الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

34/03/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: علامات الحقيقة والمجاز
  يقول الشيخ الآخوند (ره) في الكفاية: كما أن صحة سلبه [1] (1) كذلك علامة أنه ليس منها، أي ليس من الأفراد الحقيقية وإن لم نقل بأن إطلاقه عليه من باب المجاز [2] (2) في الكلمة بل من باب الحقيقة وأن التصرف فيه أمر عقلي كما صار إليه السكاكي، واستعلام حال اللفظ وأنه حقيقة أو مجاز في هذا المعنى بهما، أي بصحة الحمل وعدم صحة السلب ليس على وجه دائر، لما عرفت في التبادر من التغاير بين الموقوف والموقوف عليه بالإجمال والتفصيل، أو الاضافة إلى المستعلم والعالم فتأمل جيدا.
 الكلام في عدم صحة السلب هو الكلام في صحة الحمل، ولكن أضاف صاحب الكفاية (قده) في المقام أن صحة السلب علامة على عدم كون اللفظ حقيقة سواء كان في الحمل الذاتي الاولي أو في الحمل الشايع صناعي، أي ليس حقيقة لا في المفهوم ولا في المصداق.
  ثم يقول: واستعلام حال اللفظ ... على وجه دائر، وهذا دفع لإحتمال الدور المار ذكره في التبادر لما عرفت من التغاير بين الموقوف والموقوف عليه بالإجمال والتفصيل أو الاضافة إلى المستعلم والمتعلم، وفي الجملة، كل الاشكالات التي وردت على صحة الحمل يمكن أن ترد على صحة السلب، ويبقى الجواب اننا حين اطلاق اللفظ نتكل على الوجدان والذوق اللغوي الخاص للمستعلم ويكون هو الحَكَم كما ذكرنا وتمَّت الإضاءة على ذلك، وإلا تكون الاشكالات التي ذكرها بعض الاساطين متينة.
  أما الأجنبي فيحتاج إلى ثلاثة اسئلة في المقام توجه إلى ابناء اللغة والمحاورة، وهم الذين يجيبون عليها:
  اولا: هل يصح الحمل أو لا؟.
  السؤال الثاني: معرفة نوع الحمل هل هو ذاتي أولي أم شايع صناعي؟، وهذه المعرفة تكتسب من أهل اللغة.
  السؤال الثالث: هل نعرف بوجود كلفة فنحكم بالمجازية، أو لا نعلم فيكون المعنى حقيقيا؟.
 
 الاطراد
  العلامة الثالثة:
  معنى الاطراد: والمراد منه صحة اطلاق اللفظ على المصاديق، أي أن اللفظ إذا صح استعماله في معنى باعتبار كونه فردا من أفراد مفهوم كلي جاز استعماله في كل فرد من أفراد هذا المفهوم الكلي العام، فيكون علامة على كون اللفظ حقيقة في المعنى، ومع عدم صحته علامة على المجاز، فمثلا: لو أطلقنا لفظ عالم على زيد باعتبار كونه واجدا مبدأ العلم، يصح إطلاقه على كل من كان واجدا له،أي بمعنى كونه مطردا في المصاديق.
  الاول: وقد نسب إلى المشهور وهو كون الاطراد علامة على الحقيقة وعدمه علامة على المجاز.
  الثاني: عدم كونه علامة على الحقيقة ولا عدمه على المجاز، وهو مختار صاحب الكفاية (ره).
  الثالث: الاطراد علامة على الحقيقة دون كون العدم علامة على المجاز.
  الرابع : عدم كون الإطراد علامة على الحقيقة ولكن عدمه علامة على المجاز.
  التوضيح: لا بد كما مر سابقا في المجاز من قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي لعلاقة مشابهة له، وهذه المشابهة، تارة يؤخذ نوعها، وتارة يؤخذ صنفها، فإذا أخذ نوعها كنوع المشابهة للأسد مثلا والتي لها مراتب ومصاديق متعددة مثل: الشجاعة العالية، الشجاعة القليلة، بخرة الفم، كثافة الشعر، كبر الرأس، وصح استعمال لفظ الاسد في فرد من المشابهة، يطراد الاستعمال حينها في كل الافراد.
  وإذا اخذ صنف العلاقة كالمشابهة في الشجاعة الكاملة، فهذا لا شك يطرد في كل الافراد المشتملين على هذه الصفة.
  ومن هنا أشكل صاحب الكفاية على الإطراد: أن الاستعمال أعم من الحقيقة والمجاز، فكما أن اللفظ يطرد استعماله في كل افراده الحقيقية، كذلك يطرد في كل أفراده المجازية مع وجود صنف العلاقة، فلا يكون الاطراد علامة على الحقيقة حينها.
  قد يقال: يمكن أن يكون الإطراد علامة لو زدنا قيد عدم التأويل ليصرف المعنى عن أي احتمال للمجازية كأن يقال: استعمل اللفظ في كل الافراد بدون تأويل أو بدون قرينة على وجه الحقيقة.
  ويرد عليه: أن لازم القيد المطروح الدور، حيث أن الإطراد يكون متوقفا على العلم بالقيد والعكس صحيح أيضا، فالقيد الزائد لا ينفع حلا مع التسليم بكونه موجبا لاختصاص اللفظ بالحقيقة.
  يكمل صاحب الكفاية (ره): وزيادة قيد من غير تأويل أو على وجه الحقيقة وإن كان موجبا لاختصاص الاطراد كذلك بالحقيقة إلا أنه حينئذ لا يكون علامة لها إلا على وجه دائر.
  ثم يقول: ولا يتأتى التفصي عن الدور بما ذكر في التبادر، ضرورة أنه مع العلم بكون الاستعمال على نحو الحقيقة لا يبقى مجال لاستعلام حال الاستعمال بالاطراد وبغيره.
  أقول في مقام الجواب: هناك فرق بين الاطراد عند المستعلم وعند المتعلم الأجنبي، فإن المستعلم عندما يستعمل اللفظ مجازا يدرك بإحساسه التكلّف والمؤونة، بخلاف ما لو استعمله في المعنى الحقيقي، وهناك فرق كبير بين الاحساس بالمؤونة والتكلّف، وبين إجراء أصالة عدم القرينة، ومن هنا ننقل الكلام إلى أصالة عدم القرينة.
  قد يقال: إن أصالة الحقيقة أو أصالة عدم القرينة تطرد احتمال المجازية، حيث أن تطبيق الأصالة على ما نحن فيه يجعل الأفراد كلها حقيقية، فمثلا: استعمال لفظ الأسد في هذا الحيوان المعلوم صحيح فيطرد في كل الافراد، ومع الشك في صحة وامكانية الاستعمال في بعض الافراد أو كلها على نحو الحقيقة أو على نحو المجاز لاحتمال وجود قرينة، نجري أصالة عدم القرينة. والبحث حول صحة جريان القاعدة وعدمه يأتي في الدرس القادم.
 
 والحمد لله رب العالمين.


[1] الضمير يقود إلى اللفظ بما يحمل من معنى ارتكازي دفين في النفس الذي هو الموضوع له وهو الذي ابحث عنه.
[2] فائدة: إن الآراء في المجاز ثلاثة: اولا: مجاز في الكلمة، أي استعمال اللفظ في غير ما وضع له، وهو المشهور. ثانيا: الحقيقة الادعائية، وهو مذهب السكاكي، وثالثا:عدم وجود مجازات بل مرادات جدية تختلف عن المرادات الاستعمالية.