الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

34/04/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: الصحيح والأعم
 الاشكال على قاعدة " الواحد لا يصدر إلا عن واحد ".
  بعد تلخيص ما مرّ نعود لإشكال السيد الخوئي (ره) في الواحد النوعي.
  ثم يقول (قده): وأما على الثاني بأن كان الغرض كليا له أفراد يترتب كل فرد منها على واحد من المسائل بحيالها [1]
  واستقلالها- كما هو الصحيح فالأمر واضح، إذ بناء على ذلك يتعدد الغرض بتعدد المسائل والقواعد، فيترتب على كل مسألة بحيالها غرض خاص غير الغرض المترتب على مسألة أخرى....
  وإذا كان الامر كذلك فلا طريق لنا إلى إثبات جامع ذاتي وحداني بين موضوعات المسائل، لأن البرهان المزبور لو تمّ فإنما يتم في الواحد الشخصي البسيط بحيث لا يكون ذا جهتين أو جهات....
  وأما على الثالث [2]
  [3]
  فالحال فيه أوضح من الثاني، فان القاعدة المزبورة، لو تمّت فإنما تتم في الواحد
  الحقيقي، لا في الواحد العنواني [4]
 .. انتهى كلامه رفع مقامه.
 وملخص ما أفاده السيد الخوئي (ره) أن هذه القاعدة إنما تجري في الأثر الواحد الشخصي دون النوعي والعنواني، لأن الأخيرين يتعدد الأثر فيهما، ولا دليل على وجود جامع وحداني لانقلابه من جزئي إلى جزء وهذا لا ينطبق على مسألتنا لا في الصحيح والاعم ولا في مسألة موضوع كل علم. [5]
  ثم يرد السيد الخوئي (ره) على استدلال صاحب الكفاية (ره) القاعدة المذكورة ص 144 من نفس المصدر: ولكن لا يخفى ما فيما أفاده (قده) بل لم يكن يترقب صدوره منه، وذلك من وجوه:
  سننقل كلام السيد (قده) بطوله لما فيه من الفوائد وسنعلِّق عليه.
 الاتعاظ الاسبوعي:
  بسم الله الرحمن الرحيم ورد في الحديث الشريف عن الامام الحسن العسكري (ع): " كونوا زينا لنا ولا تكونوا شينا علينا " فالمراد من " زينا لنا " ليس فقط أن أكون مؤمنا بالله عز وجل، بل أكون " زينا " في كل شيء في المسلك في كل الموضوعات، في أخلاق الشخص وفي منطقته، فمظهر مناطق المسلمين يفترض أن تكون " زينا " بمسلك الاشخاص أيضا في شوارعها وكذا في البيت والمدرسة والزي واللباس والنظافة، لذلك كان رسول الله (ص) يتعطر دائما. أريد أن أقول أن " الزين " يشمل كل الحالات والظروف والتصرفات، ولذلك عندما أقود سيارة ولي الحق بالتوقف فلا أقف بشكل منحرف لأن الطرق في ايامنا ليست فقط للإستطراق بل اصبحت وجها من وجوه المنطقة والسكان، فظاهرة المخالفة تؤثر سلبا على الصورة النمطية التي يريدها الله عز وجل للمؤمن.
 فالحديث الشريف يشمل كل الظروف والحالات والشخص والمسلك والمنطقة والسكن، فلا يختص بخصوص الاخلاق وعدم احداث الضرر لاحد، فلا اكذب واصوم واصلي هذه جهة مهمّة لكن " كونوا زينا " بإطلاقها تشمل كل الحالات.
 والحمد لله رب العالمين.


[1] الواحد النوعي هو الكلي الملحوظ كونه جامعا بين الافراد، فالنهي عن الفحشاء كلي له افراده وحينئذ يكون الاثر معلولا لكل صلاة على حدة، وكذا يكون معلولا لكل مسألة على حدة بالنسبة لموضوع العلم لأنه صار جزئيا وليس جزءا، فتكون النتيجة ان كل مسألة تنتج عصمة اللسان عن الخطأ في النطق كما في النحو لوجود الجامع فيها فتكون كل مسألة علّة مستقلّة أي ان كل مسألة منفردة عن الأخرى في العلّية، وكما في رفع الفاعل ونصب المفعول. من يقول بوجود الجامع بين هذه الاغراض، فقد تكون متباينة، وكما في الاصول فأحكام القطع على نحو القطع واحكام الأمارة على نحو الظن كما قالوا لا قطع فيها وهما مختلفان والغرض بينهما مختلف. فمن يقول ان هناك جامعا بين الاغراض يكون هو الموضوع المشترك في العلم، أو يكون الموضوع له في الفاظ العبادات؟. فتحصل أن الكثير ينتج عن كثير وليس الواحد ينتج عن واحد نوعي جامع.
[2] الجامع العنواني هو الامر المنتزع من الافراد. ونُذكِر بأن الامر الانتزاعي هو ما ليس له تأصل في الخارج بل له مجرد منشأ انتزاع كالفوقية، اما الاعتباري ليس له منشأ انتزاع في الخارج كلياً بل هو مجرد اصطلاح، نعم له سبب، كالزوجية التي لا تتم من دون عقد وكالملكية وهي أمر اعتباري اصطلاحي محض وليست امرا انتزاعيا لأن لا وجود لصورة خارجية انتزع منها معنى الملكية، نعم هي بحاجة إلى سبب، وفرق بين السبب ومنشأ الانتزاع.
[3] والامر الاعتباري والانتزاعي في غير المتأصلات أما المتأصلات فقسمان: إما الجوهر وإما العرض. فالبياض بهذا الاصطلاح ليس انتزاعيا، بل هو امر جامع ماهوي بين افراد الابيض. والفرق بين البياض وزيد وكلاهما متأصل في الخارج، ان زيد جوهر موجود لا في موضوع أما العرض كالبياض فهو موجود في موضوع. فالبياض واحد نوعي وليس واحدا عنوانيا، نعم قد يستعمل الانسان عنوانا لافراده لكن المراد هنا العنوان الانتزاعي كما صرح السيد الخوئي (ره) بذلك.
[4] فالواحد النوعي هو امر نوعي جامع بينها، وللتذكير في مسألة وجود الكلي الطبيعي، هل هو موجود بوجود أفراده أو هو موجود في الخارج في أفراده. فالنتيجة على احد القولين ان الكلي النوعي يمكن أن يكون موجودا ويكون مؤثرا، أما العنوان الذي هو أمر منتزع ليس له وجود. فإذا استطعنا تفكيك الاثر إلى افراد وصار كثيرا ينتج عن كثير فمن باب الاولى ان العنوان صار افرادا تنتج عن كثير لأنه امر انتزاعي، بينما الكلي هو امر انتزاعي وله تأصل في الخارج.
[5] إذن على الاحتمالات الثلاثة هذه القاعدة لا تجري، لذلك فرّع عليها (ره) بانه لا يشترط في كل علم ان يكون موضوعا، وخصوصا مع تشتت جهات العلم، لذلك ذهب إلى انه لا داعي لان نبحث في موضوع علم الفقه ولا علم الاصول. صاحب الكفاية (ره) يقول: انه لا بد لكل علم من موضوع. فهذه اللابدية ما مصدرها؟! نعم لا بد من غرض وهذا الغرض لا يكشف بالضرورة عن الموضوع لكل علم. فالسيد الخوئي وغيره كالسيد الصدر فنّد هذه القاعدة على الاحتمالات الثلاثة: الشخصي والنوعي والعنواني. وكلها لا تجري هنا.