الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

34/05/13

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: الصحيح والأعم
 بحث ثمرة النزاع
 بعد التذكير بالإيراد الاول نذكر.
 الايراد الثاني: أنه لا مورد للتمسك بالإطلاق على القولين، لان الاطلاق لا بد له من مقدمات الحكمة وهي بعد تمامية احراز العنوان، وإن أصالة الإطلاق تحتاج إلى كون المتكلم في مقام بيان، وأدلة العبادات كلها في القرآن والسنة ليست في مقام بيان، بل هي جميعها في مقام التشريع والجعل لأصل العبادة بلا نظر لها إلى خصوصياتها من حيث الكم والكيف، فقوله تعالى مثلا: " أقيموا الصلاة " هو مجرد تشريع لأصل الصلاة بلا نظر للأجزاء والشرائط، ولذا لم يتمسكوا بعدم تقييد قوله تعالى: " فكلوا مما أمسكن عليكم " لعدم وجوب تطهير الطريدة، لأنه ليس في مقام بيان من هذه الجهة. [1] ومن هنا فالأعمي كالصحيحي لا يجوز له التمسك بالأطلاق.
  أما الأعمي فلعدم كون الشارع في مقام بيان تمام الأفراد والشرائط، إما للإهمال أو الاجمال.
  وأما الصحيحي فلأمرين:
  الاول: عدم كون الشارع في بيان تمام الكيفية والكمية والأجزاء والشرائط. وهذا سبب مشترك بينه وبين الصحيحي.
  والثاني: عمدم إحراز العنوان لاحتمال دخالة المشكوك في المسمى.
  فالنتيجة: عدم صحة التمسك بالإطلاق على القولين، فلا ثمرة في البين. واختلاف سبب عدم جواز التمسك فرق غير فارق بعد أن كانت النتيجة واحدة وهذا هو المهم.
  والجواب: إن الأمر ليس كما ذكره هذا القائل، بل كثير من النصوص وارد مورد البيان فقوله تعالى: " أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا " واضح في بيان أوقات الصلاة وليس فقط لأصل تشريع الصلاة، وليس مجملا من جهة تحديد الأوقات ولا مهملا.
  فالمقدمة الاولى وهو ان يكون في مقام البيان، تارة احرزها بظهور الكلام بنفس النص، وتارة اخرى احرزها بالأصل. [2]
  مع الالفات ايضا إلى ما اشتهر من أن الأصل هو كون الشارع في مقام بيان، وذلك لكون أحدى الوظائف المهمة للشارع المقدس بيان الأحكام بكامل تفاصيلها من أجزاء وشرائط، وذلك أن الغرض لا يتحقق إلا بذلك، والغرض وإن كان في الإجمال أو الإهمال أحيانا لكنه قليل ويحتاج إلى دليل، حيث إن الأصل في المتكلم الحكيم أن يكون في مقام بيان، لأن البيان هو الحكمة من جعل الألفاظ.
  إذن الإجمال والإهمال أمران يحتاجان إلى غرض خاص يختلف عن الحكمة في الجعل.
  وبهذا فأصل الاشكال وهو أن الشارع ليس في مقام البيان غير وارد، بل نقول أن المقدمة الاولى من مقدمات الحكمة تامة وسليمة.
  الإيراد الثالث: بعد أن كان الإيرادان الأول والثاني في عدم جواز التمسك بالإطلاق على القولين الصحيحي والأعمي، كان الإيراد الثالث هو جواز التمسك بالإطلاق على القولين، فلا ثمرة في البين.
  بيانه: جواز التمسك بالإطلاق وهو كون المتكلم في مقام بيان ولم ينصب قرينة على التقييد وعليه:
  فالأعمي بعد ثبوت العنوان والشك في دخالة شيء في المأمور " كالسورة " مثلا، يتمسك بالإطلاق. والصحيحي يتمسك أيضا به بعدما علم بوجوب بعض الأمور وشك بوجوب غيرها، فلو كان هناك جزء آخر لبيَّنه الشارع. كما في افعال العبادات، في الزكاة فإنها في أمور ثلاثة: الانعام الثلاثة والغلات الاربعة والنقدين، لو كان هناك زكاة واجبة في غير هذه الامور لبين. فإذن الاطلاق على الصحيح والاعم جارٍ. والجواب أن هناك فرق بين الاطلاق اللفظي والمقامي. غدا نكمل إن شاء الله.
 
 والحمد لله رب العالمين.


[1] ردا على سؤال: أما قوله تعالى " حرمت عليكم امهاتكم " فهي من باب حذف المتعلق وهو يفيد العموم إلا بقرينة مثل مناسبة الحكم للموضوع التي تقيّد التحريم هنا بالنكاح، وهو يختلف عما نحن فيه.
[2] ذكرنا في مسألة الاشتراك اللفظي كلفظة " عين " موضوعة للباصرة والنابعة والذهب وغيرها. وذكر في الاشكال على الاشتراك اللفظي أن الحكمة من وضع اللغات هو البيان. ووضع اللفظ لأكثر من معنى يخالف الحكمة من الوضع فيحصل الاجمال. ولذلك بعضهم للتخلص من هذا الاشكال قال أن المعاني غير محدودة والالفاظ محدودة. وهو كما ترى. فعلى حساب الاحتمالات يصبح عدد الألفاظ خياليا.