الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

33/07/02

بسم الله الرحمن الرحیم

 الأصول/مقدمات /موضوع كل علم / موضوع علم الأصول
 بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبينا محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين
 بعد تلخيص ما تقدم، نقول أن الجامع بين الموضوعات هو موضوع العلم لأن موضوع العلم هو الجامع بين موضوعات مسائله، ينطبق عليها انطباق الكلي على أفراده والطبيعي على مصاديقه على ما ذكر صاحب الكفاية (ره).
 أجيب عن ذلك بأمور منها:
 أولا: أن هذه القاعدة فلسفية لها ثلاث تطبيقات:
 تارة في الأمور التكوينية القهرية، وتارة في الأمور التكوينية الحقيقية الاختيارية، وتارة في الأمور الاعتبارية.
 أما في الأمور التكوينية القهرية: ومقصودنا الأمور الحقيقية التي ينتج المعلول عن العلّة قهرا، لازم لا يتخلف، كالحرارة الناشئة من النار. في هذه المسائل القاعدة الفلسفية مسلمة، أما في الأمور الاختيارية التي تحتاج إلى اختيار، فمجرد وجودها لا يؤدي إلى المعلول. هنا هذه القاعدة لا تتم في المسائل الاختيارية وكذلك الاعتبارية، وذلك لأن الاعتبار بيد المعتبر، والاعتبار سهل المؤونة لا مشكلة فيه.
  إذن هذه القاعدة نسلم بها في الأمور التكوينية القهرية أما في الأمور التكوينية الحقيقية الإرادية والأمور الاعتبارية فلا تجري هذه القاعدة. هذا أولا.
 أما في علم الأصول وخصوصا إذا قلنا أن علم الأصول مأخوذ من واقع الكتب، فهو أمر انتزاعي.
 ثانيا: لو سلمنا بالقاعدة، الغرض هل يتحقق من مسألة؟
 الصحيح أن الغرض يتحقق من العلم بأكمله على نحو المجموع وبأمر آخر غير نفس العلم. مثلا في علم النحو: الفاعل مرفوع، المفعول به منصوب، التمييز منصوب، المبتدأ مرفوع إلى آخره. الغرض من النحو عصمة اللسان عن الخطأ في النطق. هذا الغرض ينشأ من العلم بأكمله، ليس من كل مسألة على حدة وليس من الجامع الموجود، لو كان من الجامع والجامع بمجرد وجوده تم الغرض، العلّة بمجرد وجودها يتم الغرض.
 إذا كنتم تقولون أن العلّة هي الجامع بين موضوعات المسائل كما في النحو، الموضوعات هي الفاعل، المفعول، المبتدأ، التمييز، المضاف إليه. الجامع بينها لو كان هو العلّة، وهو ينطبق على الموضوعات تطبيق الكلي على مصاديقه، فبمجرد تحقق فرد واحد وجد الجامع.
 وهو من قبيل "رجل" هو الجامع بين زيد وبكر وعمرو، بمجرد وجود زيد وجد الجامع بين هذه الأفراد الذي هو كلي الرجل، لأنكم أنتم قلتم،(أي صاحب الكفاية (ره)) تطبيق الكلي على أفراده والطبيعي على مصاديقه. فلنطبق هذا المثل هنا: بمجرد وجود أحد أفراد الموضوع وجد الجامع، مع وجود الفاعل وجد الجامع، ومع وجود الجامع فلابد حينئذ من وجود الغرض. هل من مسألة واحدة يتم الغرض؟!
 قالوا أن الجامع هو العلّة التامة، بمجرد وجود فرد هنا تم الجامع بأكمله وليس بجزئه، إذا وجد زيد وجد كلي الرجل، فلو وجدت مسألة واحدة لوجد موضوع واحد فيتحقق الكلي، فينبغي أن يتحقق الغرض بأكمله. وهذا باطل بالوجدان، لأن الغرض يتحقق من مجموع العلم ومسائله أولاً، ومن ممارسته ثانيا. علم النحو درس وممارسة.
 ملخص الكلام: هو أن الغرض ناشئ من مجموع العلم، أما على كلامكم فالغرض يمكن أن ينشأ من أحد المسائل. وذلك لأن الغرض ناشئ من الموضوع الذي هو العلّة، وعليه هذا الموضوع هو الجامع بين الموضوعات، والجامع ينطبق انطباق الكلي على أفراده، فبمجرد وجود موضوع واحد فيوجد الجامع فيوجد المؤثر، فلا بد أن يوجد الأثر. وهذا بالوجدان باطل، لأن الأثر من أمرين من العلم بمجموع مسائله وبممارسته أيضا، فلا يتحقق الغرض من كل مسألة على حدة، ولا من الموضوع وحده ولا من خلال المحمول.
 الجهة الثانية: وهي ما ذكروه أن موضوع العلم ما يبحث عن عوارضه الذاتية. ما معنى العارض؟ وما معنى الذاتية؟ على المشهور.
 المراد من العارض كما ذكره الفياض في بحث السيد الخوئي (قده): هو كل ما يلحق بالشيء ويطرأ عليه سواء كان ذاتيا أم عرضيا بالمعنى المنطقي، فيشمل المتأصل وغير المتأصل، الاعتباري والانتزاعي [1]
  [2]
  [3]
  [4]
  [5]
  [6]
  [7]
 
 أما الأمران الآخران المتأصلان: الاعتباري والانتزاعي. والفرق بينهما التباين.
 الانتزاعي هو الأمر غير الموجود في الخارج لكن له منشأ انتزاع، مثل الفوقية والتحتية التي هي منتزعة من الخارج.
 والاعتباري ما ليس له علاقة أصلا بالخارج، مثل الملكية في عقود البيع، أينما وجد العوضان والمتعاقدان وكيف
 كانوا، الصورة الخارجية ليس لها علاقة، فالملكية اعتبار محض.
 
 
 والحمد لله رب العالمين.
 


[1] - تذكير: ذكر الشيخ المشكيني الأول (ره) الذي شرح الكفاية في تعليقته في مبحث صيغة الأمر، يقول: أن الأمور على قسمين: متأصلة وغير متأصلة.المتأصلة التي لها واقع خارجي. وغير المتأصلة التي ليس لها واقع خارجي.والتي لها واقع خارجي على قسمين:إما جوهر وإما عرض.
[2] الجوهر هو ما يوجد بنفسه ولا يحتاج إلى غيره بوجوده، مثل الأشخاص والأشياء وغيرها.
[3] والعرض الذي له حقيقة وجود خارجي لكن لا يوجد إلا بغيره، مثل القيام والقعود والحركة، موجودة في الخارج لكن لا يوجد القيام من دون قائم، ولا يوجد بياض من دون أبيض.
[4] وجمعوا المقولات العشر في بيت شعر واحد:
[5] زيد الطويل الأزرق ابن مالك في داره ذا اليوم كان متكي
[6] بيده غصن لواه فلتوى فهذه عشر مقولات سوى
[7] زيد هو الجوهر، والباقي هي المقولات التسع أعراض: الطويل، الازرق، الكم والكيف. ابن ماك الاضافة. في داره الظرف والمكان. ذا اليوم، الزمان. كان متكي، الوضع. بيده، الاختصاص. غصن، العدد، لواه، الفعل والانفعال.