الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

33/11/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 تقرير الاستاذ
 المعنى الحرفي:
 المختار:
 ذكرنا أن الوضع هو حاجة بشرية للبيان والتفهيم، ولما كانت المعاني المستقلة من جواهر وأعراض تحتاج إلى رابط بينها لتتم اللغة، كان لا بد من وضع معنى للحرف، ولما كانت المعاني الرابطة غير متناهية وهي تارة كلية وجزئي مثل: " سر من النجف الأشرف إلى قم المقدسة" وأخرى جزئية خارجية مثل " سرت من الجنف " ، تمَّ الوضع لها على نحو القسم الثالث، وهو أن أتصور معنى عاما وأضع للأفراد غير المتناهية.
 تقرير الطالب
 تلخيص للمعنى الحرفي والمختار
 تلخيص للمعنى الحرفي والمشكلة فيه وإن كان الشيخ محمد جواد مغنية (ره) في أصول الفقه في ثوبه الجديد عندما يأتي للمعنى الحرفي يبدأ بعبارة جميلة، يقول (بالمعنى): لا بد أن نسير خطوة خطوة لنفهم ما أبهم عليَّ وعليك.
 وجدوا في المعنى الحرفي أنه لا يمكن استعمال الاسم مكان الحرف، تبديل الاسم مكان الحرف يكون خطأ وليس مجرد تسامح، أي أن هناك معنيين أو معنى واحد، " سرت من البصرة " معنى جزئي لأنه مشخص في الخارج، " سر من البصرة " معنى كلي حيث الامتثال يشمل كل نقاط الابتداء، المعنى الحرفي كلي أو جزئي، هنا بدأت الانظار تختلف من التفريط بجعل الحروف بلا معنى أصلا، ليست موضوعه أصلا بالمعنى الاصطلاحي فجعلت علامة بلا قيمة، إلى أقصى التطرف قول صاحب الكفاية (ره) أن المعنى الحرفي نفس المعنى الاسمي ولكن اللحاظ شرط في الاستعمال.
 المعنى الحرفي هو معنى رابط، صاحب الكفاية قال: أن اللحاظ في المعنى الحرفي لا يمكن أن يؤدي إلى جزئية في المعنى الموضوع له فلا يمكن أن يكون خاصا، والسبب في ذلك أن هذا اللحاظ جزئي وإذا كانت هذه الجزئية جزء من المعنى ما هو هذا الجزئي؟ إما ذهنيا أو خارجيا. وعى الأول أصبحت الامور محال في الظرف الخارج أو مجاز، وإذا كان جزئيا خارجيا فماذا تفعل في " سر من البصرة " " من" حرف جر وهي كلي، ماذا تفعل بالكليات. هذا كما ذكرنا مردود بأن الكليات والجزئيات في الحروف تتبع المربوطين لا مانع أن يكون " سر من البصرة " أمر كلي لان المربوطين أمران كلي، أو " سرت من البصرة " أمر جزئي، فالمربوطين أمر جزئي.
 وأما قولك إذا كان ذهنيا لا ينطبق على الموجودات الخارجية، هذا كله أن الذهنية تلاحظ فيه مرآة للخارج ولا ينطبق على الخارج، كما في تصور " القلم " الصورة الذهنية ويأتي الامتثال في الخارج لأن هذه الصورة مرآة، وهذا الكلام بعينه يكون في اللحاظ الآلي وفي اللحاظ الاستقلالي.
 ثم ذكرنا الاشكال على الذهنية الاستقلالية، أنه عندما أشكل على أمر لا يعني أنه دليل على أمر آخر.
 المختار: ذكرنا في إحدى المقدمات أن المعاني الممكنة تارة مستقلة في الذهن والخارج ويسمونها الموجود لا في موضوع، وتارة مستقلة في الذهن وفي الخارج تحتاج إلى موضوع وهي الاعراض كالبياض، وتارة لا في الذهن مستقلا ولا في الخارج وهو المعنى الحرفي، ولذلك الوجود كلي مشكك ولذلك قالوا أن المعنى الحرفي أضعف الوجودات وجودا، والجواهر أقوى وجودا والاعراض أقل والحروف أقل وأقل.
 سؤال: هذا المعنى الثالث الذي هو الرابط الفاني في غيره، هذا المعنى موجود وضرورة للغة لا بد من الرابط، مثلا: " زيد الدار " كيف أفهم هنا الظرفية، هناك نسبة بينهما، هذه النسبة تحتاج إلى ما يبينها، وبكل بساطة اللغة أليست للبيان والتفهيم هذا القسم الثالث يحتاج إلى ما يبينه، هنا المعنى الحرفي يحتاج إلى ما يبينه فلا بد من وضع له، وإذا كانت المعاني مستقلة ولا رابط بينها لا يمكن تفهيم المراد كما في " زيد الدار " الرابط بينها هو الظرفية، هذه الظرفية إذا كانت رابطة بين المعنيين المستقلين وتحتاج إلى الربط، أليس من حكمة الواضع أن يضع لكل المعاني وهذا المعنى يحتاج للوضع، فالوضع حاجة انسانية بشرية انتظامية.
 إذا وصلنا لهذه المرحلة فإذن هذا المعنى ليس مجرد علامة وكاشفا عن معنى، كما في " جاء الولدُ " الضمة تكشف عن أن الولد فيه معنى الفاعلية وليس موضوعا لمعنى الفاعلية. أما هنا فالأمر مختلف هذه النسبة بمعنى يحتاج إلى وضع وإلا تصبح كل كلمة منفردة، وهنا إذا كانت تحتاج إلى وضع كيف يتم هذا الوضع في هذا النوع من المعاني الذي هو معنى رابط فانيا في غيره يوجد معنى في غيره وهو ليس معنى مستقلا، لا يمكن أن أضع له وحده لان هذه المعاني لا حد لها ولا حصر، فهذا الجزئي يختلف عن ذاك الجزئي وغيره في المشخصات، وهذه المشخصات غير متناهية فماذا أصنع؟ لجأت إلى القسم الثالث أي أن أجعل معنى عاما يكون وجها وعنوانا للأفراد اللامتناهية لأن الوضع لها شخصيا محال. ولذلك كان الوضع عاما والموضوع له خاصا، وذلك نتيجة أني لا يمكن أن أضع لها لكل فرد فرد.
 الخصوصية في الموضوع له وليس في المستعمل فيه وليس شرطا في الاستعمال كما ذكرنا أمس لأن الشرط في الاستعمال لا يؤدي إلى خطأ بل يؤدي إلى معصية الصانع أو الواضع ... وعليه نحن نحتاج إلى وضع لهذه الافراد ولا أستطيع تصورها جميعها فردا فردا وأضع لها فالجأ للقسم الثالث الذي ابتكره العقلاء في مقام الاوضاع لأجل هذه الحالات كالحروف أو لحكمة ما أن أضع مثل العلم الجنسي، حينئذ فأتصور شيئا وأضع لآخر، كما في المثال: أن أرى صورة المرأة التي هي حاكية عن الزوجة المطلوبة للزواج، الحكم ينطبق على المحكي وليس على الحاكي، هذا موجود عند العقلاء بشرط أن يكون هناك أمر مشترك بينهما. أما المباين كليا حتى إجمالا وارتكازا فمحال، فلا بد أن يكون هناك واقعا للحكاية ولا يكف الاعتبار في ذلك. إذن لما وجد العقلاء أنهم بحاجة إلى هذا النوع من الاوضاع وبحاجة لوضع للحروف لا بد من الوضع لهذه النسب، وهذه المعاني جزئية ولا يمكن تصور كل الجزئيات لأنها لا تعد ولا نهاية لها فلا بد من تصور معنى عام وهو كلي الظرفية مثلا والوضع للأفراد.
 إلى هنا نكون قد انتهينا من المعنى الحرفي ونكون قد ذهبنا إلى أن الوضع عام والموضوع له خاص.
 غدا نبين الحاجة والثمرة لهذا البحث.
 والحمد لله رب العالمين.