الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

34/03/16

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: علامة الحقيقة والمجاز
 الحقيقة الشرعية
  ثمرة تعارض الأحوال:
  لقد ذكرنا في مبحث " تعارض الاحوال " أن لدى بعض القدماء مسلكا في تحديد الموضوع له من بعض الأصول كأصالة عدم الاشتراك، ولهم أيضا بعض الترجيحات كترجيح المجاز على الاشتراك، لان المشترك عبارة عن وضع لكل من المعنيين، أما المجاز فإنه يحتاج للعلاقة وقرينة صارفة معاندة للمعنى الحقيقي, وبعبارة أخرى يدور الامر بين مؤونتين مؤونة وضع ومؤونة قرينة, ولا شك أن مؤونة الوضع أصعب، فتقدم مؤونة القرينة على مؤونة الوضع, ولكن هذه التقديمات استحسانات لا دليل على اعتبارها.
 اشارة: على القول بأصالة الحقيقة تعبدا يكون للبحث ثمرة, أما على مذهب مشهور المتأخرين من كون المتبع هو الظهور فالثمرات قليلة، بل هي محصورة في إيجاد بعض المقدمات التي توصل إلى الظهور، من قبيل معرفة المعنى الحقيقي، لان المعنى الحقيقي شيء والظهور شيء آخر, والبناء عند أهل المحاورة قائم على الاخذ بالظهور مع العلم أن الظهور وأسباب الظهور لا حصر لها.
  الحقيقة الشرعية: تطرَّق قدماء الأصوليين إلى التساؤل التالي حول الحقيقة الشرعية و محور الحديث يدور مداره وهو: هل حصل لألفاظ العبادات والمعاملات نقل عرفي بحيث أصبح لهذه الألفاظ حقيقة خاصة نقلت اللفظ من المعنى اللغوي الى المعنى الشرعي؟, فنقول مثلا أن لفظ " الصلاة " [1]
  نقل من المعنى اللغوي إلى هذه الأفعال الخاصة و الصورة الخاصة الشرعية؟
  مقدمة قبل الخوض في محل النزاع:
  المقدمة الأولى: متعلقات الأحكام الشرعية على أقسام:
  الأول: أن تكون موضوعات خارجية، كالكعبة والميته والحيوان والغلات والذهب والفضة والدم والخمر.
  الثاني: أن تكون من الاعتبارات العرفية الإعتبارية [2]
  مثل: الأخوة والزوجية والبنوة والملكية والرِقيَّة.
 المتأصلان هما: الجوهر والاعراض الحقيقية, فلا فرق في وجودهما الخارجي، ولكن الأول لا يحتاج إلى ما يعرض عليه بخلاف الثاني, وقد جمع ذلك بيت الشعر:
  زيد الطويل الازرق ابن مالك في داره ذا اليوم كان متكي * بيده غصن لواه فالتوى فهذه عشر مقولات سوى
  أما غير المتأصلين, فهما: الاعتباري والانتزاعي، ويشتركان بعدم وجود أصل لهما في الخارج, ويفترقان بان الانتزاعي له منشأ انتزاع بخلاف الاعتباري الذي ليس له منشأ انتزاع بل له سبب اعتبار, كما لو قلت: الكتاب فوق الطاولة مثلا, فالفوقية صورة منتزعة من منشإ انتزاع ليس موجودا في الخارج, اما الاعتباري فليس موجودا في الخارج ولا يحتاج إلى منشإ انتزاع، بل هو اعتبار محض، مثل: بعد إجراء عقد الزواج, تتحقق الزوجية التي ليس لها منشأ انتزاع في الخارج، نعم لها سبب عرفي وهو العقد.
 الثالث: أن تكون أسبابا للإعتبارات: مثل البيع والحيازة والإجارة، فالبيع سبب لحصول الملكية.
  الرابع: أن تكون ماهية مخترعة من الشارع لم يعهدها الناس قبل صدوره, كالصلاة والصوم والحج، حيث إن كيفيتها تَعبُّد علَّمهم إياها رسول الله عندما قال مثلا: " صلّوا كما رأيتموني أصلِّي " .
 أخرج القسم الأول والثاني عن محل النزاع إجماعا لكونهما أمران خارجيان اعتباريان، وأما القسم الرابع, (الماهية المخترعة), فهو محل النزاع إجماعا.
  وأما القسم الثالث, فقد ذهب المحقق القمّمي صاحب القوانين (قده) إلى شمول النزاع له بخلاف صاحب الكفاية (ره).
  المقدمة الثانية: قد وقع الخلاف في لسان الشارع لا في لسان المتشرعة حيث نقل الإجماع على تأتي الحقيقة الشرعية فيه بمعنى أن لفظ " صلاة " مثلا قد أصبح موضوعا للافعال الخاصة عند المتشرعة, بل حتى على لسان الأئمة (ع).
  المقدمة الثالثة: أن الكلام هو في الفاظ العبادات، أما المعاملات فالظاهر الاتفاق على عدم وقوع النقل والحقيقة الشرعية فيها.
  المقدمة الرابعة: ذهب البعض إلى بقاء اللفظ على معناه اللغوي كالقاضي الباقلاني، ففي مثل لفظ " الصلاة " استعمله الشارع في نفس معناه اللغوي, والمعنى اللغوي ما ذكرنا, وذهب آخرون إلى بقاء المعنى اللغوي مع الاستعمال المجازي في المعنى الشرعي وذهب البعض إلى النقل التام بالوضع.
  المقدمة الخامسة: في كيفية حصول الوضع بالنحو التعييني:
 ذكر صاحب الكفاية هذا المطلب لعدم وجود نص صريح على الوضع لهذا المعنى، فلم يقل النبي (ص) مثلا انه وضع لفظ الحج لهذه الافعال, فيقول صاحب الكفاية (ره) إن الوضع التعييني كما يحصل بالتصريح في إنشائه, كذلك يحصل باستعمال اللفظ في غير ما وضع له بأن يقصد الحكاية عنه والدلالة عليه بنفسه لا بالقرينة، وإن كان لا بد حينئذ من نصب قرينة، إلا أنه للدلالة على ذلك ( أي على الوضع) لا على إرادة المعنى كما في المجاز. انتهى كلامه رفع مقامه.
  لو رزقت ولدا مثلا ولم أسمِّه بعد، ثم قلت: " الحمد لله الذي رزقني أمينا " مريدا بذلك تسميته بـ " أمين "، فإني أكون قد وضعت لفظ " أمين " لهذا الطفل الذي رزقت اياه من دون ملاحظة المعنى اللغوي لكلمة " امين ".
  أما التتمة فتأتي انشاء الله.
 
 والحمد لله رب العالمين.


[1] لم نقل بأن المعنى اللغوي للصلاة هو (الدعاء), لكونها ليست موضوعة لغة للدعاء كما هو رأي الأغلب كصاحب الكفاية(ره) وغيره, نعم, الصلاة قد تتضمن الدعاء, ولكن نرى أنها صلة خاصة تذللية بين العبد وربه.
[2] ما هو الفرق بين الامر الاعتباري والانتزاعي?, فالامور اربعة: اثنان متأصلان واثنان غير متأصلين.