العنوان: الأوامر
بعد أن انتهى صاحب الكفاية (ره) كما
فعل من قبله ومن بعده، من مقدمات لا بد منها للألفاظ ووضعها، وانواع الوضع واقسامه
واستعمال اللفظ في اكثر من معنى والمشترك والمشتق بدأ في ما تعارف الاصوليون في
بحثه في علم الاصول، فبدأ بالأوامر، والكلام في قسمين: مادة الأمر أي (أ- م – ر)
بهذا الترتيب وصيغة الأمر.
فمادة الامر بهذا الترتيب، هي لفظ لكنه
لا يوجد الا ضمن هيئة، والهيئة لفظ ويحتاج إلى مادة لوجوده، فهما لفظان موضوعان
لمعنى يحتاج بعضهما إلى الآخر لوجوده.
وهذا التفكيك في البحث بين مادة الأمر
وصيغته ليس قديما، فإن القدماء كانوا يبحثونها في بحث واحد.
ففي المعالم
[1]
مثلا لم يفرق بينهما. فهو يقول:
{صيغة إفعل وما في
معناها حقيقة في الوجوب فقط بحسب للغة على الأقوى وفاقا لجمهور الأصوليين وقال قوم: إنها حقيقة في الندب فقط، وقيل: في الطلب وهو القدر
المشترك بين الوجوب والندب. وقال علم الهدى (ره): إنها مشتركة بين الواجب والندب
اشتراكا لفظيا في اللغة، وأما في العرف الشرعي فهي حقيقة في الوجوب فقط [2].
وتوقف في ذلك قوم فلم يدروا أللوجوب هي أم للندب. وقيل: هي مشتركة بين ثلاثة
أشياء: الوجوب والندب والإباحة. وقيل: هي للقدر المشترك بين هذه الثلاثة وهو الإذن
[3].
وزعم قوم: أنها مشتركة بين أربعة أمور وهي الثلاثة السابقة والتهديد. وقيل فيها
أشياء أخر، لكنها شديدة الشذوذ، بينّة الوهن، فلا جدوى في التعرض لنقلها.
لنا وجوه: الأول: بأن
السيد إذا قال لعبده " افعل كذا " فلم يفعل عدَّ عاصيا وذمّه العقلاء
معللين حسن ذمّه بمجرد ترك الامتثال، وهو معنى الوجوب}.[4]
نستفيد من كلام صاحب المعالم بانه لم
يفرق بين الامر وصيغة الامر، قال: بان صيغة الامر حقيقة في الوجوب، ثم في الاستدلالات
الاخرى يكمل: " فليحذر الذين يخالفون عن امره " فانه جعل الكلام في مادة
الامر وصيغة الامر مسألة واحدة ولم يفرق بينهما، والقدماء لم يفرقوا بيهما بل هو
تفريق جديد.
فالكلام إذن في مسالتين: في معنى مادة
الأمر لغة والثانية في معناها شرعا.
أما في مادة الأمر: يقول في الكفاية:
{ المقصد الأول: في الأوامر وفيه فصول: الأول: فيما يتعلق بمادة
الأمر [5]من الجهات، وهي عديدة: الأولى: إنه
قد ذكر للفظ الأمر معان متعددة، منها الطلب، كما يقال " أمره بكذا ". ومنها
الشأن، كما يقال: شغله أمر كذا. ومنها الفعل، كما في قوله تعالى: ( وما أمر فرعون برشيد
)
[6].
ومنها الفعل العجيب، كما في قوله تعالى: ( فلما جاء أمرنا ). ومنها الشيء، كما تقول:
رأيت اليوم أمرا عجيبا. ومنها الحادثة، ومنها الغرض، كما تقول: جاء زيد لأمر كذا. ولا
يخفى أن عدّ بعضها من معانيه من اشتباه المصداق بالمفهوم، ضرورة أن الامر في ( جاء
زيد لأمر ) ما استعمل في معنى الغرض، بل اللام قد دلت على الغرض، نعم يكون مدخوله مصداقه
[7]،
فافهم. وهكذا الحال في قوله تعالى ( فلما جاء أمرنا ) يكون مصداقا للتعجب، لا مستعملا
في مفهومه، وكذا في الحادثة والشأن }.
[8] لقد أوصل بعضهم المعاني إلى خمسة عشر
معنى وزاد صاحب القوانين الصفة والقدرة. الخ.
والكلام في الموضوع له مادة: أمر
". وقد عدّد صاحب المعالم الأقوال والذي أظنه أن سبب كثرة الأقوال في الموضوع
له هو توهم كون الاستعمال علامة على الحقيقة. التي ذكرنا منها: التبادر، صحة
الحمل، عدم صحة السلب، الاطراد، الاستعمال، قول اللغوي. وقلنا أن الاستعمال ليس
علامة للحقيقة، لان الاستعمال أعمّ من الحقيقة والمجاز.
تمهيد للبحث: هناك في مادة الامر
معنيان:
معنى الطلب وفروعه من الوجوب والندب
والتهديد والحث والتحضيض وكلي الطلب إلى آخره.
ومعنى الشأن والشيء وامثالهما كالصفة
والقدرة، الامر الجامد الذي يختلف عن الطلب.
الدليل على وجود معنيين امران:
الاول: ان الامر بمعنى الطلب يجمع على
اوامر بينما تلك تجمع على أمور، تقول: رأيت امورا عجيبة. الجمع يدل على ان هناك
معنيين، من قبيل " عقار " التي لها معنيان: الاراضي والابنية والدواء.
بمعنى الادوية تجمع على عقاقير. وبمعنى الارض والأبنية تجمع على عقارات.
الثاني: الاشتقاق، الأمر بمعنى الطلب
يشتق منه امر يأمر اوامر، بينما الامر بمعنى الشأن والشيء لا يشتق منه، كلفظ رجل
يجمع ويثنى فقط فتقول: أمران، أمور، ليس له مشتقات كالفعل.
هذان المعنيان هل هو من باب تعدد
المراد منه او تعدد الاستعمال؟ كان هناك مشكلة في المسألة ان الاستعمال علامة
الحقيقة.
سنذكر غدا معنى الامر بمعنى الطلب
وفروعه والاقوال فيه، أما الامر بمعنى الجامد الشأن والصفة والقدرة، فانه لا يهمنا
كأصوليين فإنه مسألة لغوية، وكلامنا في معنى الطلب وهو الذي يحتاج للبحث.