الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

34/02/03

بسم الله الرحمن الرحیم

 وضع المركبات.
  المركب: بما هو مركب ينحل إلى أجزاء أقلها اثنان، ففي القضايا الحملية إلى موضوع ومحمول ونسبة، فمنها ثلاثة أوضاع على الاقل: الموضوع والمحمول والهيئة التركيبية. ففي قولنا " زيد إنسان ". هنا ثلاثة أوضاع:
  الاول: وضع لفظ زيد بالوضع الخاص والموضوع له الخاص وهو هذا الشخص.
  الثاني: وضع لفظ إنسان بالوضع العام لكلي الانسان.
  الثالث: الهيئة التركيبية للمسند والمسند إليه، التي لا بد فيها من الهوهوية مصداقا والتغاير مفهوما.
  أما لو قلنا: " زيد عالم "، فهنا أربعة أوضاع:
  الاول: وضع زيد بالوضع الخاص.
  والثاني: وضع مادة " عالم " بالوضع العام.
  والثالث: وضع هيئة " عالم " للنسبة الناقصة بين العام وفاعله القائم به أي صيغة اسم الفاعل.
  والرابع: الهيئة التركيبية من إسناد " عالم " إلى " زيد " بما فيها من اتحاد المصداق، والمغايرة في المفهوم، وما فيها من مداليل كالتأكيد، حيث إن علماء البلاغة قالوا: إن الجملة الإسمية تشتمل على التوكيد بما لا تشتمل عليه الجملة الفعلية، حيث إنني في قولي: " عِلم زيد " اسندت العلم إلى زيد مرّة واحدة، بينما في قولي: " زيد عالم " أسند العلم إلى زيد مرتين، مرّة في هيئة المحمول، ومرّة في حمل المحمول على الموضوع.
  إلى هنا هذا أمر لا خلاف فيه، وإن ورد الكلام في أن الهيئة وهي أمر نسبي ربطي، هل هي موضوعة بالوضع العام والموضوع له خاص، أم بالوضع العام والموضوع له عام؟
  لكن وقع الكلام في الحاجة إلى وضع آخر غير هذه الاوضاع، فهنا نحتاج إلى وضع آخر غير وضع المواد والهيئات؟
  قد يقال للوهلة الاولى أننا لسنا بحاجة إلى وضع آخر، لكن وقع الاشكال في التعابير التي تعبِّر عن الصور والتمثيل، فمثلا: إذا أردت أن أمثل للرجل المتردد وأعطيه صورة فأقول: أراه يقدِّم رجلا ويؤخر اخرى. فإنه نرى أن تركيب " أراه " فيه أربعة أوضاع:
  الاول: وضع مادة رأى. الثاني: وضع الضمير " الهاء ". الثالث: وضع إسناد الفعل إلى الفاعل في " أرى ". الرابع: وضع هيئة الفاعل والفعل والمفعول به. وهلمَّ جرَّا بقية الالفاظ؟
  ثم إنه لا شك ولا ريب في كون الالفاظ مستعملة في معانيها الحقيقية، وليست مجازا في المفرد ولا في الاسناد. ولا شك في استفادة معنى آخر غير المعنى الحقيقي. فأن المعنى الحقيقي هو الرجل الذي يقدم رجلا ويؤخر أخرى، والمعنى المستفاد هو " الرجل المردد " فمن أين أتى هذا المعنى؟
  إن هذه الصور والتشبيه قد استفيد من التركيب للكل، مما دفع البعض للقول بان هناك وضعا آخر للمركبات بمجموعها غير الاوضاع المذكورة بموادها وهيئاتها.
  يقول صاحب الكفاية الآخند (ره) السادس: لا وجه لتوهم وضع للمركبات غير وضع المفردات، ضرورة عدم الحاجة إليه بعد وضعها بموادها في مثل زيد قائم، وضرب عمرو بكرا، شخصيا وبهيئاتها المخصوصة من خصوص إعرابها نوعيا ومنها خصوص هيئات المركبات الموضوعة لخصوصيات النسب والاضافات بمزاياها الخاصة من تأكيد وحصر [1]
  وغيرهما نوعيا، بداهة أن وضعها كذلك وافٍ بتمام المقصود منها كما لا يخفى من غير حاجة إلى وضع آخر لها بجملتها، مع استلزامه الدلالة على المعنى تارة بملاحظة وضع نفسها وأخرى بملاحظة وضع مفرداتها، ولعلَّ المراد من العبارات الموهمة لذلك هو وضع الهيئات على حدة غير وضع المراد، لا وضعها بجملتها علاوة على وضع كل واحد منها. انتهى كلامه رفع مقامه.
  إذن الكلام إذا أخذت مفرداته بما فيها من الهيئة التركيبية، أصبح بذلك تاما مبنى ومعنى، فلا تبقى حاجة لغرض وضع جديد للمجموع من حيث هو مجموع كما هو واضح لكن الاشكال يبقى قائما: ما هو وجه استفادة المعنى من المجموع كالمتردد، بعد ان كانت الالفاظ بأجمعها قد استعملت في معانيها الحقيقيَّة؟
  والحمد لله رب العالمين.
 
 
 


[1] وذلك مثل: تقديم ما حقه التأخير، فانه يدل على الاهتمام والحصر كما في قوله تعالى: " إياك نعبد " بدل نعبدك، فإن الكاف ضمير متصل، ورغم أن النحاة قد ذكروا أنه مهما أمكن الاتيان بالضمير المتصل فهو اولى من الإتيان بالضمير المنفصل. وقال أهل اللغة: خير الكلام ما قلَّ ودلَّ، حيث إن نعبدك أقل من " إياك نعبد " ولكن بداعي الحصر والاهتمام تمَّ تقديم الضمير المنصوب المتصل، ولا بد حينئذ من جعله ضميرا منفصلا.