الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

34/01/27

بسم الله الرحمن الرحیم

 تبعية الدلالة للإرادة
  الثمرة من بحث هل الدلالة تابعة للإرادة أم لا؟
  ونقصد من بحث الثمرة أمرين: الاول: أن يصبح عندنا ديدن وهو ما الثمرة من البحث، هل هي مجرد ترف فكري أو مجرد كلمة قالها العلماء كالشيخ الرئيس والمحقق الطوسي (ره) وعلَّق عليها بعض الافاضل مثل صاحب الفصول وصاحب الكفاية (ره) فصرنا مضطرين لتحقيقها في الاصول، أو أن هناك ثمرة؟.
  أحب أن يُبنى درس الطالب على ما يستفاد منه لان العمر قصير والعلم كثير ومهما غصنا في العلم فإنك لا تبلغ مداه، الإنسان محدود والمعلومات محدودة وكثيرة ولمحدودية الانسان يقول الله عز وجل: " يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيت من العلم إلا قليلا " عبَّر بالعلم بدل العقل. وهناك نكته في التفريق بين العقل والعلم سنبحثها إن شاء الله لأهميتها في إثبات رسالة النبي محمد (ص).
  والشيء الآخر أحب أن تُبنى ذهنية الطالب على أن الدرس عبارة عن بناء فكري وليس مجرد معلومات، هناك الآن في الحوزة أسلوب ان أعطي زخماً من المعلومات، بعكس أسلوب أن أعطي الأساس القواعد والمفاصل وعلى الطالب أن يقرأ ويفصل ويطالع وهذا الاسلوب هو ديدن العلماء القدماء، ولذلك الشهيد (ره) كان يقول: " أوصيكم بصغار المتون " لأنه عندما استطيع استيعاب القواعد الاساسية حينئذ نستطيع أن نطالع ونفهم، وهذه هي مقدمة الاجتهاد. أما الطريقة الاولى ولها فضل ولكن هي ديدن المتأخرين في السنوات القليلة الماضية، إعطاء زخم من المعلومات، ولذلك عندما كتبت كراس المنهجية وقسمت الشبهات إلى ثلاثة: الحكمية والمفهومية والمصداقية. إنما كان هذا التقسيم لأجل فهم المفاصل كيف نبدأ وكيف ننتهي، أو في مقام الدراسة أنه لا بد من رؤوس مطالب نحوية واصولية ومنطقية وبمنهجية صحيحة، حينئذ يستطيع الطالب أن يبني نفسه ويستوعب ثم يتوسع.
 ونعود لمسألتنا تبعية الدلالة للإرادة مسألة ترف فكري أو أن لها ثمرة؟.
  الثمرة الاولى: معرفة الكيفية البنيوية للألفاظ وللأوضاع. تركيب الالفاظ وتركيب الاستعمال. هذه المسألة لها ثمرة في مباحث الالفاظ الأخرى نفهمها باستيعاب جيد، هذه الثمرة ليست نظرية ولها الأثر في فهم مسائل مباحث الألفاظ هل يمكن ان تكونت الهيئة معلّقة أو لا؟ فهم المعنى الحرفي، المطلق والمشروط أو مسألة استعمال اللفظ في أكثر من معنى، هل اللفظ فانٍ في معناه، ما معنى الفناء؟ لأنه إذا كان فانيا لا يجوز استعماله في أكثر من معنى.
  الثمرة الثانية: بناء على كون الدلالة تابعة للإرادة أي دلالة اللفظ الدلالة التصديقية الاولى، فإن ارادة المعنى من اللفظ لا تحتاج أكثر من اللفظ، أي ناشئة من نفس اللفظ وسببها التبادر. بينما بناء على أن الدلالة التصورية فإرادة التفهيم تحتاج إلى إثبات الآخر. قد يقال: أنه على كلتا الحالتين نحتاج إلى أصل عقلائي عند الشك. فنقول: أن الأصل إذا قلنا أن الدلالة تابعة للدلالة التصورية يختلف عن الاصل بأنه إذا قلنا بأن الدلالة هي الدلالة التصديقية. فهناك أصلان، فإذا قلنا بأن الدلالة هي التصورية فالأصل العقلائي هو أصالة القصد وأصالة السند، أصالة ارادة التفهيم. بينما بناء على أن الدلالة هي الدلالة التصورية الاولى فإرادة التفهيم تكون جزء من الموضوع له فصارت ارادة التفهيم تتبادر من نفس اللفظ، يعني تحتاج إلى اصالة الحقيقة عند الشك وليس إلى اصالة القصد، تماما كما في كلمت " رجل " التي يتبادر منها معنى الحيوان الناطق الذكر البالغ. هذا المعنى نشأ من نفس اللفظ تبادرا، ولو شككت فإنا بحاجة إلى أصالة الحقيقة.
  الثمرة الثالثة: التي يمكن أن نتصورها وليست ثمرة بمعنى ثمرة، بل بمعنى تسليط الضوء على المراحل التي نستفيد منها المعنى اللغوي، المرحلة الاولى الإخطار وهي الدلالة التصورية، المرحلة الثانية الاستعمال وهي موقع المراد الاستعمالي الدلالة التصديقية الاولى، والمرحلة الثالثة عدم الهزل والارادة الجدية وهي الدلالة التصديقية الثانية.
  فاختلاف الاصالات بين أن تكون الدلالة هي الدلالة التصديقية الاولى أو أن تكون هي الدلالة التصورية يؤدي إلى اختلاف في إثبات دلالة التفهيم الذي قد يؤدي إلى اختلاف في إثبات المراد الجدي.
  الثمرة الرابعة: هي ثمرة فقهية وهي الاساس، نحن ندرس الاصول لأجل الفقه، هل هناك ثمرة فقهية؟ ونضطر كما يفعل بعض الاصوليين أن نطرح الثمرة على النذر وقسيميه العهد واليمين، وهي ليست ثمرة معتدا بها.
  يمكن أن نقول أن كل حكم موضوعه كلام الآدميين يمكن أن يكون ثمرة، مثلا: من تكلم ساهيا. لو فرض أنه ورد في الروايات " من تكلم ساهيا فعليه سجدتي السهو " شرط أن يعتبر الكلام كلام آدميين وله معنى. الكلام هو اللفظ الدال على معنى.
  إذا قلنا أنه " من تكلم ساهيا " هذا التعبير هل يمكن أن نحمله على المعنى الحقيقي؟ بناء على أن الدلالة تابعة للإرادة والدلالة هي التصورية الاولى؟ فعندما يكون ساهيا ليس هناك إرادة ولا يعتبر كلاما، فهناك في من تكلم ساهيا نوع من التناقض فيما لو حُمل " تكلم " على المعنى الحقيقي. لذلك في قطر الندى في الصفحة الاولى يعبر " الكلمة قول مفرد " ويقول إنما قلت كلمة " قول " ولم أقل لفظ موضوع، لم استخدم الوضع لان استعمال الاجناس البعيدة في الحدود، فذلك معيب عند أهل النظر. بعبارة أخرى لو جعلنا القصد جزءا من المفهوم فكلمة " من تكلم ساهيا " إذا اردنا أن نجعل من تكلم على المعنى الحقيقي هناك نوع من التناقض لأن السهو لا يكون من الكلام حينئذ، فلذلك كلمة " من تكلم ساهيا " إما أن نجعلها مجازا أو غلطا، وهي ليست غلطا واقعا فلا بد من كونها مجازا، لأنه لا يمكن أن تكون ارادة تفهيمية مع السهو. حينئذ فلا بد من التصرف بكلمة " من تكلم " أو " ساهيا " هل المراد من السهو السهو في الكلام أو السهو عن الصلاة.
  فحمل تكلم على معناها الحقيقي يقتضي أن يمون السهو سهوا عن الصلاة لا في الكلام، فصارت سجدتي السهو واجبة لكل من تكلم سهوا عن الصلاة وليس عن نفس الكلام. هذا كله إذا قلنا بأن الدلالة تابعة للإرادة بمعنى أن الدلالة هي التصديقية الاولى التفهيمية الاستعمالية. أما إذا قلنا بأن الدلالة هي الدلالة التصورية، حينئذ " تكلم ساهيا " لا تهافت فيها ابدا مع حمل تكلم على المعنى الحقيقي.
  مثال آخر: عند مذاهب العامة الطلاق يقع وإن لم يكن عن قصد، واختلفوا في ذلك. هل يقع من السكران والهازل والساهي، وذلك نتيجة رواية رووها عن رسول الله (ص): ثلاثة جدهن جد وهزلهن جد، الطلاق والنكاح والعتاق " طبقت هذه المسألة في الطلاق دون النكاح والعتق. فالطلاق عند المسلمين الشيعة معقَّد له شروط، بينما هم يسهلون الزواج كثيرا، فلا يحتاج إلى شاهدين وليس فيه شروط غير الولي. فهذا ديدن علماء الامامية التسهيل بينما في الطلاق تشترط الصيغة والشهود، أما فقهاء ابناء العامة فعلى العكس.
  فالطلاق عند ابناء العامة كلام آدميين وهو كلام وصيغة إذا قلنا بأن اللفظ موضوع للدلالة التصورية الاولى نتيجته أن هذا الطلاق يتم. أما إذا قلنا بأن الدلالة هي التصديقية الاولى أي أن الإرادة التفهيمية جزء من المفهوم، جزء من الموضوع له فالنتيجة أن الطلاق سهوا ليس طلاقا لأنه ليس كلاما، لذلك في الرواية قال: " ثلاثة جدهن جد وهزلهن جد " الهزل نطرده بأصالة الارادة الجدية أما السهو فنطرده في مرحلة الإرادة الاستعمالية بأصالة القصد.
  فإذا قلنا: إذا طلق هازلا فقد تم الطلاق على القولين. أما إذا قال: طلق ساهيا أو ناسيا، فعلى
  فائدة: الفرق بين الظاهر والنص: أن الظاهر يحتمل الخلاف بينما النص لا يحتمله، مثلا: إذا كان العلماء ثلاثة: زيد وبكر وعمرو. إذا كان نصا أقول: " جاء زيد وبكر وعمرو. وإذا كان ظاهرا أقول: " جاء العلماء " ولذلك النص يأبى التخصيص بينما الظاهر يحتمل التخصيص، فهل استطيع أن أقول: " جاء زيد وبكر وعمرو، إلا زيد؟ فلا أستطيع التخصيص لأنه نص. بينما في الظهور " جاء العلماء " استطيع أن اخصص بـ " إلا زيد " وذلك سببه بأن الظاهر يحتمل الخلاف الذي هو ملغا عند العقلاء.
 القول بأن الدلالة تابعة للإرادة لا يحصل الطلاق صار مجرد لقلقة لسان ليس مقصوداـ فلا يعتبر كلام آدميين " فطلق ساهيا " أيضا فيه نوع من التهافت بناء على أن الدلالة تابعة للإرادة.
  ملخص هذه الثمرة الاخيرة: أن كل حكم كان موضوعه كلام الآدميين يمكن أن يكون ثمرة عملية في هذا البحث.
  وأكرر إني أحب أن لا يكون البحث مجرد تراكم معلومات وترف فكري بل أحب أن تكون الغاية التفهيم. وسيكون كتاب الكفاية هو المتن الدراسي المعتمد للأصول فيكون هناك درس خارج واستفادة من متن الكفاية، والكفاية ليست معقدة في الالفاظ، نعم هناك مشكلة في إرجاع الضمائر وصاحب الكفاية يحب السجع (ره)، قيمة الكفاية أن كل عبارة وراءها مطلب أصولي أو فلسفي. بعبارة أخرى إذا أردت أن تشرح مطالب الكفاية كمطلب تصبح أكثر من عشر مجلدات لأنه يتكل على قضايا فلسفية واصولية، فالكفاية غنيَّة جدا. وقد حاول بعض العلماء أن يحرر كتاب أصول عبارة عن إشارات فلم ينجح. والحلقات قيمتها في المنهجية وادخال الآراء الحديثة. نعم في الكفاية مطالب ليس لها ثمرة ولكنها قليلة، ومع ذلك فالكفاية لا تترك.
 
  والحمد لله رب العالمين.