومؤاخذته بمجرد مخالفة أمره، وتوبيخه على مجرد مخالفته}.[5] ويقول في المعالم [6] في أول المطلب الثاني في الأوامر والنواهي: { والمراد بالأمر " اسجدوا " في قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ ﴾ [7] فإن هذا الاستفهام ليس على حقيقته، لعلمه سبحانه بالمانع، وإنما هو في معرض الإنكار والاعتراض، ولولا أن صيغة " اسجدوا " للوجوب لما كان متوجها }.[8]
  نعم يرد على صاحب المعالم، الخلط بين مادة الأمر وصيغة الفعل، فهذا الاستدلال ينبغي أن يكون للصيغة " اسجدوا "، نعم يمكن إتمامه بكون " اسجدوا " مصداقا لمادة الأمر أي لقوله " أمرتك " وأن هذا الإنكار من الله تعالى لعصيان " الأمر " أي لمادة الأمر.
ولبيان هذا الاتمام نقول: في مسألة صحة الحمل وعدم صحة السلب. ان صحة الحمل أي حمل اللفظ على معناه: تارة يكون بحمل اللفظ على نفس المعنى، وهذا يدل على انه موضوع للمعنى. وتارة احمل اللفظ على كل افراده فيدل على ان هذه الافراد جميعا مصداق للمعنى. وتارة احمل على فرد واحد كلفظ " الصعيد " فيدل على ان هذا الفرد فرد حقيقي للمعنى وليس فردا مجازيا، واحيانا في هذا الاخير قد يقال انه لا ينفعني في اثبات الوضع للمعنى، لانه تثبيت للفرد والكلام في المفهوم، ولكن ذكر في الاصول انه قد ينفع فرد واحد في اثبات نفس المعنى كلفظ الصعيد إذا استطعت حمل هذا اللفظ على الحصى دل على انه موضوع لكل الارض وان لم احمله على افراد مطلق الارض وذلك فيما لو دار الأمر في كون لفظ الصعيد موضوعا لخصوص التراب أو لمطلق وجه الأرض، وهنا من هذا القبيل لفظ " اسجدوا "  جعلته مصداقا للأمر ﴿ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ﴾ بهذا أمكن ان نتم الاستدلال بهذه الآية، ولكن قلنا فرق بين مادة الامر وصيغته، ولا مانع من كون بعض مصاديق صيغة أفعل يكون مصداقا لمادة الأمر، وهو أمر مسلم، بأن مصاديق صيغة أفعل: الوجوب، والاستحباب، والترجي، والتمني، والتحضيض، وكل اصناف الطلب.
  غدا نكمل أدلة من قال بأن مادة الأمر للوجوب إن شاء الله تعالى.   





















[1] تذكير: التبادر والانصراف والانسباق. الانسباق: هو انسباق المعنى من اللفظ عند اطلاقه، فقد يشمل الظهور والانصراف والتبادر. الانصراف: هو انسباق بعض افراد الكلي منه. التبادر: هو انصراف نفس المعنى الموضوع له من اللفظ .     .
[2] ذكرنا أن هذه الأصالة أصل عقلائي عرفي لا علاقة له باستصحاب القهقري الذي لم يثبت، ولا تثبت لوازمه لانه اصل عملي، وذكر ذلك الشيخ المظفر في كتابه اصول الفقه. فاللفظ الموضوع لهذا المعنى في زمننا فالأصل عدم نقله إلى معنى آخر، فنثبت حينئذ أن اللفظ قبل الف عام كان موضوعا لهذا المعنى أيضا.   .
[3] معالم الدين وملاذ المجتهدين – ابن الشهيد – ص 46.
[4] سورة الاعراف (12).
[5] كفاية الاصول – الآخوند – ص 63.
[6] اهمية كتاب المعالم انه كتاب يربط بين الماضي والحاضر، فقد لخص في المعالم كل اراء الماضين وهذا امر ضروري للإنطلاق لفهم الحاضر.  .
[7] سورة البقرة (34).
[8] معالم الدين وملاذ المجتهدين – ابن الشهيد – ص 46.