الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

34/05/05

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: الصحيح والأعم
  في كون الجامع على الأعم هو معظم الأجزاء التي تدور التسمية عرفا مدارها.
  يمكن تلخص ما مضى: أن قياس المركب الاعتباري على المركب الحقيقي قياس باطل، وإنه يجوز في الاعتباري ما لا يجوز في الحقيقي، فإن الاعتبار خفيف المؤونة وبيد المعتبر.
  والفرق فيما يخص بحثنا نقطتان:
  النقطة الاولى: جواز أخذ مكونات المسمى على نحو البدل، فيكون شيء واحد داخلا في المركب تارة وخارجا عنه أخرى وهو دخيل في المسمى.
  النقطة الثانية: أخذ بعض الأجزاء من الحكم من الكم اقل أو اكثر - على نحو اللابشرط، فإن وجدت دخلت في المسمى وإن فقدن خرجت منه.
  ولبعض الفوائد سنمر على بعض الاقوال مرورا سريعا، والاجابة عليها صارت واضحة وذلك من الاجابة على كلام المحقق القمي (ره) الذي قال: أن الجامع على الاعم هو الاركان، وايده السيد الخوئي (ره) في ذلك عند اختياره أن الوضع للأعم والجامع هو الأركان.
  نعود لقول صاحب الكفاية (ره): ثانيها: أن تكون موضوعا لمعظم الأجزاء التي تدور مدارها التسمية عرفا، فصِدق الاسم عليه كذلك يكشف عن وجود المسمى وعدم صدقه على عدمه. وفيه: مضافا إلى ما أورد على الاول أخيرا [1] أنه عليه يتبادل ما هو المعتبر في المسمى، فكان شيء واحد داخلا فيه تارة وخارجا عنه أخرى، بل مرددا بين أن يكون هو الخارج أو غيره عند اجتماع تمام الاجزاء. وهو كما ترى. سيما إذا لوحظ هذا مع ما عليه العبادات من الاختلاف الفاحش بحسب الحالات. انتهى كلامه.
  وتوضيح كلامه(ره)، أن هذا التصوير عليه ايرادان.
  الإيراد الاول: وهو لزوم المجاز عند استعمال اللفظ فيما هو المأمور به بكامل أجزائه وشرائطه، وكان من باب استعمال اللفظ الموضوع للجزء في الكل، لا من باب اطلاق الكلي على الفرد والجزئي [2]
 .
  الايراد الثاني: لزوم أن يكون أحد الأركان داخلا في المسمى عند وجوده وخارجا عنه عند عدمه، بل كل ركن يكون كذلك، وحينئذ أصبح من قبيل الفرد المردد الذي لا وجود له في الواقع.
  والجواب على هذين الايرادين:
  جواب الايراد الاول: أن الاعتباري غير الحقيقي ولا مانع من اخذ المكونات على نحو اللابشرط قلة وكثرة، فتكون داخلة في المسمى عند وجودها وخارجة عنه عند عدمها، فلا يكون استعمال لفظ " صلاة " مثلا في التامة الأجزاء والشرائط مجازا. وبهذا يندفع الإيراد المشترك بأن يلزم منه استعمال اللفظ مجازا في الصلوات الصحيحة) بين هذا التصور للجامع " في معظم الاركان "، وبين التصوير السابق " الاركان ".
  وأما جواب الايراد الثاني: فيندفع بأنه لا مانع في الأمور الاعتبارية من كون المكوِّنات مأخوذة على نحو البدل كما بيناه سابقا، وذكرنا مثالا على ذلك الدار الذي يدخل في ضمنه البئر.
  ونزيد إيرادا ثالثا على ما ذكره صاحب الكفاية (ره): وهو أخذ قيد " التي تدور مدارها التسمية عرفا ".
  توضيح الايراد: أن العرف أخذ التسمية من الشارع بناء على النقل، فهو متأخر عنه، فكيف يكون وضع الشارع تابعا لتسمية العرف، ونحن في الاساس نبحث عن التسمية العرفية. وبعبارة أخرى: الوضع الشرعي أصح تابعا للتسمية العرفية، مع العلم أن العرف يتبع الشارع لأنه منقول شرعي، فيلزم منه أخذ المتقدم في المتأخر وهذا خلف أو مصادرة على المطلوب.
  نعم أن يكون إطلاق العرف كاشفا عن الموضوع له شرعا، فهذا ممكن، ويكون الاستكشاف حينئذ من باب الدليل الإني، لكن هذا لا محصل له، لأن بحثنا عن الموضوع له شرعا وهو الذي يطلق عليه عرفا ولا نعلمه، وإلا لما كان معنى لهذا البحث.
  والكلام في بحث الجامع له أهمية، ومن الخطأ أن نمر عليه مرور الكرام، نعم استعراض بقية الاقوال يمكن أن تأخذ وتراجع من الكفاية أو غيرها ولا داعي لذكرها مفصلة، ونذكر بعضها ملخصا:
  التصوير الثالث: هو التشبيه بالوضع للأعلام الشخصية " كزيد " فكما لا يضر في التسمية فيها تبادل الحالات المختلفة من الصغر والكبر ونقص بعض الاجزاء وزيادته كذلك فيها.
  التصوير الرابع: أن الوضع بداية للصحيح وتسامح العرف على إطلاقها على الفاقد لبعض الاجزاء والشرائط.
  التصوير الخامس: التشبيه بالوضع للأوزان والمقادير التي لاحظ الواضع مقدارا خاصا، ولكنه لم يضعه له بخصوصه بل للأعم منه ومن الزايد والناقص.
  والكل كما ترى. ويكمن الاشكال عليها بوجود عديدة.
  وهناك أوجه أخرى لتصوير الجامع، وننهي الكلام في هذه المسألة بالتعليق على ما ذكره السيد الخوئي (ره) حيث يقول في محاضرات الفياض ص 168)مع بعض التصرف):
  نلخص نتيجة جميع ما ذكرنا لحد الآن في خطوط:
  الخط الاول: فساد توهم الاشتراك في وضع الفاظ العبادات كما سبق ( وهو انه مشترك لفظي بين كل العبادات. وقلنا ان هذا امر بعيد).
  الخط الثاني: فساد توهم كون الوضع فيها عاما والموضوع له خاصا. (وقلنا ان الوضع عام والموضوع له عام).
  الخط الثالث: عدم امكان تصوير جامع ذاتي مقولي على القول بالصحيح.(وهذا لا نوافق السيد (ره) عليه.
  الخط الرابع: امكان تصوير جامع عنواني على هذا القول، إلا أنه ليس بموضوع له على الصحيح. ( وهذا نسلم به).
  الخط الخامس: جواز تصوير جامع ذاتي بين الاعم من الصحيحة والفاسدة. ( وهذا سلمنا به).
  فالنتيجة على ضوء هذه الخطوط اصبحت الفاظ العبادات موضوعة للجامع بين الافراد الصحيحة والفاسدة لا لخصوص الجامع بين الافراد الصحيحة. ومن هنا لا مجال للنزاع في مقام الاثبات عن أن الالفاظ موضوعة للصحيح او للأعم، فإن النزاع في هذا المقام متفرع على امكان تصوير الجامع على كلا القولين، فإذا لم يمكن تصويره إلا على احدهما فلا مجال له اصلا، إذن لا بد من الالتزام بالقول بالأعم ولا مناص عنه، هذا من ناحية. من ناحية أخرى أن المرتكز في أذهان المتشرعة هو أن اطلاق لفظ الصلاة على جميع افرادها الصحيحة والفاسدة على نسق واحد من دون لحاظ عناية في شيء منها ضرورة انهم يستعملون هذا اللفظ في الجميع غافلين عن لحاظ القرينة في المجاز والعناية في موارد اطلاقه على الفرد الفاسد، فلو كان اللفظ موضوعا لخصوص الصحيح فلا محالة كان اطلاقه على الفاسد محتاجا إلى لحاظ عناية وقرينة، مع أن الامر على خلاف ذلك، وأن الاستعمال في الجميع على نسق واحد، فلا فرق بين قولنا فلان صلى صلاة صحيحة أو تلك الصلاة صحيحة، أو بين قولنا فلان صلى صلاة فاسدة. وحيث أن استعمالات المتشرعة تابعة للاستعمالات الشرعية فتكشف تلك عن عموم المعنى الموضوع له عند الشارع المقدس ايضا. انتهى.
  غدا بإذن الله نعلِّق على كلامه (قده).
 
 والحمد لله رب العالمين.


[1] هو ان استعمال اللفظ في التام الاجزاء والشرائط، يكون مجازا. وهو الايراد الاخير على القول الاول للشيخ القمي (ره).
[2] تذكير: إذا استعملت الكلي وهو موضوع للكلي مع قصد الفرد، كما إذا قلت: جاء الرجل واردت زيدا، هذا الاستعمال حقيقي، بخلاف ما إذا استعملت الكلي في الفرد، فيكون هذا الاستعمال مجازا، لأنه استعمال في غير ما وضع له.