الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

33/11/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 تقرير الاستاذ
 الدليل على عدم إمكان القسم الرابع والجواب عليه.
 المختار.
 أما بيان عدم إمكان القسم الرابع: ان الخاص مفهومه ينقسم إلى جزأين: العام والخصوصيات، فهنا حالتان:
 تصور توحيدي وتصور تحليلي.
 فإما أن يقوم العقل بعملية تجريد للخصوصيات فيبقى العام وحده بعملية تحليلية، وحينئذ أتصور العام بنفسه ويكون الوضع من القسم الثاني، أي الوضع عام والموضوع له عام.
 وإما أن يتصور الجزئي أي الخاص بكامل خصوصياته وأجزاء مفهومه ومنها العام، فيتصور الكلي والخصوصيات من دون تحليل بل لوحده، فيكون الجزئي والكلي أي العام والخاص متباينان مفهوما تباينا كليا، فلا يمكن أن يكون الخاص وجها ووسيلة لتصور العام، لأنه لا بد من جهة اشتراك، فيكون القسم الرابع محالا.
 ولكن يشكل عليه:
 إن العام أيضا على هذا الكلام مباين للخاص فكيف أخذ عنوانا للخاص في القسم الثالث؟ ولذا ذهب الإمام الخميني (قده) في مناهج الوصول في ج1ص60 إلى إمكان القسم الرابع والثالث.
 والتحقيق أن يقال:
 إن المباينة تارة تكون كلية وفي كل الجهات، وحينئذ لا يمكن أن يكون المباين وجها.
 وإما أن يكون المفهوم مباينا مع العلم ببعض أنحاء الاشتراك إجمالا ومن دون تفصيل، فهذا كاف لأن يكون وجها وعنوانا.
 ومسألتنا من هذا القبيل، فالقسم الرابع ممكن، إلا أن الفرق بين الثالث والرابع أن الانتقال من العام إلى الخاص انتقال إلى أفراده غير متناهية لا يمكن تصورها جميعا فاضطررنا لتصور ما هو حاك عنها.
 وأما الانتقال من الخاص إلى العام فهو انتقال إلى مفهوم واحد بسهل تصوره، فلا مبرر عقلائيا للقسم الرابع، بل يصبح من القسم الثاني قهرا.
 والذي يسهل الخطب قلة فائدة هذا البحث.
 تقرير الطالب
 ذكر ملخص لما مرَّ، وأما الكلام في القسم الرابع:
 - ذهب الكثيرون إلى عدم إمكانه ووقوعه.
 - الدليل على عدم إمكان هذا القسم.
 - الجواب عليه.
 - المختار في المسألة.
 أما عدم إمكان القسم الرابع الذي هو الوضع خاص والموضوع له عام، أي أن أتصور الجزئي وأضع للكلي. فقد اختلفت الانظار في ذلك، وللتوضيح: نحن نعلم أن الجزئي عبارة عن كلي تشخص بمشخصات خارجية، مثلا: رجل كلي وزيد جزئي، زيد عبارة عن رجل زائد المشخصات الخارجية، لأن الشيء ما لم يتشخص لا يوجد، ولذلك في المنطق هناك مسألة أن الكلي هل يوجد بوجود أفراده أو بمعنى وجود حصص منه، بالنتيجة هذه المشخصات هي التي تميّز الجزئي. عندما أتصور الجزئي لألتفت وأضع للكلي فهنا كيفيتان في التصور:
 كيفية تحليلية وكيفية توحيدية.
 التصور التحليلي يعني أحلل الجزئي إلى كلي ومشخصاته وألغي المشخصات والخصوصيات فيبقى الكلي وحده فأضع له.
 أما التصور التوحيدي يعني أن أتصور الجزئي كما هو متكاملا من دون تحليل وتجزئ وأضع للكلي من دون تحليل، أي يبقى الجزئي موجودا وأضع للكلي.
 الكلام بالتصور الثاني وذلك لأن التصور الأول هو جزئي أحلله فيصبح كلي ومشخصات ثم أضع للكلي، بالحقيقة هذا من القسم الثاني فليس قسما رابعا في الوضع لأني تصورت الكلي بما هو. عندي تصور عام والموضوع له عام، لأن الجزئي قسمان فبعد التحليل: المشخصات وكلي، يكون قد تصورت الكلي بنفسه وليس بوجهه، فما الفرق بينه وبين القسم الثاني؟ لذلك إذا تصورنا الجزئي تصورا تحليليا تجزيئيا صار من القسم الثاني.
 أما الكيفية الثانية للتصور وهي أن أتصوره موجودا وأضع للكلي، فهنا يختلف عن القسم الثاني لأني لم أتصور العام وحده بل تصورته ضمن وحدة متكاملة ضمن الجزئي وأنا أعلم أنه في ضمن هذه الوحدة المتكاملة كليا. هناك نوعان من التصور: فالأول قلنا أنه يرجع إلى القسم الثاني، الكلام في التصور الثاني الذي ذهب بعضهم إلى إمكانه وبعضهم إلى عدمه. السيد الخميني (قده) كان يقول بإمكانه أما السيد الخوئي (قده) كان يقول بعدم إمكانه وكذلك صاحب الكفاية. فيكون المفْصَل هذا النوع من التصور والوضع ، أي أن تصور الجزئي كجزئي متكامل وأضع للكلي.
 السيد الخوئي وصاحب الكفاية (قدهما) يقولان بأن هذا محال لأن مفهوم الجزئي بما هو وحدة متكاملة يباين تماما العام، والمباين لا يكون وجها لمباينه، فالوجهية تحتاج إلى نوع من الاشتراك والعلاقة. ونذكر أنه في النحو في المبتدأ والخبر استطراد خفيف ولكن ولتوضيح الفكرة، وإذا كان الخبر جملة فلا بد من رابط بينها وبين المبتدأ ولو بنوع من الروابط، وقسموها إلى الضمير والاشارة أو مثل اسم الموصول، الصلة مثلا: جاء الذي ذهب إلى بغداد. ذهب إلى بغداد صلة، قالوا لا بد في صلة الموصول من رابط بينها وبين " الذي " حتى لا تكون الجملة أجنبية كليا مثل: جاء الذي ضربت زيدا، فلا علاقة هنا لأن الصلة مفسرة. وأيضا هنا نفس الشيء عندما يكون الشيء وجها فلا بد من علاقة ومشاركة.
 لذلك: هذا التصور الثاني يجعل الجزئي مباينا للكلي، وكيف يكون المباين صورة ووجها للمباين. هذا ما ذهب إليه صاحب الكفاية والسيد الخوئي (قدهما).
 هنا في هذه النقطة يرد إشكال عليهما: وهو أنه إذا كان الخاص مفهوما مباينا للعام ولا يمكن أن يكون المباين وجها وعنوانا وحاكيا للمباين يكون العكس صحيحا، فالعام أيضا كمفهوم مباين للخاص كما ذكرتم، فكيف يكون العام من القسم الثالث وجعلتموه ممكنا، العام مباين للخاص ووجها له وهو مباين، فمع القاعدة العامة بأن المباين لا يمكن أن يكون وجها، والسبب في محاليَّة الرابع عدم إمكان أن يكون المباين وجها وحاكيا للمباين، وهذا ينطبق إذا تصورنا الجزئي ووضعنا للعام وأيضا ينطبق إذا تصورنا العام ووضعنا للجزئي، لماذا في العام جعلتموه ممكنا بل واقعا في الحروف كما ذكر البعض أو الكثيرون أما الرابع فلأجل هذه النكتة أن المباين لا يمكن أن يكون وجها وحاكيا محال؟!
 فهذا الإشكال حدا بالسيد الخميني (قده) في مناهج الوصول ج 1 ص 60 إلى إمكان القسم الرابع. إذا اردنا تحقيق المسألة وتحديد موقع الخلاف نقول أن مفصل الافتراق وموضع النزاع، هل يمكن للمباين أن يكون وجها لمباينه وحاكيا له أو لا؟
 التحقيق بأن يقال: أن المباينة تارة تكون كليّة ومن كل الجهات وحينئذ لا يمكن أن يكون المباين وجها، ومسألة الوجهية والعنوان والحاكي ليست مسألة اعتبارية بل تحتاج إلى شيء من الامكان أن يكون حاكيا.
 إذن المباينة تارة تكون كليّة ومن كل الجهات وحينئذ لا يمكن أن يكون المباين وجها. وأما أن يكون المفهوم مباينا مع العلم ببعض أنحاء الاشتراك إجمالا وبدون تفصيل ولكني لا أنظر إليه بشكل مستقل هذا كاف في الحكاية والعنوانية، ومسألتنا من هذا القبيل، فالقسم الرابع ممكن. لكن الفرق بين القسم الرابع والقسم الثالث أن الانتقال من العام إلى الخاص أي إلى أفراد العام انتقال إلى أفراد غير متناهية، ففي عالم التصور الكلي أفراده لا تنتهي تصورا وفي الواقع الخارجي يمكن أن تنتهي، مثلا: كالشمس، كلمة الشمس عام أفرادها عدد محدود، سابقا كانوا يقولون أن هناك شمس واحدة، وأيضا كآدم (ع) أول ما نزل إلى الارض العام رجل ومصداقه فرد واحد ومع ذلك لم يصبح اسم علم لآدم.
 وأما في الوجود فقد تنحصر الافراد لكن في عالم التصور والذهن أفراد العام غير متناهية. فإذا أردت أن أضع للأفراد نحتاج إلى تصور العام والوضع للأشخاص، إلى تصور شيء يحكي عنه، أما العكس أن أتصور الجزئي وأضع العام، مفهوم العام مفهوم واحد وليس متعدد، لذلك في الثالث اضطررنا باعتبار أن الأفراد غير متناهية لتصور شيء يحكي عنها وإلا محال أن نضع لكل فرد فرد باعتبار أن الافراد غير متناهية، فتصورت عاما يحكي عنها ووضعت للأفراد بحكمة وهدف، بينما العكس أنا لست مضطرا له أي أن أتصور الجزئي وانتقل للكلي لأن العام فرد مفهوم واحد يختلف.
 هذه نقطة القرق بينهما في عالم الهدف والغاية والامكانية في الوضع، فالنتيجة لا مبرر عقلائي للقسم الرابع إذا أمكن تصور الوحدة الكاملة من دون تجزئ إذا اردت أن أتصور العام، إذا أمكن تصور الشكل الثاني من كيفية التصور.
 غدا نشرع بالمعنى الحرفي.
 والحمد لله رب العالمين.