الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

34/11/17

بسم الله الرحمن الرحیم


   العنوان: الاشتراك
كان الكلام في الاشتراك، ذكرنا كلام صاحب الكفاية (ره) وملخص الكلام مبينا للتعليق عليه:
بعدما اتى صاحب الكفاية بدليله على وقوع الاشتراك قال بان بعضهم قال باستحالة الاشتراك، وبعضهم بوجوب الاشتراك.
فمن قال باستحالة الاشتراك استدل بانه يخل بالتفهيم المقصود من الغرض للوضع، لان الوضع بيان ما في النفس، ومع الوضع لأكثر من معنى يصبح المعنى مجملا مبهما.
الشيخ الآخوند (ره) تكلم في بيان المحالية في جهتين: تارة يكون دليلا على انه عند العرف محال، وتارة يكون دليلا على انه في القرآن محال. ولذك كان الجواب جوابين.       
قال صاحب الكفاية (ره): {لإخلاله بالتفهم المقصود من الوضع لخفاء القرائن، لمنع الاخلال أولا، لإمكان الاتكال على القرائن الواضحة، ومنع كونه مخلا بالحكمة ثانيا، لتعلق الغرض بالإجمال أحيانا، كما أن استعمال المشترك في القرآن ليس بمحال كما توهم، لأجل لزوم التطويل بلا طائل، مع الاتكال على القرائن والاجمال في المقال، لولا الاتكال عليها. وكلاهما غير لائق بكلامه تعالى جل شأنه، كما لا يخفى} [1].
بيانه: قبل البيان لا بد من ملاحظة إشكال قد يطرأ في الذهن وهو أن الإجمال من أغراض المتكلم فيكون من شؤون الاستعمال لا من شؤون الوضع. والكلام في مسألة الاشتراك هو في شؤون الوضع؟. يجاب عليه نعم ان الاجمال في حال الاستعمال لكن كيفية الاجمال لها طرق متعددة احداها ان يضع الواضع اللفظ لأكثر من معنى ويكون ملتفتا انه في حال الاستعمال يراد الاجمال. بعبارة اخرى نستكشف امكان الاشتراك بنحو الإن.   
كما لا بد من ملاحظة أخرى وهي أن الكلام في استحالة الاشتراك، أي باصطلاح المناطقة ضرورة السلب، وهذه الضرورة حكم عقلي كالحكم باستحالة شريك الباري.
والدعوى هنا كون الاشتراك يخالف الحكمة من الوضع، والاستحالة العقلية إنما تكون لمن وجب كونه حكيما كالخالق عز وجل، أما الواضع وهو الإنسان فلا دليل على وجوب كون أفعاله حكيمة عقلا، ولذا فإن صدور الاشتراك إذا كان ينافي الغرض فهو قبيح عقلا، وهذا ينافي الحكيم، ولا ينافي الإنسان العادي.
ولذا انتقل الشيخ الآخوند (ره) وغيره إلى الكلام عن استحالة الاشتراك في القرآن الكريم، والفرق بين القرآن والعرف أن فعل القبيح محال عقلا على منزل القرآن دون العرف. ثم إن الكلام في حصول الاشتراك وليس الكلام في استعمال المشترك [2]، وهذا لا يعني بأن المشترك غير موجود في اللغة، فلو لم يستعمل في القرآن لقبح استعماله من الحكيم، فهذا لا يعني عدم وجوده في اللغة.   
قالوا: {كما أن استعمال المشترك في القرآن ليس بمحال كما توهم، لأجل لزوم التطويل بلا طائل، مع الاتكال على القرائن والاجمال في المقال، لولا الاتكال عليها. وكلاهما غير لائق بكلامه تعالى جل شأنه، كما لا يخفى، وذلك لعدم لزوم التطويل، فيما كان الاتكال على حال أو مقال أتي به لغرض آخر، ومنع كون الاجمال غير لائق بكلامه تعالى، مع كونه مما يتعلق به الغرض، وإلا لما وقع المشتبه في كلامه، وقد أخبر في كتابه الكريم، بوقوعه فيه قال الله تعالى:( فيه آيات محكمات هن أم الكتاب واخر متشابهات}[3] [4] .
وهذا الأمر نؤيده، أما الأمر الأول وهو كون الاتكال على القرائن تطويل بلا طائل، فليس دائما كذلك، لأن التطويل قد يكون غرضا للمتكلم والغرض قد يكون أمرا مستحسنا كذلك الاختصار، وهو وإن كان مطلوبا في الأصل حتى قيل " خير الكلام ما قلّ ودلَّ " إلا أنه قد يصبح قبيحا عندما يخلّ بتمام المقصود، لأن البلاغة كما عرَّفوها هي: " مطابقة الكلام لمقتضى الحال "، ولذا قالوا إن من خلاف البلاغة الاطناب الممل والاختصار المخل.
وكذلك الأمر الثاني: وهو أن الإجمال قد يكون غرضا، فإن قوله تعالى: " فَغَشِيَهُمْ مِنْ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ "[5] فيه إهمال للكمية، وفيه من البلاغة الكثير، فإنه لم يبيَّن المقدار، وهذا التعبير أشدّ في بيان الكثرة من تحديد المقدار، حيث ترك لخيال القارئ مجاله الواسع في تصوّر الكثير.
والنتيجة: أن الاشتراك غير ممتنع عقلا.
وفي المقابل ذهب بعضهم إلى وجوب الاشتراك عقلا بدليل عدم تناهي المعاني وتناهي الألفاظ، وأجاب عليه صاحب الكفاية (ره) بأمور:
أولا: هذا فاسد لاستلزامه صدور غير المتناهي من المتناهي. أي انه إذا اردت ان اضع لكل معنى والمعاني غير متناهية يعني ان الموضوع له غير متناهٍ يعني ان الاوضاع غير متناهية والواضع هو الانسان المتناهي فيلزم صدور غير المتناهي عن المتناهي.
 ثانيا: لو تجازونا الإشكال الأول بالقول أن الواضع هو الله عز وجل يلزم صدور غير المتناهي عن غير المتناهي، فهذا أمر قليل الفائدة لأن الحاجة إلى الأوضاع محدودة، فالأوضاع غير المتناهية غير مجدية.
ثالثا: إننا نرفض الصغرى وهي أن المعاني غير منتاهية وذلك لأن الكليات متناهية أما الجزئيات فهي وإن كانت غير متناهية إلا أن وضع الألفاظ بازاء كلياتها تغني عن وضع الألفاظ بازائها، كما ذكرنا في مثال الاسد حيث وضع له اسمان: اسم جنس وهو الأسد، وعلم جنس وهو " أسامة " وهما كافيان في الحكاية والاشارة، وقد يوضع لفظ ثالث إذا كان هناك غرض شخصي فيوضع لأسد بعينه علما شخصيا.
 ورابعا: إن باب المجاز واسع، فيتم التعبير به ولا داعي للاشتراك.
 والصحيح في الجواب:
أولا: إننا لا نسلم بتناهي الألفاظ، فإن الألفاظ أيضا غير متناهية، فبالإضافة إلى تكثيرها بالحركات مثل كلمة: " جنة " فبالضم معناها الدرع، وبالفتح معناها الرياض الغناء، وبالكسر معناها الأمر المستور ومنه الجن. وهكذا كلمة " بر " فبالضم معناها القمح، وبالفتح معناها الأرض خارج المدن، وبالكسر معناها الوفاء والعطاء.
فبالإضافة إلى التكثير ندَّعي عدم التناهي، لأنه يمكن تكرار الحروف إلى ما لا نهاية كتكرار الأرقام إلى ما لا نهاية، فكما تقول: أ ب ب  كذلك أ أ ب ب.
ثانيا: لو سلمنا بعدم تناهي المعاني وتناهي الألفاظ فإن الاشتراك لا يحلّ المشكلة، فإن أخذ حصة من غير المتناهي لا يخرجه عن ذلك، ولا يصبح متناهيا، وقد درسنا ذلك في علم الرياضيات، بل وفي الفلسفة أن شطر غير المتناهي غير المتناهي.
وثالثا: ما ذكره صاحب الكفاية (ره) من عدم جدوى الأوضاع غير المتناهية، بل الناس بحاجة إلى أوضاع محدودة.
والنتيجة: عدم وجوب الاشتراك.
والحاصل: أن الاشتراك ممكن بالمكان الخاص، أي سلب الضرورة عن الطرفين.
هذا وقد استدل صاحب الكفاية (ره) على وقوع الاشتراك بثلاثة أمور وهي:
1-   النقل: أي ما نقله اللغويون من أن وضع بعض الألفاظ كان لأكثر من معنى.
وفيه: أنه مردود صغرى وكبرى.
أما الصغرى، فلأن اللغويين بشكل عام لم يتطرقوا إلى الموضوع له، ذكر ذلك الشيخ المظفر (ره) واستثنى كتاب أساس البلاغة للزمخشري.
وأما الكبرى فإننا لا نسلم بحجية قول اللغوي.
2-   التبادر: أي انسباق الذهن عند اطلاق الألفاظ المشتركة إلى أحد المعاني لا بعينه، لا إلى معنى خاص. نسلم به. 
3-   عدم صحة السلب، أي عدم صحة السلب عن أحد المعاني التي يدعى وضع اللفظ لها. ايضا نسلم به.
والنتيجة: أن الاشتراك أمر ممكن يخضع لحاجات الناس في التعبير، فهو ليس واجبا ولا ممتنعا، بل ممكن بالإمكان الخاص، وهو أيضا واقع بدليل التبادر وعدم صحة السلب، وصحة الحمل[6].











[1]كفاية الاصول الآخوند الخرساني، ص35.
[2]مداخلة: معرفة حكمة الله عز وجل تعرف بالعقل وليس بالتعبد بكلام الله في كتابه الكريم . وعدم الحكمة نقص والنقص لا يكون على الله.  .
[3]كفاية الاصول الآخوند الخرساني، ص35.
[4]سورة آل عمران،. آية 7
[5]سورة طه،.آية78
[6] وقلنا ان هناك سبع علامات للحقيقة بحثنا تفاصيلها سابقا. .