الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

33/06/29

بسم الله الرحمن الرحیم

 الأصول/مقدمات /الأصول في الروايات /
 بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبينا محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين
 ننتقل اليوم إلى بيان نفس الأصول التي وردت وأخذت من الروايات ومعظم القواعد الأصولية والفقهية، سندها الروايات، الأحاديث عن أهل البيت (ع). فإذن الكتب ألفت في زمن الأئمة، والروايات ألقاها الأئمة (ع) أيضا، فعلم الأصول لم يكن لا مستوردا ولا حادثا بعد الأئمة (ع) وحتى التبويب كتب في زمنهم، كالعموم والخصوص والتعارض ومباحث الألفاظ، ولا يمنع شيء من الاستفادة بما عند الآخرين، بل أحيانا تضررنا بما عندهم مثل الإجماع [1]
 
 نذكر بعض الروايات التي أسست علم الأصول منها:
 ما رواه ابن إدريس نقلا عن كتاب شهاب بن سالم عن أبي عبد الله (ع) قال: ( إنما علينا أن نلقي إليكم الأصول وعليكم التفريع ) [2] وروي في كتاب محمد بن أبي نصر عن الرضا (ع) قال: ( علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع )
 فالروايات تشمل القواعد الأصولية والفقهية وتشمل أيضا القواعد التي تنقح الكبريات والقواعد التي تنقح الصغريات الجزئيات. سنصل إلى نتيجة أنه عندما طرحت القواعد لم يفرق بين الأصول والفقه، بل كلها قواعد وعلينا أن نستفيد منها، وأن ميَّزنا بعد ذلك بين المتكرر فسميناه الأصول وغير المتكرر فسميناه الفقه.
 وروى الطوسي قال) قلت لأبي عبد الله (ع) عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة فكيف أصنع في الوضوء فقال: هذا وأشباهه يعرف من كتاب الله " ما جعل الله عليكم في الدين من حرج "امسح عليه ) الإمام (ع) يعلمنا كيف نستنبط من القرآن " هذا وأشباهه يعرف من كتاب الله " كان يستطيع أن يقول له مباشرة امسح، أراد أن يعلمه الاستنباط من القرآن ويشير إلى حجية ظواهر الكتاب.
 أصل البراءة أي عند الشك في التكليف الوسائل ج 1 ح 12031 ط أهل البيت، محمد بن الحسن بإسناده عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن علي بن الحسن بن رباط عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: ( قلت لأبي عبد الله (ع) .... قال: قال النبي (ص) وضع عن أمتي ستة أشياء وعدّ منها ما لا يعلمون )
 إنه يعطي قاعدة، كل ما لا تعلمه فهو موضوع وأنت طبقه.
 ومن أدلة البراءة كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي.
 في أصالة الحل في المشتبه. في الوسائل ج 17 ط دار أحياء التراث ص 92 ح 7 باب 61 من أبواب الأطعمة المباحة، عن محاسن البرقي عن اليقطيني محمد بن عيسى بن عبيد- عن صفوان عن معاوية بن عمارة عن رجل من أصحابنا [3]
  قال: ( كنت عند أبي جعفر (ع) ... يقول: كل شيء فيه الحلال والحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام فتدعه بعينه )
 فهذه الرواية يمكن شمولها للجزئي والكلي، ويمكن تطبيقها على العناوين الكلية وعلى الأفراد، يمكن أن تكون قاعدة فقهية بالتطبيق على الجزئيات ويمكن أن تكون قاعدة أصولية باعتبار استنباط الحكم الشرعي الكلي.
 عدم تنجز العلم الإجمالي في الشبهة غير محصورة.باب 61 ح 5 من الوسائل ذكره في المحاسن، أحمد بن ابي عبد الله البرقي عن محمد بن سنان عن ابي الجارود قال: سألت ابا جعفر (ع) عن الجبن وقلت له أخبرني من رأى أنه يجعل فيه الميتة، فقال: أمِن أجل مكان واحد يجعل منه الميتة حرم ما في جميع الأرضين، إذا علمت أنه ميتة فلا تأكله وإذا لم تعلم فاشتر وبع وكل. هذه قاعدة أصولية في الشبهة غير محصورة.
 في نفس الرواية قاعدة سوق المسلمين: والله إني لاعترض السوق فأشتري من اللحم والسمن والجبن، والله ما أظن كلهم يسمون، هذه البربر وهذه السودان.
 هذا ينفعنا في تحقيق معنى الشبهة غير المحصورة، في سوق واحد يكفي وليس من الضروري أن يكون على مساحة كبيرة بحيث أنه لا يمكن عادة أن تعدَّ.
 حجية خبر الواحد. ج 17 كتاب القضاء في أبواب صفات القاضي باب 11 ح 33 ط العشرين مجلد، عن الكشي عن محمد بن نصر عن محمد بن عيسى عن عبد العزيز بن مهتدي والحسن بن يقطين جميعا عن الرضا (ع) قال: ( ....قلت: لا أكاد أصل إليك أسألك عن كل ما أحتاج إليه من معالم ديني، أفيونس بن عبد الرحمان ثقة آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني، فقال: نعم )
 فائدة هذا الحديث في جواز خبر الثقة، والعمل بخبر الثقة، والعمل بالاجتهاد، كلمة " معالم ديني " تختزن معنى العلوم وليس فقط الأخبار، بل استنباطاته أيضا.
 تنجيز العلم الإجمالي في الشبهة المحصورة. روى الكليني قال: ( سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل معه إناءان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر لا يدري أيهما هو وليس يقدر على ماء غيره، قال: يهرقهما جميعا ويتيمم. أي في الشبهة المحصورة يجب الاحتياط، فان لم تستطع لا يجوز لك العمل اهرقهما وتيمم )
 فالروايات كثيرة فإذا استعرضناها ينتهي كتاب الأصول بالكامل.
 غدا نكمل ما الذي نريد من هذا الاستعراض، وسنصل إلى نتيجة أنه يشمل الأصول والفقه وأن الروايات تشمل الكليات والجزئيات.
  والحمد لله رب العالمين.


[1] - بعد الأئمة (ع) لم يذكر الإجماع، مدرسة قم وفقهاء الكوفة والمدينة لم يذكروا الإجماع، أول من تكلم به هم فقهاء بغداد لأنهما كانت بغداد العاصمة لجميع المذاهب والطوائف وخصوصا بعد ضعف الدولة العباسية، حيث تمكن الشيعة من دخول بغداد وصارت موطنا لنشر المذهب والدين والإسلام، فكان التفاعل في التأثير. ومدرسة بغداد كانت في القرن الرابع عند ضعف الدولة العباسية التي استمرت حوالي خمس مئة عام، ولم يكن الحكم على نسق واحد من القوة، فأن ناصر الدين العباسي الذي حكم متأخرا كان شيعيا وكان بعد زمن الغيبة الصغرى وحكم حوالي خمسمائة وأربعين عاما وأعاد للدولة قوتها ومنها أربع سنوات كان أعمى وكان يجلس للحكم دون أن يعلم أحد بحاله، وهو الذي وضع باب السرداب في سامراء من الأبنوس خشب عمره أكثر من تسعمائة عام ومع ذلك لم يتغير.
[2] - الوسائل ط جديدة/ ج 27/ح 33201
[3] - هنا لا باس من بيان ما المقصود من رجل من أصحابنا، قد يقال أن الرواية مرسلة " رجل " غير معروف لكن كلمة " من أصحابنا " تختلف عن " رجل " فمع تحديد أصحابنا، والذي يقول هذا الكلام معاوية بن عمار هذا يعني أن الرجل ليس رجلا عاديا بل له وضع خاص. وفي بعض الروايات يقصد به شخص معيّن. نعم الصاحب بمعنى من صحبه، لكن بلسان أهل البيت (ع) المقصود به الخواص من قبيل أجمعت العصابة " إن تهلك هذه العصابة لن تعبد بعد اليوم ".