الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

34/02/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: علامات الحقيقة والمجاز
  ذكرنا العلامة الاولى وهي التبادر وذكرنا ما فيها من الاشكال والثمرة، وذكرنا في نهاية الثمرة أنه إذا كانت أصالة الظهور هي المحكمة وأننا نعمل بالظاهر، فهذا يطرح سؤالا أنه ما الداعي لكل مباحث الالفاظ؟ فهذه المباحث بناء على أن أصالة الحقيقة هي من باب أصالة الظهور هي تعيننا على الاستظهار ولا تعيِّن الاستظهار بالضرورة، فمباحث الالفاظ تعين ولا تعيِّن.
  العلامة الثانية: صحة الحمل وعدم صحة السلب.
  يقول صاحب الكفاية (ره): إن عدم صحة سلب اللفظ بمعناه المعلوم المرتكز في الأذهان إجمالا (يحاول ان يخرج من إشكال الدور الذي مرّ في التبادر) كذلك عن معنى تكون علامة كونه حقيقة فيه، كما أن صحة سلبه عنه علامة كونه مجازا في الجملة. والتفصيل أن عدم صحة السلب عنه وصحة الحمل عليه بالحمل الأولي الذاتي الذي كان ملاكه الاتحاد مفهوما علامة كونه نفس المعنى، وبالحمل الشايع الصناعي الذي ملاكه الاتحاد وجودا بنحو من أنحاء الاتحاد علامة كونه من مصاديقه وأفراده الحقيقية. انتهى كلامه (قده).
  وقبل البدء بتفصيل هذه العلامة، لا بد من ملاحظة أن صحة الحمل وعدم صحة السلب ليستا علامة واحدة لاختلافهما مفهوما ومصداقا، نعم هما متلازمان، وهو الظاهر من قوله، إن عدم صحة السلب عنه وصحة (الواو للمغايرة) الحمل عليه، وليس كما ذكر المشكيني في حاشيته أنه مجرد اختلاف في التعبير.
  تفصيل صحة الحمل:
  قبل البدء لا بد من الاشارة إلى أن ملاك الحمل هو اتحاد من جهة إذ لا يحمل المغاير على المغاير كليا واختلاف من جهة أخرى كي لا يصبح من باب حمل الشيء على نفسه، ففي الحمل الذاتي حمل على الماهية، فيلزمه الاتحاد في الماهية والوجود، ولا بد من تغاير ولو بالإجمال والتفصيل، مثل: الإنسان حيوان ناطق. فماهية الإنسان نفس ماهية حيوان ناطق، وحمل حيوان ناطق على ماهية الانسان بغض النظر عن افراده. وإذا قلت: الإنسان كلي هو حمل على المفهوم لان الافراد لا تكون كليات.
  وفي الحمل الشايع الصناعي الحمل بلحاظ المصاديق مثل: الإنسان كاتب، فلا بد من اتحاد في الوجود دون الماهية.
  وفي غير هذين الحملين، هل يمكن تصور الحمل في المتحدين مفهوما وماهية ومصداقا، مثل أن يقال: الإنسان بشر، أو الإنسان إنسان. نقول: يمكن الحمل لو تصورنا له فائدة، إلا أننا لا يمكن تصور الفائدة مع الاتحاد التام مفهوما وماهية ومصداقا.
 ثم إن ما توهم من حمل الشيء على نفسه مثل قولنا: عليٌ علي؟ فليس من الاتحاد الكامل التام، فالمسند اليه والمسند في العبارة متحدان ماهية ومصداقا لكنهما مختلفان مفهوما، فإن القائل مثلا يريد الفات نظر المخاطب وينبهه أن عليًّ الذي يقف أمامك هو نفسه الفارس الشجاع الذي هو في ذاكرتك. وهذا نوع من التغاير. بعبارة اخرى إن كان هناك فائدة والحمل أمر عرفي تعارف عليه عقلاء الناس للتعبير، وعقلاء الناس لا يفعلون شيء من دون حاجة، لا بد من حكمة، والحكمة هي الفائدة، فإذا كان هناك فائدة من هذا التعبير فيصح الحمل ولا فلا.
  وبعد هذه المقدمة نقول في صحة الحمل: إن كان الحمل على الماهية بالحمل الذاتي الأولي فهو علامة كونه موضوعا له يدل على المعنى الحقيقي المشكوك.
  وإن كان الحمل على الأفراد أي بالحمل الشايع الصناعي كان علامة على كون الافراد أفراد ومصاديق حقيقية. مثلا: ماء البحر، المقصود مصداق هذا الماء.
  ثم إن الحمل على الافراد قد ينفعنا في تعيين الموضوع له في بعض الحالات فمثلا: لو دار الأمر في وضع كلمة " صعيد " بين مطلق وجه الأرض وبين خصوص التراب ولا ثالث لهما، فإذا صح حمل لفظ " صعيد " على فرد من الأرض غير التراب كالصخر، فيلزمه الوضع لمطلق وجه الأرض. والامثلة كثيرة.
  تقسيم الحمل:
  وكما كان في التبادر، تارة تكون صحة الحمل عند المستعلم، وتارة يكون عند أهل المحاورة.
  وقد تمَّ توضيحهما في التبادر، فلا نعيد، كما أن إشكال الدور الذي ورد في التبادر يأتي هنا أيضا، التبادر يتوقف على العلم بالوضع والعلم بالوضع يتوقف على التبادر. وهنا صحة الحمل متوقفة على العلم بالوضع والعلم بالوضع متوقفة على صحة الحمل.
  والجواب الجواب: أن الموقوف عليه غير الموقوف عليه، هناك علمان علم ارتكازي إجمالي وعند الشك دفين وهناك علم تفصيلي ملتفت اليه. العلم بالوضع يتوقف على العلم الارتكازي أما العلم التفصيلي صحة الحمل فيتوقف على العلم بالوضع.
  إشكال الإمام الخميني (ره):
  في مناهج الوصول [1] ج 1 ص 127و 128 يشكل السيد الخميني (ره) بأن صحة الحمل لا تكون علامة على الحقيقة، لا في الحمل الذاتي الاولي ولا في الشائع الصناعي، لأن الاستشهاد (بصحة الحمل) إما أن يكون بصحته عنده أو عند غيره.
  أما الحمل الاولي عند المستعلم فإن التصديق بصحة الحمل الأولي يتوقف على العلم باتحاد المعنى مع اللفظ بما له من المعنى الارتكازي مفهوما، وهذا عين التصديق بوضع اللفظ للمعنى، فلا مجال لتأثير صحة الحمل في رفع الشك.
  وأما الحمل الأولي عند غيره فلأنه لا يمكن الكشف عن كونه حملا أوليا إلا مع تصريح الغير به، فيرجع إلى تنصيص أهل اللسان، لا إلى صحة الحمل أو العمل بوحدة المفهومين، فلا يبقى شك حتى يرفع بصحة الحمل.
  وأما الحمل الشائع فلما كان على قسمين: حمل بالذات وحمل بالعرض، فمع الترديد بينهما لا يمكن الكشف (إلا بالتصريح)، ومع التميز فلا شك حتى يرفع به، لأن العالم بأن الحمل بالذات عالم بالوضع قبل الحمل.
 
  والحمد لله رب العالمين.


[1] مناهج الوصول،ج 1، ص 127و 128