الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

34/05/12

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: الصحيح والأعم
 بحث ثمرة النزاع
  بعد تلخيص ما ذكرنا في الدرس السابق.
  نعود إلى الجواب فنقول:
  إن المأمور به هو تام الأجزاء والشرائط، وهذا المأمور به قد يتطابق مع المسمى فيكون تمام الغرض متحققا بالمسمى، وقد يختلف عنه، فإذا شككت في اشتراط جزء، ولنقل مثلا: السورة بعد الفاتحة [1] فإن الشك معناه أنه لا أدري هل هي من تمام الأجزاء أو لا؟ وبضميمة أصالة التطابق بين المسمى والمراد، وبضميمة أن أصالة الإطلاق لا تجري إلا بعد إحراز المسمى، فإذا أحرزنا المسمى أمكن التمسك بالإطلاق وإلا فلا.
  وعليه: فالأعمي يحرز العنوان والمسمى في الفاقد للمشكوك، فتجري عنده أصالة الإطلاق، وهذا بخلاف الصحيحي الذي لا يحرز العنوان لاحتمال دخالة المشكوك في المسمى، فلا يجري الإطلاق.
  هذا كله إذا كان المراد من الصحة هو الصحة بمعنى التمامية المأخوذة في المتعلق لا الأنتزاعية من المطابقة. ولهذا السيد الخوئي (ره) يقول في بيان الجواب في تقريرات الفياض ص 181 في الجزء الأول:
  والجواب عنه يظهر مما بيناه سابقا، فإن الصحة الفعلية التي هي منتزعة عن انطباق المأمور به على المأتي به خارجا في موارد الامتثال [2] والاجزاء غير مأخوذة في المأمور به قطعا، بل لا يعقل ذلك كما سبق،
 وإنما النزاع في أخذ الصحة بمعنى التمامية، أعني به: تمامية الشيء من حيث الاجزاء والقيود في المسمى.
 فالقائل بالصحيح يدعي وضع لفظ " الصلاة مثلا للصلاة التامة من حيث الاجزاء والشرائط. والقائل بالأعم يدعي وضع اللفظ للأعم.
 وعلى ذلك فلو شككنا في اعتبار شيء جزءا أو قيدا في المأمور به كالسورة مثلا: فعلى القول بالوضع للصحيح كان صدق اللفظ بما له من المعنى على الفاقد لها غير معلوم، لاحتمال دخلها فيه، وإمكان أن يكون المجموع هو المسمى بلفظ " الصلاة "، ومعه لا يمكن التمسك بالإطلاق.
  وعلى القول بالوضع للأعم كان صدق اللفظ على الفاقد معلوما، وإنما الشك في اعتبار أمر زائد عليه، وفي مثله لا مانع من التمسك بالأطلاق لنفي اعتبار الشيء المشكوك فيه، وبه نثبت أن المأمور به هو طبيعي الصلاة الجامع بين الفاقد والواجد للسورة، ومن انطباق ذلك الطبيعي على المأتي به بلا سورة ننتزع الصحة، فالصحة بمعنى التمامية تثبت بنفس التمسك بالإطلاق بضميمة ما علم من الاجزاء والشرائط تفصيلا، والصحة المنتزعة غير مأخوذة في المأمور به فضلا عن المسمى. [3] وعلى الجملة: فالمأمور به على كلا القولين وإن كان هو الصلاة الواجدة لجميع الأجزاء والشرائط، فلا فرق بينهما من هذه الناحية أصلا، إلا أن الاختلاف بينهما في نقطة أخرى، وهي أن صدق اللفظ على الفاقد لما يشك في اعتباره معلوم على قول الأعمي، وإنما الشك في اعتبار أمر زائد عليه.
  وأما على الصحيحي فالصدق غير معلوم.
  وعلى اساس تلك النقطة يجوز التمسك بالإطلاق على القول بالأعم دون القول بالصحيح.
  فقد اصبحت النتيجة أن هذه الشبهة مبتنية على اخذ الصحة الفعلية في المأمور به، ولكن قد تقدم فساده. انتهى كلامه.
  ملخص الخواب عن الايراد الاول: هو انه لا شك بان المأمور به هو تام الاجزاء والشرائط، وانا لا اعلم ما هو هذا المأمور به، فانتقل للمسمى بأصالة التطابق، فيصبح المسمى غير معلوم. فعلى الصحيح لا احرز صدق المسمى، فلا تجري اصالة الاطلاق. وعلى الاعم احرز صدق المسمى فتجري اصالة الاطلاق.
 هنا ايرادات كثيرة ولكن اهمها هذا الايراد، ولكن لا باس من باب توسيع المدارك أن نذكر بعضها.
  ملخص الجواب عن الإيراد الثاني: أن الاطلاق لا بد أن يكون المتكلم في مقام البيان والنصوص القرآنية ليست في مقام البيان، بل في مقام بيان أصل الموضوع كـ " أقيموا الصلاة " بل هي في مقام إهمال وإجمال، [4] وعليه لا تجري أصالة الاطلاق.
 والحمد لله رب العالمين.


[1] أو الشك في اشتراط الموالاة بين الاجزاء والقول بانه يمكن التداخل في الصلاة، كما إذا صليت ركعتين من فرض الظهر ثم انوي أن اصلي صلاة العصر وبعدها اكمل ركعتي الظهر، وذلك كما نقل عن الشيخ النائيني (ره).
[2] مثلا: إذا اعطى الطبيب علاجا، وقام المريض بإنجاز كل ما وصف الطبيب كعلاج، فان كان هذا العلاج تاماـ يقال انه قام بالعلاج بشكل صحيح. فـ " صحيح " تعني ان ما اتيت به مطابق لما امر به الطبيب، وهذه المطابقة متأخرة عن المأمور به، لأنه لا يمكن اخذ المطابقة في متعلق الامر، لأنه خلف يلزم منه اخذ المتأخر في المتقدم. إذا انطباق المأتي به مع أمر الطبيب انتزعت منه عنوان الصحة، وهو مأخوذ من عالم الامتثال وهو التطابق المتأخر عن عالم الامر، ولهذا لا يعقل ان يؤخذ هذا الامر الانتزاعي بمتعلق الامر، لأنه مأخوذ من التطابق الذي يأتي بعد الامر. فلا يمكن أن اقول اقيموا الصلاة الصحيحة بهذا المعنى.
[3] بعبارة اخرى: لا شبهة في أن المأمور به هو الصحيح التام الاجزاء والشرائط على كلا القولين الصحيح والأعم، لكن هل هو في مرحلة الانتزاع ام في مرحلة متعلق الامر؟. وإذا كان في مرحلة متعلق الامر ننتقل للمسمى بأصالة التطابق حتما.
[4] الفرق بين الاهمال والاجمال: الاهمال: هو عدم بيان. الاجمال: هو تقصد عدم البيان.