الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

34/01/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 تبعية الدلالة للإرادة
  النقطة الثالثة: هل الدلالة تابعة للإرادة؟
  ذهب صاحب الكفاية (ره) إلى عدم تبعية الدلالة للإرادة، حيث يقول في مقدمات مباحث الالفاظ: الخامس: لا ريب في كون الالفاظ موضوعة بأزاء معناها من حيث هي، لا من حيث هي مرادة للافاظها بما عرفت بما لا مزيد عليه من أن قصد المعنى على انحائه من مقومات الاستعمال، فلا يكاد يكون من قيود المستعمل فيه. هذا مضافا إلى ضرورة صحة الحمل والاسناد في الجمل بلا تصرّف في ألفاظ الأطراف، مع أنه لو كانت موضوعة لها بما هي مرادة لما صحّ بدونه، بداهة أن المحمول على زيد في " زيد قائم " والمسند إليه في " ضرب زيد " مثلا هو نفس القيام والضرب لهما بما هما مرادان، مع أنه يلزم كون وضع عامة الألفاظ عاما والموضوع له خاصا لمكان اعتبار خصوص إرادة اللافظين فيما وضع له اللفظ، فإنه لا مجال لتوهم أخذ مفهوم الإرادة فيه كما لا يخفى. انتهى كلامه زيد في علو مقامه.
  ولا بأس ببيان كلامه (ره) : فقد استدل على كون الألفاظ موضوعة لمعانيها مجردة عن الإرادة بثلاثة أمور:
  1. إن قصد المعنى على أنحائه من مقومات الاستعمال، فلا يمكن أن يكون من قيود المستعمل فيه، فإن الاستعمال متأخر رتبة عن المستعمل فيه، لأن المستعمل فيه موضوع للاستعمال، ولذا فالارادة الموجودة عند المستعمِل (بالكسر) حال الاستعمال متأخرة رتبة عن الإرادة المأخوذة في المستعمل فيه، فلا يمكن أخذها في المستعمل فيه، وإلا لزم أخذ المتأخر في المتقدم وهو محال.
  2. إننا نشعر بوجداننا اللغوي أن استعمالات ألالفاظ في أطراف الجملة تكون بلا تصرف، ولو كانت الإرادة مأخوذة في الموضوع أو المستعمل فيه للزم أحد ثلاثة أمور:
 إما التجريد ولزوم المجاز، وإما الغلط، وإما أن تصح القضايا وكلها ذهنية. وكلها لوازم باطلة. فإن الغرض من القضايا الاخبار عن الأمور الخارجية، فمن دون تجرد عن القصد لزم أن تصبح القضايا ذهنية والإخبار إخبار عن الذهنيات إذ الموضوع مقيد بأمر ذهني وهو القصد، والمقيّد بالذهني ذهني.
  وإما أن يكون الحمل مع التجريد عن الإرادة غلطا لأنه حملت على غير الموضوع المقصود وذلك في حال عدم وجود علاقة مجازية مصححة للمجاز، فقد استعملت اللفظ في غير ما وضع له من دون علاقة مصححة، وهذا غلط. وإما أن يكون الحمل مع التجريد عن الإرادة ولكن مع علاقة مصححة للمجاز فيكون مجازا لأنه استعمال للفظ في غير ما وضع له. وبالنتيجة يلزم: إما صيرورة القضايا كلها ذهنية، وإما التجريد والغلط، وإما التجريد والمجاز وكلها باطلة.
  ويمكن ان يستدل له أيضا بوجوه ذكرها المشكيني (ره):
  1. إن لازم هذا القول كون عامة الألفاظ مبنية، لأن المأخوذ هي مصاديق الإرادة والإرادة من المعاني الحرفية، فتكون جميع الألفاظ متضمنة لمعنى حرفي.
  2. لزوم أحد أمور ثلاثة في متعلقات الأوامر وكلها بيِّنة البطلان. ففي قولنا:" أكرم عالما " إما أن يتعلق الطلب بأمر ذهني، حيث إن كلمة " عالما " لما كانت موضوعة للعالم مع قصد معناه، والقصد أمر ذهني والمقيَّد بالذهني ذهني، فلا يتحقق الامتثال لعدم القدرة على اتيانه خارجا، فتكون الأوامر كلها أوامر بالمحال. وإما الغلط، وإما المجاز مع التجرد في حال وجدت العلاقة المصححة للمجازية، والالتزام بالغلط والمجاز في كل القضايا باطل بالوجدان اللغوي.
 
 والحمد لله رب العالمين.