الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

33/06/30

بسم الله الرحمن الرحیم

 الأصول/مقدمات /الأصول في الروايات /
 بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبينا محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين
 بناء على هذا التفصيل، وما ذكرنا أن هناك إشكالان على المنهجية، كما في الاستصحاب كيف يعتبر أصوليا ويطبق في الجزئيات، مثلا: أنا كنت على وضوء فشككت فأنا أبقى على طهارة. مسألة شخصية حكم شرعي فرعي شخصي جزئي.
  نلاحظ هنا أن معظم القواعد كما يستخرج منها الحكم الشرعي الكلي الذي اعتبرها بعضهم ميزان القاعدة الأصولية أيضا يستخرج منها حكم شرعي جزئي.
  إذن لما كانت تخدم هدفا واحدا وغرضا واحدا فهي علم واحد، ليس الأصول والفقه علمين، ولذلك إذا لاحظنا أن رواية واحدة هي دلت على حكم الشبهة غير المحصورة التي هي قاعدة أصولية وفي نفس الرواية دلت على سوق المسلمين التي هي قاعدة فقهية.
  إذن هما يخدمان غرضا واحدا فينتج عنه علم واحد لأن تمايز العلوم في الأغراض وعليه فلا فرق فيما يستخرج منه حكم جزئي أو حكم كلي، لوحدة الغرض.
 وبهذا يتم الرد على الإشكالين معا اللذين ذكرناهما على الخريطة الدراسية لعلم الأصول [1]
  [2]
  [3]
 
 والرد هو أن الغرض واحد وهو الحكم الشرعي سواء كان جزئيا أو كليا، وهذا كله نعتبره من علم الأصول.
 نعم إذا لاحظنا تطور كتابة علم الأصول وعلم الفقه، لوجدنا أن القديمين الشيخ الأقدم أبي محمد الحسن بن علي بن أبي عقيل العماني وابن الجنيد أبو علي محمد بن أحمد الإسكافي، قد بدآ يخرجان عن النص، أيفقط ذكر النص والأخذ بالمأثور، فبدآ يخرجان من النص إلى استنباط قواعد وتطبيقها. قبل السيد الشريف المرتضى (ره) (1) كانت هناك رسائل في علم الأصول. أول كتاب شامل في علم الأصول عند الشيعة هو كتاب الذريعة في علم أصول الشريعة للشريف المرتضى (ره) ذكر فيها مسائل: الخطاب، مبحث الأمر، فروع الأمر والنهي، العموم والخصوص، المجمل والمبيَّن، القياس، الإجماع، النسخ، الاجتهاد والتقليد، الحظر والإباحة، الاستصحاب. وبدأت منذ العصر العماني إلى هذا العصر، تتميز كتب الأصول عن كتب الفقه عن كتب العقائد والكلام.
 هنا إذا لاحظنا تبدل كيفية الكتابات أصبحنا نلاحظ أن المتكررات في كل الأبواب جعلوها من علم الأصول كما ذهب إليه السيد الصدر (ره) والسيد الخوئي والنائيني (ره). أما الخاصة في باب دون باب فلم يجعلوها في علم الأصول. كما في كتاب الذريعة، الإجماع يأتي في كتاب الطهارة، والعبادات والمعاملات وأيضا الاستصحاب والنسخ وحجية الخبر الواحد يأتي في كل هذه الأبواب.
 سنلخص كل ما ذكرناه في كل الدروس السابقة في عدّة نقاط:
 أولا: الغرض واحد في الأساس من علمي الأصول والفقه.
 ثانيا: كثير من القواعد الأصولية بل الأكثر تنتج أحكاما جزئية كما أنها تنتج أحكاما كلية.
 ثالثا: كل التعريفات التي ذكروها لعلم الأصول وللقواعد الأصولية، قالوا: أنه القواعد الممهدة، أنه علم آلي كما عن السيد الخميني (قده)، أو أنه العناصر المشتركة كما عند السيد الشهيد الصدر (ره)، أو أنه القانون الذي يستفاد منه في علم الفقه، أو الدستور كما عن السيد البروجردي (ره) أو الكبريات التي في طريق الاستنباط، أم أن القاعدة الأصولية من باب الاستنباط والفقهية من باب التطبيق إلى آخره.
  كل هذه التعريفات والتفريقات تصب في هدف واحد وغرض واحد وإن كانت جميعا لا تخلو من إشكال.
 رابعا: أن السبب في هذه الإشكالات هو أنهم عمدوا إلى الكتب المتداولة الموجودة والمتعارفة في علم الأصول وحاولوا إيجاد ضوابط لقواعده من خلال الكتب.
 خامسا: نقول: أن علم الأصول يشمل كل ما من شأنه أن يخدم في استنباط الحكم الشرعي أولا وبالذات، كما عرفنا كل العلوم بأن مسائلها هي كل ما تخدم الغرض أولا وبالذات وإن استفاد منه علم آخر.
 نعم إذا صارت بعض المسائل من أركان علم الأصول في عرف الأصوليين لاضطرارنا إلى بحثها واعتبرناها من علم الأصول. فينتج أن جميع مباحث الألفاظ تخرج من علم الأصول، صغريات حجية الظهور، المشتق، معنى الأمر، معنى النهي إلى آخره. لأن هذه المسائل تنقح معنى لغويا. فإذن أولا وبالذات تدخل في علم اللغة وإن استفاد منها علم الأصول.
 نعم، صارت بعض المباحث من أركان علم الأصول في عرف الأصوليين من الأركان، ثم اعتبرناها واضطررنا إلى بحثها واعتبرناها من علم الأصول وذلك مثل صغريات حجية الظهور، مباحث ألفاظ التي قصَّر أهل اللغة في دراستها وتحقيقها واضطر الأصوليون لبحثها كلغويين لا كأصوليين، فصارت مدونة في كل كتاب أصولي وأصبحت من أهم أبوابه بعد أن لم تكن منها في الأساس وهو الغرض.
 بقي إشكال واحد على المنهجية نذكره ونكون قد فرغنا من المنهجية الكاملة ثم نشرع بكل باب وحده.
 
 
 
 والحمد لله رب العالمين.
 


[1] - والإشكالان هما: عندما قلنا في التقسيم، الشبهة الحكمية والمفهومية والمصداقية. وذكرنا في مقام البحث عن المصداق أن هناك تراتبية: تبحث عن علم وجداني، فإن لم نجد فأمارة معتبرة من قبيل البينة وغير ذلك، فإن لم نجد فقواعد فقهية لتنقيح الموضوعات، فإن لم نجد فأصل عملي لتنقيح الموضوعات.
[2] الإشكال الأول: أنت ذكرت قواعد فقهية في مقام تحقيق المصاديق وجعلتها من خريطة علم الأصول.
[3] الإشكال الثاني: أنت ذكرت هذه تنقح جزئيات ومنقح الجزئيات لا يكون أصوليا.