الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

34/12/02

بسم الله الرحمن الرحیم

 
 العنوان: جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى.
  نكمل الكلام حول استعمال اللفظ في اكثر من معنى، وقد بيّنا المختار، وأنه غير ممكن عقلا، وسنبيِّن اليوم كلام صاحب القوانين (ره) وكلام صاحب المعالم (ره) ومورد الخلل فيهما لما له من ثمرات في هذه المسألة وفي غيرها. وقد قدّمت بيان المختار لمناسبة ما بني عليه لأبحاث الأساطين الذين ذكرناهم.
  قد يقال لماذا اخرت هذين الكلامين ولم تبينهما مع كلام المحقق الاصفهاني (ره) والكفاية وكلام السيد الخوئي والخميني (قدهما).
 الجواب: أنهم عالجوا الموضوع بطريقة الوجود التنزيلي والعلامتي ونحن اخذنا موقفنا من هذه الطريقة، وقلنا انه لا يجوز، بينما صاحب المعالم وصاحب القوانين عالجوا القضية كقضية عرفية بحسب الوضع، فإذا اخرت الموضوع للأخير سنهمل الطريقة الاولى، لذلك بينت المختار في المسألة قبل ان نبين كلامهما (ره).
  بعد بيان المختار سنبحث ثلاث جهات:
  الاولى: كلام صاحب المعالم وصاحب القوانين (قدهما).
  الثانية: الثمرة في المسألة.
  الثالثة: ماذا نفعل في الروايات التي تقول بان القرآن نزل على سبعة احرف وغيرها.
 الجهة الاولى: لم يعالج صاحب الكفاية وصاحب المعالم المسألة عقلا، بل عالجوا المسألة بكيفية الوضع وكيفية الاستعمال.
  يقول صاحب الكفاية (ره): ( ولولا امتناعه فلا وجه لعدم جوازه، فإن اعتبار الوحدة واضح المنع، وكون الوضع في حال وحدة المعنى وتوقيفيته لا يقتضي عدم الجواز، بعد ما لم تكن الوحدة قيدا للوضع ولا للموضوع له كما لا يخفى ). [1]
  انتهى.
  بيـانـه: يبيِّن (ره) رأيين لاثنين من الاساطين: صاحب المعالم (ره) وصاحب القوانين (ره) ورد عليهما.
  أما صاحب المعالم (ره) فقد ذهب إلى جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى إلا أنه مجاز في الفرد وحقيقة في التثنية والجمع. والسرّ في ذلك برأيه الشريف أن اللفظ يوضع للمعنى بقيد الوحدة، أي اخذ قيدا في الموضوع له، فإذا استعملت في معنيين فقد أزلت قيد الوحدة عن كل معنى، أي أني استعملت اللفظ في جزء المعنى الموضوع له، أي استعمل في غير ما وضع له فهو مجاز. هذا في المفرد، وأما في التثنية فإن لفظ المثنى بقوة المفرد معطوفا ومكررا، فقولك " زيدان " بقوة " زيد وزيد " و " عينان " بقوة " عين وعين " فلو قلت: " عندي عينان " بمعنى عين نابعة وعين ذهب، كأني قلت: " عندي عين وعين " وأكون قد استعملت لفظ " عين " الاولى في النابعة وحدها ولفظ " عين " الثانية في الذهب وحده. وبذلك أكون قد استعملت اللفظ في نفس ما وضع له، أي المعنى بقيد الوحدة، فهو استعمال حقيقي؛ وهكذا الجمع، فقولنا: " زيدون " أي زيد وزيد وزيد .. فيكون استعمال " زيد " الأول في زيد بن بكر، والثاني في زيد بن عمرو .... وهكذا. وعليه يكون استعمال لفظ زيد في الموضوع له وهو " ابن بكر " بقيد الوحدة، فيكون استعمالا حقيقيا.
  ملخص رأي صاحب المعالم (ره) أن استعمال اللفظ في اكثر من معنى صحيح في المفرد لكنه على نحو المجاز، وصحيح في التثنية والجمع وهو على نحو الحقيقة. إذن استعمال اللفظ في اكثر من معنى جائز مطلقا ألا أنه في المفرد مجاز لأنني جردته واستعملته في جزء معناه.
  ويجيب صاحب الكفاية (ره) بأن أخذ الوحدة قيدا وجزءا في الموضوع له واضح المنع، وسيأتي بيانه لاحقا.
  أما كلام المحقق القمي (ره) في القوانين: (إن الوضع قد تمّ حال وحدة المعنى وتوقيفيته، فقد تصور الواضع معنى العين النابعة مستقلا وواحدا ثم وضع لفظ العين له ). [2]
  يجيب صاحب الكفاية (ره): ( إن هذه الحالة " الوحدة " إما أن تكون ملحوظة ومأخوذة في الموضوع له، فيرجع هذا إلى كلام صاحب المعالم، وإما أن لا يكون كذلك فمجرد الوضع في حالة لا يعني أخذ الحالة في الموضوع له، ألا ترى أن الطفل يولد في حالات خاصة من مكان وزمان وحالات وأوصاف وغير ذلك، وهذه جميعا لا دخالة لها في المسمى، بل المسمى هو هذا الطفل دون الحالات والصفات).
  ثم نشير إلى إن قيد الوحدة قد أخذ في المستعمل فيه، لأن الكلام في هذه المسألة هو في استعمال اللفظ في أكثر من معنى استقلالا وكأنه وحده، وليس على نحو الاجتماع، بل على نحو الانفراد والاستقلال، أي انني لم اخرج عن عنوان البحث.
  نعود لكلام صاحب الكفاية (ره) يقول: (ثم لو تنزلنا عن ذلك، فلا وجه للتفصيل بالجواز على نحو الحقيقة في التثنية والجمع، وعلى نحو المجاز في المفرد، مستدلا على كونه بنحو الحقيقة فيهما، لكونهما بمنزلة تكرار اللفظ وبنحو المجاز فيه، لكونه موضوعا للمعنى بقيد الوحدة، فإذا استعمل في الأكثر لزم إلغاء قيد الوحدة، فيكون مستعملا في جزء المعنى، بعلاقة الكل والجزء، فيكون مجازا، وذلك لوضوح أن الألفاظ لا تكون موضوعة إلا لنفس المعاني، بلا ملاحظة قيد الوحدة، وإلا لما جاز الاستعمال في الأكثر، لان الأكثر ليس جزء المقيد بالوحدة، بل يباينه مباينة الشيء بشرط شيء، والشيء بشرط لا، كما لا يخفى. [3]
  بيـانـه: إن كلام الشيخ حسن في المعالم ولا يستقيم لأمور:
  اولا: لو تمّ قيد الوحدة في الموضوع فلا يجوز حينئذ استعمال اللفظ في أكثر من معنى لأنه خطأ وليس استعمالا صحيحا.
  وللتوضيح: استعمال اللفظ على ثلاثة أنحاء:
  1. استعمال اللفظ في ما وضع له فهذا هو الاستعمال الحقيقي.
  2. استعمال اللفظ في غير ما وضع له لعلاقة مصححة للمجاز وبقرينة صارفة، فهذا الاستعمال صحيح أيضا وهو الاستعمال المجازي.
  3. استعمال اللفظ في غير ما وضع له من دون علاقة مجازية مصححة للاستعمال فهذا خطأ وهذا الاستعمال الخطأ غير المرتجل لأنه المرتجل فيه وضع بداع ولكن بلا علاقة. .
  من هنا، فإن استعمال اللفظ في أكثر من معنى بناءً على أخذ قيد الوحدة هو استعمال خاطئ، لأن الموضوع له هو المعنى بشرط الوحدة، أي بشرط شيء، والمستعمل فيه هو المعنى بشرط عدم الوحدة أي بشرط لا، وهما متباينان. وليس الأكثر جزءا للمعنى المقيّد بالوحدة.
  وبهذا لا يصح استعمال اللفظ في المفرد سواء كان حقيقة أم مجازا، هو استعمال خاطئ لانه استعمال في غير ما وضع له بدون علاقة مجازية مصححة، لان العلاقة المدعاة في الجزء والكل غير موجودة.
  اما بالنسبة للتثنية والجمع أن شاء الله غدا نكمل المطلب.
 
 
 
 
 
 
 


[1] كفاية الأصول، الآخند الخرساني، ص 36.
[2] القوانين المحقق القمي (ره).
[3] كفاية الأصول، الآخند الخرساني، ص 37.