الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

34/11/25

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى.
 جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى:
  والكلام فيه من جهات: العنوان، وإمكان الاستعمال، والظهور العرفي عند الاستعمال.
  أما الجهة الأولى: العنوان، فإن أكثر كتب الأصول قد عنونت المسألة بعنوان استعمال اللفظ المشترك في أكثر من معنى وذلك بعد بحث الإشتراك اللفظي، وهذا لا يشمل استعمال اللفظ في معنيين أو أكثر، أحدهما حقيقي والآخر مجازي، أو في معنيين مجازيين. وقد جعلوا للأخيرين مبحثا آخر.
  والانصاف: أن طريقة معالجتهم للمسألة تقتضي التعنون بعنوانين، فإنهم عالجوها بأخذ قيد الوحدة في الموضوع له وعدمه كما فعل صاحب المعالم (ره) والذي منع من استعمال اللفظ المشترك في اكثر من معنى في المفرد إلا مجازا واجازه في المثنى والجمع.
  ولكن صاحب الكفاية (ره) أو غيره عالجها بطريقة أخرى كما سنرى، جعل المسألة غير ممكنة عقلا، وهذه الطريقة أو الطريق تشمل الجميع، أي استعمال اللفظ المشترك في معنييه، أو في معنى حقيقي والآخر مجازي، أو في معنيين مجازيين، فكان هذا دافعا لصاحب الكفاية لعنونة المسألة باستعمال اللفظ في أكثر من معنى، أي سواء كان المعنى حقيقيا أم مجازيا.
  ثم إن المراد من الاستعمال أن يكون على سبيلا الانفراد والاستقلال، بأن يراد كل منها كأنه لم يستعمل إلا فيه.
  وللبيان كمقدّمة نقول: إن استعمال اللفظ في أكثر من معنى يتصور على وجوه:
  الأول: أن يراد كل ما يسمى بلفظ كذا، كما لو قلت: " جاء الزيدان " [1] أو قلت " رأيت أسدا " وأردت من لفظ الأسد كل شجاع سواء كان المعنى الحقيقي وهو الحيوان المفترس أم المعنى المجازي وهو الإنسان الشجاع. وفي الحقيقة هذا استعمال في معنى واحد وليس في معنيين.
  الثاني: استعمال اللفظ في الكلي وإرادة الأفراد، وهذا هو العموم الاستغراقي، وهو استعمال في معنى واحد وهو الكلي لكنه جعل مرآة للأفراد، كما لو قلت لك " أكرم عالما " وهو العنوان بالحمل على الافراد أي الشائع الصناعي.
  الثالث: استعمال اللفظ وإرادة المعنيين مع بعضهما البعض، وهذا أيضا استعمال في معنى واحد لأنه استعمال اللفظ في المجموع كمجموع، وهذا الاستعمال مجازي لأنه استعمال اللفظ في غير ما وضع له، إذ من المعلوم أن اللفظ قد وضع لكل معنى على حدة، فاستعماله في المجموع استعمال في غير ما وضع له. كما لو قلت " اتني بأسد مفترس " والمراد الرجل الشجاع والحيوان المفترس، فيكون المعنى المستعمل فيه جزأين على نحو يكون المعنى الحقيقي جزءا من المعنى المستعمل فيه والمعنى المجازي ايضا جزءا آخر للمعنى المستعمل فيه.
  الرابع: استعمال اللفظ في معنيين مستقلين أو أكثر على سبيل الانفراد والاستقلال كما إذا لم يستعمل إلا فيه، بحيث يكون الإطلاق الواحد بحكم الإطلاقين، والقيد الواحد بحكم القيدين، والاستعمال الواحد بحكم الاستعمالين، فلو قلت " اشتر لي عينا " ثم لم أقيِّد يكون المستعمل فيه مطلقا في كل المعاني، فيكون المراد مطلق العين الباصرة، ومطلق العين النابعة، ومطلق الذهب الخ. . وفي القرآن الكريم " وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ " [2] سواء كانت حرّة أم أمة وسواء كانت ذات عادة أم مضطربة الخ.. وفي نفس الوقت يكون المراد الأمر بالتربص ثلاثة أطهار مطلقا.
  وهذا الوجه الأخير من استعمال اللفظ في أكثر من معنى هو محل النزاع.
  الجهة الثانية: في إمكان الاستعمال.
  اختلف الاصوليون في هذه المسألة اختلافا كثيرا، ولكن ظاهر أكثرهم أنه ممكن بالإمكان الخاص عقلا، لكنهم تنازعوا في الجواز عرفا، لكن الحق كما ذكر صاحب الكفاية (ره) عدم الإمكان عقلا أيضا.
  وسنذكر كلام كل من صاحب الكفاية (ره) والميرزا النائيني (ره) والسيد الخوئي (ره) وصاحب المعالم (ره)، ثم نذكر المختار في المسألة.
  يقول صاحب الكفاية (ره) [3] { الثاني عشر: إنه قد اختلفوا في جواز استعمال اللفظ [4] ، في أكثر من معنى على سبيل الانفراد والاستقلال، بأن يراد منه كل واحد، كما إذا لم يستعمل إلا فيه، على أقوال: أظهرها [5] عدم جواز الاستعمال في الأكثر عقلا. وبيانه: إن حقيقة الاستعمال ليس مجرد جعل اللفظ علامة [6] لإرادة المعنى، بل جعله وجها وعنوانا له، بل بوجه نفسه كأنه الملقى، ولذا يسري إليه قبحه وحسنه [7] كما لا يخفى، ولا يكاد يمكن جعل اللفظ كذلك، إلا لمعنى واحد، ضرورة أن لحاظه [8] هكذا في إرادة معنى، ينافي لحاظه كذلك في إرادة الآخر، حيث أن لحاظه كذلك، لا يكاد يكون إلا بتبع لحاظ المعنى فانيا فيه، فناء الوجه في ذي الوجه، والعنوان في المعنون، ومعه كيف يمكن إرادة معنى آخر معه كذلك في استعمال واحد، ومع استلزامه للحاظ آخر غير لحاظه كذلك في هذا الحال.
  وبالجملة: لا يكاد يمكن في حال استعمال واحد، لحاظه وجها لمعنيين وفانيا في الاثنين، إلا أن يكون اللاحظ أحول العينين. فانقدح بذلك امتناع استعمال اللفظ مطلقا - مفردا كان أو غيره - في أكثر من معنى بنحو الحقيقة أو المجاز }.
  غدا نكمل إن شاء الله.
 
 


[1] فللام في " الزيدان " عهد خاص فيهما، وهنا قد يقال انه إذا كان الاستعمال في كل من سمي بزيد فصار نكرة، فكيف يقال " يا زيدان " مع انه المنادى المفرد العلم يبنى على ما يرفع به " زيدين ".
[2] سورة البقرة (228).
[3] كفاية الأصول الآخند الخرساني ص 36.
[4] هنا (قده) اسقط كلمة مشترك .
[5] فائدة: كلمة " اظهرها " او " الظاهر " في الفقه تعني ان الدليل نص لفظي نقلي. أما في المسألة العقلية تستعمل كلمة " الاشبه ".
[6] هنا اشار إلى انه يفرض ان نبحث اولا ان اللفظ هو علامة على المعنى أو فناء في المعنى. مثلا: هل هناك فرق في " زيدٌ " و " زيد "؟ في الاول الضمة علامة على الفاعلية وفي " زيد " لفظ موضوع لشخص وغيرها من الامثلة.
[7] مثلا كلمة " امن " في العراق اصبحت هذه الكلمة تحمل معنى القبح عند الناس للخوف من رجال الامن، اما في الواقع فهي حسنة لما لها من معنى الامن. ويمكن ان ينتقل الحسن والقبح إلى اللفظ.
[8] فهذا التعبير " اللحاظ " جعل من الميرزا النائيني (ره) يركز عليه، واجابه السيد الخوئي (ره) ايضا على مسألة اللحاظ، وهذا فيه خلل، لان كلام صاحب الكفاية (ره) في فناء المعنى في اللفظ هو الكلام السليم، لوجود الفرق بين " اللحاظ " " والفناء ". وسيأتي بيانه.