الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

34/12/17

بسم الله الرحمن الرحیم

   العنوان: جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى.
  المسألة الثانية: لو جاز استعمال اللفظ في أكثر من معنى [1]، وكان الظهور في المعنى الواحد، ومن دون قرينة معيّنة، فالمرجع هو الأصول العملية.
 ولا بأس بعرض كلام السيد الخوئي (ره) أيضا من نفس المصدر: «وعلى ذلك فإن استعمل اللفظ في معنيين أو أزيد ولم يؤت معه بقرينة تدل على إرادة جميع المعاني أو خصوص معنى فاللفظ يصبح مجملا ولا يدل على شيء. إذا فالمرجع هو الأصول العملية على اختلافها باختلاف الموارد. هذا فيما إذا دار الأمر بين إرادة معنى واحد وإرادة الأكثر منه ».[2]
   وهذا كلام صحيح نؤيده، وغالبا ما يكون الأصل العملي هو الاحتياط إذا لم يكن هناك حالة سابقة تستصحب، هذا لو وصل الأمر إلى الأصل العملي، كما في مسألة العدّة. أما لو لم يصل، كما في مسألة جواز التمسك بالعام في الشبهة المفهومية أو المصداقية، ودار أمر المشتبه بين المتباينين، فيتمسك هناك بما يؤول إليه النظر من الأصل اللفظي، فإن لم يكن فالأصل العملي.
   فرع: لو قلنا بجواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى – على خلاف ما ذهبنا إليه – وقامت قرينة على إرادة مجموع المعاني، ولكن لا أدري أنه على نحو العموم المجموعي أو الاستغراقي.[3]
  والفرق بينهما أن العموم المجموعي يكون موضوع الحكم هو المجموع ويكون اللفظ مستعملا في المجموع فيكون مجازا لأن الموضوع له هو أحدها.
  أما الاستغراقي فيكون موضوع الحكم هو كل معنى على حدة، ويكون الاستعمال حقيقيا لأنه في ما وضع له.[4]
 ولا بأس بذكر كلام السيد الخوئي (ره) في هذه المسألة، تقريرات الفياض: « وأما إذا علم إرادة الأكثر ودار الأمر بين إرادة مجموع المعنيين على نحو العموم المجموعي، أو إرادة كل واحد منهما على سبيل العموم الاستغراقي ولم تكن قرينة على تعيين أحد الأمرين، فقد قيل بلزوم حمل اللفظ على الثاني تقديما للحقيقة على المجاز [5][6][7][8]، ولكنه لا يتم فإنه لا وجه له حتى على القول بأن الاستعمال في أكثر من معنى واحد على سبيل الاستغراق استعمال حقيقي، لما عرفت من أن الاستعمال في أكثر من معنى واحد على خلاف الظهور العرفي وإن كان الاستعمال استعمالا حقيقيا ، وأصالة الحقيقة هنا غير جارية كما لا يخفى [9]. وتظهر الثمرة بين الأمرين فيما لو كان لشخص عبدان كل منهما مسمى باسم واحد " الغانم "- مثلا- فباعهما المالك فقال للمشتري: بعتك غانما بدرهمين، ووقع النزاع بين البائع والمشتري في استعمال هذا اللفظ، وأنه هل استعمل فيهما على سبيل المجموع ليكون ثمن العبدين درهمين أو على سبيل الاستغراق ليكون ثمن كل منهما درهمين والمجموع أربعة دراهم ؟ ففي مثل ذلك نرجع إلى أصالة عدم اشتغال ذمة المشتري للبائع بأزيد من درهمين ».[10] 
والنتيجة في تلخيص الثمرة خطوط:
-  لا يجوز استعمال اللفظ في أكثر من معنى عقلا ولا تصل المسألة إلى الامكان العرفي.
-  لو جاز لظهر الاستعمال في جميع المعاني.
-  لا بد من قرينة لتعيين المراد، وإلا كان مبهما ورجعنا إلى القواعد والاصول.


[1] للتذكير: ان المتقدمين تكلموا في الامكان العرفي ولم يتكلموا في الامكان العقلي، كأنه عقلا مسلم الجواز. وبناء على جواز استعمال في أكثر من معنى أي يمكن الاستعمال في كل منهم، وبناء على الظهور في الواحد  يكون الحكم منصبا على أحد المعاني، والباقي تجري فيه الأصول العملية. وغالبا ما يكون الاصل العملي في هكذا مسألة، إما الاحتياط أو استصحاب الحالة السابقة لو كانت.      .
  [2]محاضرات في اصول الفقه تقريرات الشيخ الفيا ض، دار الهادي للمطبوعات، ج1، ص209.  .
[3] كما لو قلت: " اشتري لي عينا بدرهم "  فإذا اعتبرت ان الجميع موضوع واحد يكون كل العيون، الباصرة والنابعة والذهب، كلها بدرهم. وإذا كان عموم استغراقي فيكون كل من العين الواحدة بدرهم. والفرق بن العمومين انه في الاستغراقي لو امتثلت بجزء المطلوب أكون قد امتثلت كما في صيام بعض من ايام شهر رمضان، بينما في المجموعي المطلوب المجموع بما هو مجموع كاداء اربع ركعات صلاة الظهر، فلا تصح الصلاة إذا اتى بركعتين.        
[4] إذا قلنا بأصالة الحقيقة تعبدا كما قال اكثر القدماء، بكون الظهور في العموم الاستغراقي. وإذا قلنا بأصالة الظهور وهو الصحيح كما يذهب اليه المتأخرين، سنؤيد كلام السيد الخوئي (ره).     .
[5]  تذكير: القدماء يقولون بأصالة الحقيقة والاطلاق والعموم تعبدا، أي حتى لو لم يكن هناك ظهور. ومعنى التعبد لغة هو فعل امر طاعة للآمر. وهو يختلف عن الاصطلاح الأصولي في التعبدي والتوصلي. فعندما نقول اصالة الحقيقة تعبدا، فإذا دار الامر بين الحقيقة والمجاز احمل اللفظ على المعنى الحقيقي لان المطلوب عرفا ان احمله على المعنى الحقيقي.       .
[6]  ولكن نسأل: العقلاء من يتعبدهم كعقلاء؟ فالعقلاء لا يلتزمون بأمر دون معرفة الداعي، فالعمل بالخبر الواحد تابع للحاجة وهي نقل المعلومات وليس تعبدا وهكذا العمل بالمشهور والعمل بالقياس. .
[7]تذكير: في الاستصحاب الشيخ الانصاري (ره) يقول: ان كان الدليل على الاستصحاب هو  الاخبار كان الاستصحاب اصلا عمليا، وإن كان الدليل هو سيرة العقلاء يكون الاستصحاب أمارة. وسبب قوله ذلك أن العقلاء يعاملون الاستصحاب معاملة الكاشف معاملة الخبر الواحد لان العقلاء ليس لديهم اصل عملي لان الاصل العملي اصل تعبدي يرجع اليه، ومن يتعبد العقلاء؟ العقلاء كعقلاء وليس كعبيد لله عز وجل. فالعمل بالأخبار الصادرة عن الائمة (ع) يجب عليَّ شرعا من الله عز وجل ان اعمل بها، فالله تعبدني فاعمل بالأخبار، فيكون اصلا. أما لو كان الدليل بناء العقلاء فليس هنا تعبد اصلا،  فمن يتعبد العقلاء كعقلاء؟ لذلك إن عملهم بخبر الواحد او الشهرة او القياس هو عبارة عن سد حاجات، ونعلم ما هي الحاجة في ذلك. لذلك ليس لدينا اصالة الحقيقة تعبدا، والتعبد نعمل به دون معرفة خلفيته واسبابه. لذلك الاصول تكون في مقام التعبد لان الله طلبها، والامارات يمكن ان تكون من الله وقد جعلها كاشفة أو من العقلاء. نعم بعضهم يقول حتى العقلاء يمكن ان يكون عندهم تعبد وسنبحثها في باب الاستصحاب.
[8]هذا الرأي الاول وهو لأكثر القدماء والرأي الآخر هو ان نعمل بالظهور، فقد يكون الظهور في المعنى المجازي وقد يكون في المعنى الحقيقي لان الالفاظ عبارة عن وسيلة لإفهام المرادات، ولذلك اصالة الظهور هي عند الشك في المراد لا عند الشك في الاستعمال، لان المهم عند العقلاء هو المراد ولا يهمهم كيفية الاستعمال، وذكرنا سابقا في الاستعارة بالكناية مثلا: " انشبت المنية اظفارها في زيد " فلا يهم المستمع كيف تم الاستعمال، وهو الذي تحقق بتشبيه المنية بالأسد وحذف الاسد المشبه به واثبات بعض لوازمه الاظافر للمنية. فإذا كان هناك ظهور في المراد نعمل به، ولذلك عند الشك نرجع إلى اصالة الظهور، ومع عدمها يبقى الامر مجملا وعند الشك لا ارجع لأصالة الحقيقة ابدا.
[9] ردا على احد الطلاب: انه لو تم في مسألة جواز استعمال اللفظ في اكثر من معنى لكان الظهور هو في الاستغراقي، لكن المشكلة انه من الاساس نحن لا نقول بجواز استعمال الفظ  في اكثر من معنى فلا يمكن الاستظهار حينئذ.   .
[10]محاضرات في اصول الفقه تقريرات الشيخ الفيا ض، دار الهادي للمطبوعات، ج1، ص209. .