الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

34/03/26

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: أصالة تأخر الوضع عن الاستعمال
 الصحيح والاعم
 
  أصالة تأخر الوضع عن الاستعمال: كان الكلام في الثمرة من القولين الحقيقة الشرعية والحقيقة اللغوية، وذكرنا حال إذا علم تاريخ الاستعمال وتاريخ الوضع، أو تأخر الاستعمال عن الوضع، انه يحمل حينئذ المعنى المستعمل فيه على المعنى الجديد بناء على الوضع للحقيقة الشرعية.
  أما إذا جهل تاريخ الوضع ولا أعلم ايهما قبل الآخر، الاستعمال قبل الوضع أو الوضع قبل الاستعمال، لا أدري أأحمل على المعنى المتشرعي الجديد؟ أو أحمل على المعنى اللغوي القديم؟
  الدليل على أصالة تأخر الوضع. قالوا: أن الأصل تأخر الاستعمال، وأشكل عليه بعدّة إشكالات ذكرناها بالتفصيل في الدرس السابق.
  منها: المعارضة بأصالة تأخر الوضع.
  ومنها: عدم جريان أصالة تأخر الحادث.
  ومنها أنه لو تم لكان من الاصل المثبت، ولذلك لا يتم إجراء أصالة تأخر الاستعمال.
  وفي رأي آخر هو المقلب الاخر: قد يقال بأصالة تأخر الوضع عن الاستعمال وذلك لأصالة عدم النقل التي تقتضي تأخره عقلا، فيتأخر الوضع على الاستعمال. فتكون النتيجة: تأخر الوضع ببركة أصالة عدم النقل.
  ويشكل عليه: إن ما ذكرنا في الردّ على أصالة تأخر الاستعمال يأتي هنا أيضا حرفا بحرف:
  اولا: المعارضة بأصالة تأخر الاستعمال.
  ثانيا: عدم ثبوت أصالة تأخر الحادث.
  ثالثا: على فرض جريانه فهو أصل مثبت.
  نعم قد يشكل على الاشكال الثالث: بأن أصالة عدم النقل هي أمارة عقلائية خاصة بالألفاظ بنى عليها العقلاء كي يستطيعوا فهم كلمات الماضين وليس أصلا عمليا، ليس استصحابا ولا استصحاب
 
 
  قهقرى. فتثبت الاحكام الشرعية ولو كانت بواسطة غير شرعية من عقلية أو عرفية أو عادية. [1]
 
  ومن هنا: فإن أصالة عدم النقل وإن لم يكن موضوعها تأخر النقل بل هو عدمه، لكن تأخر النقل لازم عقلي لعدمه وهو جار، لأن أصالة عدم النقل أمارة وليست أصلا. ولعلَّ صاحب الكفاية (ره) أراد ذلك عند طلب التأمل.
 الصحيح والاعم
 
  هل الالفاظ في العبادات والمعاملات موضوعة للعبادات الصحيحة أو للأعم من الصحيحة والفاسدة؟. هل الالفاظ موضوعة للمعاملات الصحيحة فقط او للصحيحة والفاسدة؟ ولهذه المسألة ثمرة وهي: هل تجري أصالة الاطلاق عند الشك في شرط أو جزء أو مانع أو رافع؟
  لا بد من بيان بعض الأمور قبل بيان المختار:
 الاول: في عنوان المسألة.
  يقول صاحب الكفاية (ره): العاشر: أنه قد وقع الخلاف في أن ألفاظ العبادات أسام لخصوص الصحيحة أو الأعم منها؟. انتهى. (هنا عبَّر عنها بأسام لخصوص).
  لقد اختلفت تعبيرات الأصوليين عند طرح مسألة الصحيح والأعم.
  1. فقد عبرَّ عنها بعضهم بأن ألفاظ العبادات والمعاملات هل هي موضوعة للصحيحة أو للأعم منها، (هنا عبِّر عنها بالوضع). وقد فرّع عن ذلك المحقق الحائري في درر الفوائد ج 1 ص 47 خروج الاختصاص الحاصل بالتعيَّن، بناء على أن الوضع لا يشمل هذا النوع من الاختصاص، وخروج الاستعمالات المجازية وخروج ما نسب إلى الباقلاني (بأن المعنى اللغوي هو بنفسه في المعاملات والعبادات وتدخل الشارع في الكيفيات والشروط).
  2. وقد يعبَّر عنها بأنها أسام للصحيحة أو للأعم، فيدخل الاختصاص التعيّني، دون الاستعمالات المجازية وما نسب للباقلاني. وهذا ما كان من صاحب الكفاية (ره) كما ذكرنا كلامه، كذلك في المحاضرات ومصباح الأصول تقريرات للسيد الخوئي (قده).
 - وقد يعبّر عنها بأن الأصل في استعمال الشارع هل هو الاستعمال في خصوص الصحيح أو الأعم منه؟ فيدخل فيه جميع هذه الموارد، الاختصاص التعيّني والاستعمالات المجازية وما نسب للباقلاني. وهذا ما ذكره في منهاج الوصول السيد الخميني (قده) .
 وبهذا التعبير الاخير " الاستعمال " يظهر بداية الجواب على ما أشكل عليه صاحب الكفاية (ره) من عدم تأتي الخلاف على القول بالحقيقة اللغوية، حيث قال بان الخلاف يتأتى بناء على الحقيقة الشرعية ويتأتى بناء على الحقيقة اللغوية.
  غدا نذكر قول صاحب الكفاية ونذكر ما يشمله حريم النزاع.
 والحمد لله رب العالمين.
 الاتعاظ الاسبوعي
 
 اتعاظ أعظ به نفسي قبل غيري: أنتم رسل، نحن وأنتم طلبة، وهذه الكلمة هي الشرف الكبير، السيد الخوئي والسيد الخميني والسيد الصدر والمراجع (رحمهم) كانوا في النجف الاشرف مهما علا كعبهم في العلم كنا نعبر عنه " بالطالب الجيد " (خوش طلبة).
  نحن طلبة وهذا لقب شريف " أطلب العلم من المهد إلى اللحد " فلنطلب العلم حتى ولو قبل اللحد بلحظات فهذه رحمة من الله عز وجل. لكن لا ندرس العلم للعلم، ولا نعبد العلم، نريد العلم لما أمرنا به الله عز وجل ولكي ننفع به الناس، القرآن يقول: " بسم الله الرحمن الرحيم فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون ". التوبة/ 122.
  ملخص ما أريد أن اقول: أن التفقه علم، ثم تأتي المرحلة الثانية الإنذار، والانذار هو أن أوصل ما تعلمته، لكن هذا الايصال له شروط عند الناس، لان الناس تتأثر بالموصل أكثر مما تتأثر بالواصل، وهذا واقع موجود. الناس تنظر إلى من قال لا إلى ما قيل. اولا: يمكن أن تكون الفكرة صحيحة لكن كيف أوصلها. وثانيا: مَنْ أوصلها.
  البشر يتأثرون بمن قال، ولذلك علينا مسؤولية أن نتبع الشروط حتى يصل كلامنا ويكون له التأثير:
  اولا: أن يكون الشخص قدوة صالحة، يؤمن بما يقول ويفعل ما يقول. لذلك النبي الاكرم (ص) عندما بدأ بإبلاغ الرسالة كان يلقب بالصادق الامين كان يقول: " يا بني هاشم أترون اني لو اخبرتكم بأن جبل ابي قبيس زال عن موقعه أتصدقوني؟ قالوا نعم نصدقك ". فلا معنى أن ينهى الطبيب عن التدخين مثلا ويكون هو يدخن، وكما في الاعلانات المرغبة وفي آخرها يأتي التحذير.
  ثانيا: وللتأثير بالناس، فانهم عبيد الحاجات، فأطلب منكم أن نحاول أن نخدم وننفع الناس في حاجاتها ورد عن النبي (ص) " أحبكم إلى الله انفعكم لعياله "، لذلك فلا تقتصر مهمة الطالب والعالم في بلدة ما على تبيان الحكم الشرعي فقط، يجب بعد بيان الاحكام أن أنفع الناس في حاجاتهم ولتتعظ الناس من ذلك. من جملة الحاجات أن أكون معهم في افراحهم واتراحهم، وان أكون معهم في أمور اخرى إعمارية، كالسعي معهم في شق الطرق وتشجيرها. فيؤثر هذا في عملية تبليغ الحلال والحرام لشعورهم بالمنفعة والمشاركة، والامثلة على ذلك كثيرة في مجتمعاتنا، فعلينا بالتفاعل مع الناس بكل ما يرفع شأنهم ويسد حاجاتهم ولهذا العمل الاثر الكبير.
 
 والحمد لله رب العالمين.


[1] قالوا: إن كان الاصل او القاعدة دليلها عقلائيا فهي أمارة، وإن كان دليلها نصا فقد تكون أصلا كما في الاستصحاب " لا تنقض اليقين بالشك " فهو أصل عملي. وقد تكون أمارة كما في الأصول اللفظية كأصالة الصحة في العقود لو اخذناها من " أوفوا بالعقود ". ولهذه المسألة ثمرة كبيرة. ولعلّ سبب ذلك أن الامارة أمر كاشف عن وقوع مضمونها كالخبر، فحينئذ يثبت الكشف فيثبت لوازمه، وهذا الكشف كشف ناقص، إذا كان ظنيا فأتممه بالحجة بوجوب العمل به، فيصبح كشفا تاما تعبديا فتثبت به اللوازم. أما الاصل فليس فيه لسان الكشف عن الواقع بل هو مجرد وظيفة عملية، فلا تثبت اللوازم. كما ذكرنا ذلك في منهجية البحث التي فصلنا فيها مراحل البحث عن الشبهات. وقال الشيخ الانصاري (ره) في باب الاستصحاب انه إن كان دليله النص " لا نتقض اليقين بالشك " فهو اصل، وان كان دليله بناء العقلاء وسيرتهم على العمل بالحالة السابقة على ابقاء ما كان، فهو أمارة. والسبب في ذلك ان الاصل هو تعبد محض ووظيفة عملية. فقد يقال: ان الشارع يتعبد الناس، أما العقلاء فمن يتعبدهم؟! ولذلك سيرة العقلاء لا تؤدي إلى أصل، لان الاصل عبارة عن تعبد، والعقلاء لا يتعبدهم احد. لذلك قالوا لو كان الدليل سيرة العقلاء فهذا يؤدي إلى كونه أمارة.