الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

34/04/16

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: الصحيح والأعم
 الاشكال على قاعدة " الواحد لا يصدر إلا عن واحد ".
  تلخص مما ذكر: أن الواحد إما شخصي وإما نوعي وإما عنواني. صاحب الكفاية يجري القاعدة في كل انحائها. وملخص كلام السيد الخوئي (ره) أن الاثر الواحد الشخصي تجري فيه القاعدة ولكن مقامنا ليس من هذا الباب، بل مقامنا هو من باب الواحد النوعي أو العنواني وكلاهما لا تجري القاعدة فيه. بعبارة أخرى: ما تجري فيه القاعدة لا ينطبق على مقامنا، وما ينطبق على مقامنا لا تجري فيه القاعدة.
  ثم يرد السيد الخوئي (ره) على استدلال صاحب الكفاية (ره) القاعدة المذكورة ص 144 من نفس المصدر: ولكن لا يخفى ما فيما أفاده (قده) بل لم يكن يترقب صدوره منه، وذلك من وجوه:
  الاول: أن هذه القاعدة وإن كانت تامة في العلل الطبيعية لا محالة، دون الفواعل الارادية، ولكن ذلك فيما إذا كان المعلول واحدا بوحدة شخصية [1] ، وأما إذا كان واحدا بوحدة نوعية فلا تجري فيه هذه القاعدة، وقد مرّ الكلام في ذلك في البحث عن حاجة العلوم إلى وجود الموضوع فليراجع. وحيث إن وحدة الأثر في المقام وحده نوعية لا شخصية، فإن النهي عن الفحشاء كلِّي له أفراد وحصص بعدد أفراد " الصلاة " وحصصها في الخارج، فلا شيء يكشف عن وجود جامع بين أفرادها، مثلا " صلاة الصبح " يترتب عليها نهي عن منكر، و " صلاة المغرب " يترتب عليها نهي آخر وهكذا، فلا كاشف عن جهة جامعة بين الافراد والحصص بقانون أن الأمور المتباينة لا تؤثر أثرا واحدا. [2]
  الثاني: لو تنزلنا عن ذلك وسلّمنا تمامية القاعدة حتى في الواحد النوعي، فإنها لا تتم في المقام [3] ،
 لأنها لو تمت فيما إذا كانت الوحدة وحدة ذاتية مقولية، فلا تتم إذا كانت الوحدة وحدة بالعنوان [4] ، دون الحقيقة والذات، ولم كانت وحدة النهي عن الفحشاء وحدة عنوانية لا وحدة مقولية، ضرورة أن النهي عن الفحشاء عنوان ينتزع عن ترك الأعمال القبيحة بالذات [5]
 ، أو من جهة النهي الشرعي، فكل واحد من هذه الاعمال حصَّة من الفحشاء والمنكر، ويعبّر عن المنهي عنه بالنهي عن الفحشاء، ولا مانع من أن ينتزع الواحد بالعنوان عن الحقائق المختلفة والامور المتباينة خارجا. وعليه فلا كاشف عن جهة جامعة ذاتية مقولية، وغاية ما هناك وجود جامع عنواني بين الأفراد الصحيحة كعنوان النهي عن الفحشاء والمنكر، مع الاختلاف في الحقيقة والذات، ومن الضروري عدم وضع لفظ " صلاة " لنفس العنوان [6] .
  الثالث: إنا نعلم بالضرورة أن الأثر في المقام مترتب على الجامع بين الأفراد، وإنما هو مترتب على أفراد الـ " صلاة " بخصوصياتها من الأجزاء والشرائط المعتبرة فيها [7] ، فإن ترتب النهي عن الفحشاء والمنكر على الـ "صلاة " ليس كترتب الاحراق على النار أو كترتب سائر الآثار الخارجية على أسبابها. فإن الأثر في جميع هذه الموارد مترتب على الجامع من دون دخل لأيَّة خصوصية من الخصوصيات الفردية. وهذا بخلاف المقام، فإن النهي عن الفحشاء والمنكر مما يترتب على أفراد الـ " صلاة " وحصصها بخصوصياتها الخارجية المعتبرة في صحتها خارجا، ولا ريب في أن صحة " صلاة الصبح " منوطة بخصوصية وقوع التسليمة في الركعة الثانية، وصحة " صلاة المغرب " منوطة بخصوصية وقوع التسليمة في الركعة الثالثة وعدم وقوعها في الركعة الثانية... وهكذا بقية الخصوصيات [8] ، فالمؤثر في جهة النهي عن الفحشاء حقيقة تلك الخصوصيات، ومع هذا كيف يمكن القول بأن المؤثر فيه الجامع بين الأفراد، فإن الالتزام
 بذلك إنما هو إذا لم يكف دخل للخصوصيات في ترتب الأثر، وهذا لا يعقل في المقام، إذ كيف يمكن وجود جامع بين المشروط بشيء والمشروط بعدمه.
  فتلخص: أن الجامع الذاتي المقولي، ولو سلمنا إمكان تعقّله بين الأفراد الصحيحة، لم يكن لنا طريق إليه في مقام الإثبات [9] . انتهى كلامه رفع مقامه وقد نقلناه بطوله لما فيه من فوائد.
  غدا نناقش كلام السيد الخوئي (قده) إن شاء الله. [10]
 
 والحمد لله رب العالمين.
 


[1] قاعدة الواحد لا يصدر إلا عن واحد " محورها الاثر الواحد الشخصي.
[2] الكلام في ان اللفظ موضوع للصحيح فلكل فرد خصوصياته، من قال أن الجامع هو الذي ينهى عن الفحشاء والمنكر؟! فأفراد الصلاة متعددة والنهي عن الفحشاء متعدد، ولكل صلاة نهي خاص، فصار الكثير صادرا عن كثير.
[3] مورد النقاش هنا هو كلام صاحب الكفاية (ره) وأنه بناء على الصحيح لا بد من جامع وهو يشار اليه بلإشارة بقاعدة ان النهي عن الفحشاء واحد ولا يصدر الواحد إلا عن واحد، ونقاش السيد الخوئي (ره) له بناء على وجود الجامع، وأن الوضع من باب الوضع العام والموضوع له عام. فأولا هل هناك جامع؟ وهل أن هذه القاعدة تجري؟
[4] الوحدة العنوانية أمر انتزاعي وله منشأ انتزاع، أما الوحدة المقولية كليه وهي أمر حقيقي.
[5] الذاتي من قبيل الكذب. والنهي الشرعي من قبيل الزنى وشرب الخمر وستر الرأس للمرأة.
[6] لان هذا العنوان المنتزع قطعا ليس هو الموضوع له، والبحث في الاساس عن المسمى وليس عن الجامع.
[7] لكل كلي افراده، زيد وبكر وعمرو، وزيد رجل زائد خصوصياته ولعمرو خصوصياته أيضا، فلو طُلِب ان تكرم رجلا، فمجرد وجود كلي الرجل يحقق المطلوب، والخصوصيات يكون دورها فقط في تشخص الجامع خارجا، لان الشيء ما لم يتشخص لم يوجد، وإذا لم يوجد لا يكون له أثر. فالأثر مترتب على الوجود والوجود مترتب على التشخص، والتشخص هو الذي بحاجة للخصوصيات. هذا نوع من التشخص. وذلك كالنار، فالخصوصيات في النار لا دخالة لها في الاثر بل لها دخالة في الوجود. فالمشخصات حاجة للوجود وليس لأجل الأثر الذي هو الجامع. وهناك نوع آخر من التشخص وهو عندما تكون الخصوصيات لها أثر في الوجود والمطلوب ايضا، من قبيل الصلاة، فعندما تكون اجزاءها وشرائطها كلها مطلوبة. فهذه المشخصات تختلف عن مشخصات الحرارة والنار الخارجية.
[8] نذكِّر أن الكلام في الوضع للصحيح وبأن هناك جامع يشار اليه بخلاف الجامع للأعم الذي لا يمكن تصوره أو أن يشار إليه.
[9] مع وجود الخصوصيات لا يمكن لنا إثبات النهي عن الفحشاء لأنه لا جامع بينها، والاثر لهذه الخصوصيات. لذلك هذا المقام من تطبيقات قاعدة الكثير يصدر عن كثير.
[10] سؤال من احد الطلبة: لماذا أدخل صاحب الكفاية الفلسفة في الأمور الاعتباري؟ الجواب: في مقام الدفاع عن كلام صاحب الكفاية (ره) نقول: بأن الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد والأمر الاعتباري يكون كاشفا عن هذه المصالح والمفاسد وحينئذ يمكن وجود الجامع بينها لوجود العلل، فالاعتباريات حينها لا تكون منفصله عن الواقعيات. صاحب الكفاية ادخل الفلسفة لأننا نسلم بقاعدة أن الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد فبمجرد وجود المصلحة يصبح هناك أمور واقعية، ومعها لم تعد اعتباريات محضة كما عند الناس، فعند الله عز وجل ما كان فيه مصلحة أمر الله به وما كان فيه مفسدة نهى الله عنه، ولكن هذا الكلام لا نؤيده على إطلاقه.