الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

34/04/28

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: الصحيح والأعم
  نعود لقول صاحب الكفاية (قده):
  وما قيل في تصويره أو يقال وجوه:
  إحداها: أن يكون عبارة عن جملة من اجزاء العبادة كالأركان في الصلاة مثلا، وكان الزائد عليها معتبرا في المأمور به لا في المسمى، وفيه ما لا يخفى، فإن التسمية بها حقيقة لا تدور مدارها ضرورة صدق الصلاة مع الإخلال ببعض الأركان، بل وعدم الصدق عليها مع الإخلال بساير الأفراد والشروط عنه، مع أنه يلزم أن يكون الاستعمال فيما هو المأمور به بأجزائه وشرائطه مجازا عنده، وكان من باب استعمال اللفظ الموضوع للجزء في الكل لا من باب إطلاق الكلي على الفرد والجزئي كما هو واضح، ولا يلتزم به القائل بالأعم. فافهم.
  وملخصه: أن التسمية تدور مدار الأركان، وهو ما نسب للمحقق القمي (ره)، وهذا التصور للجامع على الأعم يرجع إلى أمرين:
  الأول: أن الموضوع له المسمى هو خصوص الأركان فقط.
  الثاني: أن بقية الأجزاء والشروط دخيلة في المطلوب لا في المسمى والموضوع له.
  وأشكل عليه صاحب الكفاية (ره) بثلاثة إشكالات.
  الاول: يلزم عدم صدق الصلاة مع الإخلال ببعض الأركان. كما لو اخل بالركوع، فالصلاة لا تصدق لان احد اجزاء المسمى غير موجود.
  الثاني: صدق الصلاة مع الإتيان بالأركان والإخلال بسائر الشرائط.
  الثالث: لزوم أن يكون الاستعمال في المأمور به مجازا لكونه استعمال اللفظ الموضوع للجزء في الكل أي أن اللفظ موضوع للأركان واستعمل في مجموع الاركان والأجزاء الأخرى. وهذا ليس من باب استعمال الكلي في فرده كي يكون حقيقة، بل من باب استعمال لفظ الجزء في الكل.
  في الحقيقة نجد أن مردَّ هذه الاشكالات جميعا يعود لأمر واحد وهو: قياس المركبات الاعتبارية على المركبات الحقيقية. بعبارة اخرى: هل يمكن للشيء أن يكون جزء الماهية تارة وليس جزءا الماهية أخرى؟. أو هل يمكن أن يكون الشيء حين وجوده جزء الماهية وحين عدمه ليس جزءا للماهية؟ أو هل يمكن أن يكون جزء المسمى حين وجوده، وليس جزءا للمسمى حين عدمه؟
  وقد أجيب عن هذه الايرادات بأجوبة متعددة وهي تدور حول اعتبار الواضع لهذه المركبات الاعتبارية وكفية الوضع لها. وهنا نقاط:
  النقطة الاولى: الفرق بين المركب الحقيقي والمركب الاعتباري. فان المركب الحقيقي مركب من جنس وفصل ولا يعقل أن يكون أمر فصلا تارة ولا يكون فصلا تارة اخرى. ففي الامر الحقيقي الجنس والفصل كلاهما يفتقر إلى الامر الآخر افتقارا حقيقيا ولذا لا يمكن أن نتصوره داخلا في الماهية عند وجوده وخارجا عنها عند عدمه.
 وأما في الاعتباريات فهو بلحاظ المعتبر واختياره، وهو عبارة عن تجميع أمور نحن لا ندرك العلاقة بينها. فالأمر الاعتباري ليس له تأصل في الخارج بل هو اعتبار محض فلا نستطيع قياس بعضها على الآخر.
 النقطة الثانية: إن بعض الأمور قد تدخل في المسمى من دون أن تكون من أركانه. فمثل: الدار التي أركانها الفرق السقف والحيطان، إذا كان فيها بئرا فأنه يدخل في المسمى من دون أن يكون استعماله في الجميع مجازا. وإذا اردنا مثالا من زمننا المعاصر: السيارة أركانها العجلات والمحرك وأساسيات أخرى، وهناك اصطلاح عند البائعين يقولون فيها زوائد، مثلا قفل مركزي وفتحة في السقف، فإن القفل المركزي يكون جزءا من المسمى، ولا يضر أنه مع وجوده يكون جزءا من المسمى وعند عدمه لا يكون جزءا للمسمى.
 السيد الخوئي (ره) أعلى الله مقامه يمثل لذلك بالبطانة في الثوب، فمع عدم البطانة الجبة جبة ومع وجودها تكون جزءا من المسمى.
  النقطة الثالثة: إن بعض الأجزاء تكون هي الأساس المقوم الأقل، والباقي الزائد يكون على نحو اللابشرط، بحيث لو وجد أمر منها كان جزءا من المسمى وإذا لم يوجد لا يكون جزءا من المسمى، بعبارة اخرى: هل يمكن أن نتصور أمرا يكون مأخوذا على نحو اللابشرط [1]
  [2] في التسمية أو لا؟ قلنا إنه في الأمور الحقيقية غير ممكن، أما في الاعتباريات فممكن. فالكلمة مثلا مؤلفة من حرفين فصاعدا، فالاعتبار أن يكون عندنا حرفان على الأقل (بشرط شيء)، والزائد مأخوذ على نحو اللابشرط، أي لا بشرط الوجود ولا بشرط العدم، أي أن الكلمة تصدق مع وجود حرفين، وأما الزائد عليهما فإن وجد فهو من المسمى، ومع عدمه لا يضر بالتسمية. والـ (بشرط لا)، كالأعداد، كالأربعة بشرط عدم وجود الزائد والا اصبح خمسة، وبشرط عدم النقصان وإلا أصبح ثلاثة.
  يقول السيد الخوئي (ره) في المحاضرات ص 162: وإن شأت فقل إن المركبات الاعتبارية أمرها سعة وضيقا بيد معتبرها فقد يعتبر التركيب بين أمرين أو أمور بشرط لا، كما في الاعداد، وقد يعتبر التركيب
 بشرط لا لم يصح إطلاقها على الواجد لتمام الأجزاء والشرائط بلا عناية، مع أننا نرى وجدانا عدم الفرق بين إطلاقها على الواجد وإطلاقها على الفاقد أصلا.
  وقد تلخص من ذلك: أن دخول شيء واحد في ماهية مركّبة مرّة وخروجه عنها مرّة اخرى إنما يكون مستحيلا في الماهيات الحقيقية دون المركبات الاعتبارية.
  النقطة الرابعة: قد يكون الاعتبار في المركب الواحد للهيئة والمواد فانية فيها، فالوحدة مأخوذة في الهيئة والمواد على نحو البدل. غدا نكمل إن شاء الله تعالى.
 
 والحمد لله رب العالمين.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 


[1] يمكن أن تأخذ الأمور على نحو ثلاثة أقسام: بشرط شيء (بوجوده)، وبشرط لا (عدمه)، ولا بشرط (وجد ام لم يوجد).
[2] بين أمرين أو أزيد لا بشرط، بالإضافة إلى دخول الزائد كما هو الحال في كثير من المركبات، فالصلاة من هذا القبيل، فإنها موضوعة للأركان فصاعدا، ومما يدل على ذلك هو أن إطلاقها على جميع مراتبها المختلفة كما وكيفا على نسق واحد، بلا لحاظ عناية في شيء منها، فلو كانت الصلاة موضوعة للأركان