الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

33/06/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 الأصول/ مباحث الألفاظ /الشبهات / تقسيم آخر
 بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبينا محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين
 كنا في مقام بيان الحاجة لإعطاء قواعد عامة من الأئمة (ع) لأسباب ذكرنا منها عدم إمكان لقاء الإمام (ع) أو صعوبة اللقاء، وإما كون الإمام (ع) في السجن، أو للظرف السياسي.
 رابعا: الغيبة الصغرى والغيبة الكبرى. ونعلم أن هناك مستجدات في موضوعات لم تكن موجودة ولا بد من قواعد عامة لاستكشاف الأحكام، ونعلم أيضا أن الروايات الصادرة عن الأئمة (عليهم) فيها العام والخاص، والمطلق والمقيّد، وفيها الروايات المتعارضة، والصادر عن تقيّة والصادر لبيان الحكم الواقعي، فلا بد للائمة (عليهم) من تعليم طريقة للناس أو إقرار ما عند الناس للخروج من هذا التعارض للوصول للحكم الشرعي. ولذلك كانت الأخبار العلاجية في علاج المتعارض " خذ ما اشتهر بين أصحابك " " خذ ما خالف القوم " " خذ بأفقههما أو أعدلهما " إلى آخره.
 أنظر إلى مرفوعة زرارة التي رواها ابن أبي جمهور الإحسائي في كتابه غوالي الآلي قال: ( سألت أبا جعفر (الباقر)(ع) فقلت جعلت فداك يأتي عنكم الخبران والحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ، قال: يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر، قلت: يا سيدي إنهما معا مشهوران مأثوران عنكم؟ فقال: خذ بما يقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك، فقلت: إنهما معا عدلان مرضيان موثقان؟ فقال: أنظر ما وافق العامة فاتركه، وخذ بما خالف، فإن الحق فيما خالفهم. قلت: ربما كانوا موافقين لهم، أو مخالفين فكيف اصنع؟ قال: ربما كانوا موافقين لهم، أو مخالفين فكيف اصنع؟ قال: إذن فخذ بما فيه الحائطة لدينك، واترك الآخر ). إلى آخره.....
 في هذه الرواية يقول: " جعلت فداك يأتي عنكم الخبران والحديثان المتعارضان بأيهما أخذ "، " بأيهما أخذ " هناك دلالة تدل على أن السائل وهو زرارة وهو كثيرا ما يكون بقرب الإمام (ع) ومع ذلك يسأل عن قاعدة. نستفيد من ذلك أن هذه القواعد يحتاج إليها في زمن الإمام (ع) ولا يقتصر على زمان ما بعد الإمام.
 بعبارة أخرى علم الأصول أسس في زمن الإمام (ع) للحاجة حتى في زمن الإمام
 فإذن هذا الحديث نستفيد منه أمرين:
 أولا: أن هذه القواعد مطلقة تشمل عصر الإمام (ع) وعصر ما بعد الأئمة (عليهم) ما يسمونه أحيانا عصر النص. [1]
  [2]
  [3]
 
 
 ثانيا: أن علم الأصول أسسه الأئمة (ع) ثم أن الرواة والفقهاء قد كتبوا هذا العلم. سنبيّن أنه كتب علم الأصول في زمن الأئمة (ع)، لذلك لا صحة لما يقال من أن علم الأصول قد ابتكر بعد الأئمة (عليهم) أو أن علم الأصول قد أخذ من أبناء العامة فلا صحة لهذا، ويقال: أن أبناء العامة قد توقف عندهم عصر النص باكرا، في السنة العاشرة للهجرة توفي رسول الله (ص) فابتكروا علم الأصول، أما عند الشيعة فقد استمر عندهم المنهل العذب القطعي بالحكم الشرعي إلى زمن الغيبة الكبرى، سنة 329ه - على روايات مختلفة - حين وفاة السفير الرابع للإمام (عجل)، نعلم أن الغيبة الصغرى بدأت سنة 260ه أي استمرّت ما بعد الرسول (ص) بأكثر من ثلاث مئة عام، لذلك لم يكن الشيعة بحاجة لعلم الأصول بينما ما بعد غياب الأئمة (عليهم) اضطروا أن يستفيدوا من تجربة أهل السنة ويطوروها، بينما أبناء العامة من حين وفاة الرسول اضطروا لتأسيس علم الأصول.
 فدعوى أن أبناء العامة اطروا لهذا العلم ونحن أخذناه عنهم ثم طورناه. فلا صحة لهذا الكلام، إن علم الأصول ألقاه الأئمة وكتبه الفقهاء والمحدثون من أصحاب الأئمة في زمنهم، بل نقول: أن علم الأصول قد تأسس زمن الأئمة وأخذه الأصحاب منهم وعملوا به وكتبوا فيه ثم تطورَّ بعد ذلك ككل العلوم، تماما كعلم التفسير وعلم النحو، كما هو المروي عن الإمام علي (ع) في كيفية تعليمه أبي الأسود للنحو.(1)
 علم الأصول كتب فيه بعض أصحاب الأئمة (ع) سنذكر بعض الكتب التي كتبت في زمن الأئمة عن علم الأصول تأييدا لهذه النظرية بأنه لا علاقة للعامة في تأسيس علم الأصول، ومنها:
  1. - هشام بن الحكم شيخ المتكلمين من المسلمين الشيعة الإمامية، في عصره صنَّفَ كتاب الألفاظ ومباحثها، وتوفي سنة 199ه قال: عنه النجاشي في رجاله ص 305 يقول: روى هشام عن أبي عبد الله (ع) وأبي الحسن موسى (ع) وكتب كتابا في الأصول في مباحث الألفاظ في زمن الإمامين المعصومين (عليهم) وكان ثقة في الرواية حسن التحقيق في هذا الأمر.
  2. - يونس بن عبد الرحمان، يقول عنه النجاشي في رجاله ص 311 أنه مولى آل يقطين، صنف كتاب اختلاف الحديث ومسائله (مبحث تعارض الحديثين، تعارض الأدلة) ومسائل التعادل والتراجيح في الخبرين المتعارضين، رواه عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع). وكان الإمام الرضا (ع) يشير إليه في العلم والفتيا "عليك بيونس بن عبد الرحمان" عندما سأله زكريا بن آدم، أفيونس بن عبد الرحمان ثقة أخذ عنه معالم ديني؟ ". الفقهاء في عالم الاستنباط يأخذون هذه الرواية على أنها دليل على حجية خبر الواحد، لكن هل تختزن كلمة " معالم " مسألة الاستنباط أيضا في معناها، يعني الخبر واستنباطات يونس بن عبد الرحمان أخذ بها.
  3. - أبو سهل النوبختي إسماعيل بن علين عن النجاشي في رجاله قال: كان شيخ المتكلمين من أصحابنا، وذكر مصنفاته وعدّ منها: كتاب الخصوص والعموم. ذكره ابن النديم في الفهرست، وعدّ من مصنفاته كتاب إبطال القياس. فهذه مسائل أصولية.
 يقول ابن النديم: أبو سهل ممن لقي الإمام أبي محمد الحسن العسكري(ع)، وحضر وفاته وكانت سنة 260ه وكتب في علم الأصول.
 نعم تطور علم الأصول بعد ذلك، كما في الاستصحاب بحث في المعالم بسطور وفي رسائل الشيخ الأنصاري أصبح بحثا بمئة صفحة.
 إلى هنا نكون قد استعرضنا بعض الكتب التي دونت في زمن الأئمة (عليهم) من كتب علم الأصول، وهذا يحتاج للتأمل فلا معنى للنظريات القائمة، أنه أسس من بعد الأئمة (عليهم) للحاجة، أو أنه أخذ من العامة لأنهم كانوا بحاجة، انقطعوا عن عصر النص والوحي، فتطور العلم عندهم وأخذناه منهم.
  غدا نعود للروايات.
  والحمد لله رب العالمين.


[1] - ماذا يعني عصر النص؟ هل عصر النص يشمل زمن الأئمة أو لا؟ عصر النص: قد يشكل على أنه زمن القرآن وزمن رسول الله (ص). لكن الإمام (ع) علمه يكون بأمرين: علم استقاه من رسول الله (ص) " علَّمني رسول الله آلف باب من العلم ينفتح لي من كل باب الف باب "، كناية عن الكثرة، يعني علمني أشياء كثيرة جدا.
[2] والعلم الآخر من نفسه، وهو الصفاء النفسي. نحن نعلم ان الإنسان العادي مع صفاء نفسه يقرأ صفحة وباستطاعته أن يستوعب ويحلل محتواها، وإذا كان الذهن مربكا ومشغولا إذا قرأ سطرين فلا يمكن له فهم أي شيء.
[3] الإمام (ع) قمّة صفاء البشرية يستطيع أن ينظر إلى المستقبل بقوّة، ويعرف واقع الأمور دون حجب. فالمقصود من عصر النص عصر نقل كلمات الإمام (ع) كما هي ونستفيد منها وليس المراد به استمرار الوحي.