الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

34/05/06

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: الصحيح والأعم
 تعليق على كلام السيد الخوئي (ره)
 ثمرة النزاع
  التعليق على ما ذكره السيد الخوئي (ره).
  ونعلّق على كلامه (قده): إننا نوافق على الخط الاول والثاني والرابع والخامس.
  الاول: فساد توهم الاشتراك في وضع الفاظ العبادات. الثاني: فساد القول بان الوضع عام والموضوع له خاص. الثالث: عدم امكان تصوير الجامع الذاتي المقولي على القول بالصحيح. الرابع: امكان تصوير جامع عنواني على الاعم. وذهب (قده) إلى نتيجة ان تصور الجامع لا يمكن على الصحيح فانحصر الكلام انه موضوع الأعم، وأنه موضوع للأركان.
  أما الخط الثالث الذي جعله دليلا على كونه موضوعا للأعم، فلا نوافق عليه وهو قوله: عدم إمكان تصوير جامع ذاتي مقولي على القول بالصحيح، بل المفروض أن يقال هكذا: لا يوجد جامع عقلي والجامع قد يكون موجودا على القول بالصحيح، لكن تصويره والوصول إليه في غاية الاشكال، وعدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود. فصاحب الكفاية (ره) قال أن هناك ما يشير اليه، فهو ممكن، كما في النهي عن الفحشاء التي تشير إلى " الصلاة "، واستدل بقاعدة " الواحد لا يصدر إلا عن واحد ".
  وقد فرَّع (قده) على ذلك، وهو عدم إمكان تصور جامع على الصحيح لزوم القول بالوضع للأعم، وقد كان ذهب إلى الوضع للأركان وبذلك لا داعي لاستعراض أدلة القائل بالأعم برأيه الشريف. نعم استدل على ذلك بإطلاق لفظ الصلاة على الجميع من صحيح وفاسد بلا عناية، وهذا دليل ثان منه (ره) وهو تقسيم الصلاة إلى الصحيح والفاسد، فتكون موضوعة للأعم منهما وإلا لا يصح التقسيم، ولا نرى في التقسيم أي مجاز وعناية وتكلف.
  نقول: نحن نسلم بالدليل الأخير أن التقسيم دليل على انه موضوع للمقسم، وأن إطلاق اللفظ على الصحيح والفاسد إطلاق بلا عناية وتكلف. لكن الخصم لا يسلم بصحة هذا التقسيم، بل يدَّعي أن إطلاق لفظ العبادة على الفاسد من باب التسامح والمجاز ويحتاج إلى عناية وتكلف.
  الثمرة: وقد قدمت كما قدم صاحب الكفاية (ره) بحث الثمرة عن بحث الادلة، لأنه لا داعي ان نصرف عمرنا في بحث ادلة مسألة لا ثمرة فيه. فهل يوجد ثمرة؟ خصوصا أن المأمور به معلوم وهو الصلاة الصحيحة.
  إن أهم ثمرة يمكن أن تقال في المسألة هي جواز التمسك بالإطلاق على الأعم دون الصحيح.
  ومثلا على ذلك: إذا شككت في أمر في عبادة، كما إذا شككت في اشتراط وجوب السورة بعد الحمد، وكما إذا شككت في اشتراط الاقامة أو في اشتراط الموالاة بين الافعال. إذا شككت في جزء أو شرط فهل استطيع أن أقول إن اتيت بها من دون هذا الجزء: هذه صلاة؟ فهل استطيع أن اتمسك بإطلاق اللفظ أو لا؟
  بناء على الوضع للصحيح لا احرز العنوان، والاطلاق يحتاج إلى احراز العنوان حتى اطرد الشرط المشكوك. أما على القول بالأعم فالصلاة بلا سورة تسمى صلاة وإن احتمل فسادها، وكقولي لك " اعتق رقبة " فيصح الامتثال بمطلق الرقبة، المؤمنة وغيرها.
  إذن يقال إن الثمرة هي جواز التمسك بالإطلاق على الأعم دون الصحيح.
  وهنا نذكر كلام صاحب الكفاية (ره): يقول: إن ثمرة النزاع إجمال الخطاب على قول الصحيحي، وعدم جواز الرجوع إلى إطلاقه في رفع ما إذا شك في جزئية شيء للمأمور به وشرطيته أصلا، لاحتمال دخوله في المسمى كما لا يخفى، وجواز الرجوع إليه في ذلك على قول الأعمي في غير ما احتمل دخوله فيه مما شك في جزئيته أو شرطيته. نعم لا بد في الرجوع إليه فيما ذكر من كونه واردا مورد البيان، كما لا بد منه في الرجوع إلى سائر المطلقات، وبدونه لا مرجع أيضا إلا البراءة أو الاشتغال على الخلاف في مسألة دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين وقد انقدح بذلك أن الرجوع إلى البراءة والاشتغال في موارد إجمال الخطاب أو إهماله على القولين، فلا وجه لجعل الثمرة هو الرجوع إلى البراءة على الأعم والاشتغال على الصحيح، ولذا ذهب المشهور إلى البراءة مع ذهابهم إلى الصحيح. انتهى.
  بيان كلام صاحب الكفاية (ره) ملخصا:
  لقد ذكر (ره) الموقف في مرحلتين:
  الاولى: مرحلة الأصل اللفظي، فيجوز التمسك بالعام في الأعم دون الصحيح. بعبارة اخرى: يجوز التمسك بالإطلاق على الاعم، ولا يصح التمسك بالإطلاق على الصحيح.
  الثانية: مرحلة الأصل العملي التي تأتي عند عدم جريان الأصل اللفظي، وهي هنا من تطبيقات مسألة أقل وأكثر ارتباطيين [1]
  [2]
  دون أن تكون البراءة على الأعم، والاشتغال على الصحيح.
  فلنحاكم كلام صاحب الكفاية (ره)في المرحلتين:
 أما المرحلة الاولى: وهي مرحلة الاصل اللفظي، وهي جريان أصالة الاطلاق على الأعم دون الصحيح، هل هذه الثمرة تامة او لا؟ مع العلم ان المأمور به في النصوص القرآنية والشرعية إما مجمل أو واضح في كون المراد منه الصحيح.
  نقول: إنه لا بد من مقدمات الحكمة كما هو المصطلح في تسميتها التي لا بد منها في كل اطلاق، وهي:
  الاولى: أن يكون العنوان في القضية، وهو متعلق الحكم وادرا على المقسم بين قسمين أو أقسام بأن يكون له قابلية الانطباق على كل فرد أو فردين أو أفراد نوعا كانت أو صنفا. أي انطباق العنوان المقسم الجامع على الفاقد والواجد.
  الثانية: أن يحرز كون المتكلم في مقام البيان ولو بأصل عقلائي، ولم يكن في مقام الإهمال أو الإجمال.
  الثالثة: أن يحرز أنه لم ينصب قرينة على التعيين.
  وقد لخصنا مقدمات الحكمة بثلاثة كلمات: أن يكون الآمر في مقام بيان وأمكن أن يبيّين ولم يبيّين.
  فإذا تمت هذه المقدمات استكشف بها الاطلاق في مقام الثبوت، وأن مراده الاستعمالي مطابق لمراده الجدِّي [3]
 ، وليس لأية خصوصية مدخلية فيه، فإذا شك في دخل خصوصية من الخصوصيات فيه يدفع ذلك الشك بالإطلاق في مقام الاثبات. وحيث إن هذه المقدمات تامة على القول بالوضع للأعم، فإن الحكم حينئذ قد تعلّق بالطبيعي الكلي الذي هو المقسم الجامع بين الافراد الصحيحة والفاسدة، فإذا أُحرز أن المتكلم في مقام البيان ولم ينصب قرينة على التقييد فلا مانع من التمسك بالإطلاق لدفع ما شك في اعتباره جزءا أو قيدا، لأنه شك في اعتبار أمر زائد على صدق اللفظ، وفي مثله لا مانع عن التمسك بالإطلاق لإثبات عدم اعتباره.
  ولنطبق ذلك على مسألتنا، غدا إن شاء الله نبين هذا التطبيق.
 والحمد لله رب العالمين.


[1] عندما نقول أقل وأكثر، هناك نوعان أقل واكثر، تارة استقلاليين وتارة ارتباطيين. الاستقلاليان من قبيل" اطعم عشرة مساكين أو اطعم احد عشر مسكينا. ثم شككت بين العشرة والاحد عشر. ففي اطعام العشرة اكون قد امتثلت بشيء، ولذلك ينحل العلم الاجمالي الدائر بين العشرة والاحد عشر إلى علم تفصيلي بالعشرة وشك بدوي بالحادي عشر. فيجب الاتيان بالعلم التفصيلي وهو القدر المتيقن، والحادي عشر يكون شكا في التكليف فتجري اصالة البراءة.
[2] أما في الارتباطيين، يكون العشرة أو الاحد عشر مرتبطان، فلو قمت بالعشرة وحدها أكون لم افعل شيئا، كأفعال الصلاة فهي غير منفصلة ومأخوذة على نحو المجموع، بخلاف ايام الصوم التي هي منفصلة وغير مرتبطة.
[3] قلنا أن كل خبر لا يمكن العمل به إلا بعد إجراء الاصالات: اصالة السند واصالة الجهة واصالة الظهور ومن جملتها اصالة التطابق، يعني التطابق بين المراد الاستعمالي والمراد الجدي واقعا وليس لأية خصوصية مدخلية فيه