الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

35/01/14

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: المشتق
بعد العطلة العاشورائية عظم الله اجوركم وتقبل اعمالكم واسأل الله تعالى أن يحشرنا مع الحسين (ع) وآل بيته في الدنيا والآخرة، واسأله تعالى أن نستفيد من القيم التي استشهد لأجلها وأن ننشرها في الدنيا فهي الذخيرة لنا في الدنيا والآخرة.
  نعود إلى بحث الاصول في باب جديد وهو المشتق.   
    هل يصدق العنوان في المشتق حقيقة بعد زوال التلبس بالمبدأ؟ وذلك باعتبار أن المعنون كان متلبسا به؟.
  فهذا العنوان بهذا التعبير سينفعنا كثيرا فيما سنختاره في هذا البحث.
  وقد عنون صاحب الكفاية (ره) المسألة بقوله: { الثالث عشر: أنه اختلفوا في أن المشتق حقيقة في خصوص ما تلبس بالمبدأ في الحال أو فيما يعمّه وما انقضى عنه على أقوال، بعد الاتفاق على كونه مجازا فيما يتلبس به في الاستقبال }. [1]
  فمثلا: هل يطلق على زيد الذي كان قائما ثم قعد، أنه قائم حقيقة؟
  هل استطيع بعد زوال المبدأ أن اطلق العنوان.  
 واعطوا لذلك بعض الامثلة: كالماء المسخن بالشمس ثم برد، هل يكره الوضوء به، فإذا اطلقت عليه انه ماء مسخن بالشمس حقيقة بعد بروده فيصبح الوضوء مكروها، وان لم يمكن ان اطلق عليه حقيقة انه مسخن تزول الكراهية. أو يكره التغوط تحت الشجرة المثمرة بعد زوال الثمرة.    
 ومثال على ذلك من واقع الحياة المعاصرة ثمّة مسألة واقعية قد ابتليت بالسؤال عنها والتصدي لحلها وهي: أن رجلا كان متزوجا، ورزق ذكورا وإناثا. ثم غيّر جنسه، بحيث أصبح امرأة، وبعد مدّة توفي أحد أبنائه وكان عنده تركة، فهل يرث هذا الرجل الذي انقلب إلى امرأة؟
 وجه الإشكال هو أن الأب يرث السدس والأم كذلك، وهذا الذي غير جنسه ليس أما، وقد كان أبا، فهل يصدق عليه عنوان الأب، مع العلم أن مفهوم الأب قد أخذ فيه الذكورية وهو الآن أنثى.[2]
 فإن قلنا إن المشتق حقيقة في خصوص المتلبس، لا يصدق على هذا الشخص الأبوة فلا يرث، وإن كان حقيقة في المتلبس وما انقض عنه التلبس صدق عليه عنوان الأبوة حقيقة فيرث.
 نعم إذا ثبت أن الوارث هو هذا الكائن الحيّ بغض النظر عن ذكوريته وأنوثته قلنا بأنه يرث.
 لكن هذه مسألة اصبحت مسألة فقهية ولغوية ننظر في اللغة ما معنى الابوة ثم في الفقه الوارث من هو، هذا الكائن أم عنوان الاب.
 أما على مستوى المسألة الأصولية فهو من تطبيقات مسألة المشتق كما بيّنا.
  وقبل الخوض في المسألة لا بأس ببيان معاني بعض المفردات الاصطلاحية التي أوردوها عند تحقيق المسألة:
-التلبس: هو الاتصاف بالشيء " فزيد " عندما يقوم يتلبس بالقيام، أي يتصف به، واستطيع ان احمل عليه القيام واقول ان هذا قائم.
-الجري: هو صدق العنوان على المعنون والحمل عليه، المعنون قائم جار على زيد، محمول عليه، صادق عليه.
-المبدأ: هو الصفة التي تلبست بالموضوع، كالقيام والقضاوة والإمارة والزوجية، ولا بد من اتحاد هذه الصفة مع الموصوف بنحو من أنحاء الاتحاد.
 بنحو الحلول: كالموت الذي يحلّ بزيد فتقول: زيد ميِّت.
 أو بنحو الانتزاع: كالفوقية فتقول: الكتاب فوق الطاولة.
 أو بنحو الاعتبار: كالملكية فتقول الكتاب ملك لفلان.
 أو بنحو الصدور: كالضرب فتقول: زيد ضارب.
 أو بنحو العروض: كالبياض فتقول: زيد أبيض.
-المشتق: وله ثلاثة معان: لغوي ونحوي وأصولي.
  أما اللغوي فالظاهر أنه من الشق، أي يشق الشيء فيؤخذ منه.
  وأما النحوي فهو ما كان له وضعان: هيئة ومادة، كقولك: " ضارب " وفيه وضعان: وضع لصيغة اسم الفاعل وهو الهيئة، ووضع للمادة وهو الضرب، وكلاهما لفظ، إلا أن أحدهما لا يمكن أن يوجد بدون الآخر. وقد اختلف النحاة في أن أصل الاشتقاق هو المصدر كما ذهب إليه البصريون، أو الفعل كما ذهب إليه الكوفيون.
  وهذا المعنى النحوي منقول عن المعنى اللغوي، ويقابله الجامد، الذي له وضع واحد، كرجل وزوج، فليس له وضعان يشتق منه.
اما المشتق الاصولي هو العنوان الذي يصدق سواء كان مشتقا نحويا أو جامدا نحويا، وسنرى بعد عرض كلام صاحب الكفاية ان الكلام في العنوان الصادق على المحمول، ولا دخالة للهيئة ولا المادة ولا الملكة، وكل ما ذكروا.   
 إذا عرفت هذا فنقول:
 لا شك ولا ريب في صحة إطلاق اللفظ على المتلبس بالمبدأ فعلا، وعلى من انقض عنه التلبس، وعلى من لم يتلبس بل سيتلبس به في المستقبل.
  ولا شك أن المتلبس بالمبدأ فعلا يجري عليه العنوان على نحو الحقيقة، كذلك لا شك أن من لم يتلبس فعلا بل في المستقبل فإطلاق اللفظ على الذات إطلاق مجازي، وهذا ليس محل الكلام بل هو محل اتفاق.
  إنما الكلام في القسم الثاني وهو ما كان متلبسا وقد انقضى عنه التلبس؟
 ملخص الكلام: العنوان عندما يصدق على المتلبس فعلا بعد انقضاء التلبس، هل يصح إطلاقه حقيقة او لا؟ سواء كان هذا الانقضاء في الحال أو في غيره، ولا دخل لكل القيود التي ذكروها لتحرير محل النزاع.





[1] كفاية الاصول، الآخند الخرساني، ص 38.
[2] اجاب بعض الطلاب بانه نستصحب الابوة. الجواب: أن الاستصحاب أصل عملي والكلام في المشتق بالأصل اللفظي، فان لم نصل إلى نتيجة ننتقل بعدها للأصل العملي.   .