الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

33/06/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 الأصول/ مباحث الألفاظ /الشبهات / تقسيم آخر
 بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبينا محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين
 أما في مقام رد هذين الإشكالين نحتاج إلى وقفة مع تأسيس علم الأصول، إننا مع معرفة التأسيس سنجد حلا للإشكالين. وسنستنتج أنه لا فرق بين القاعدة الأصولية والفقهية إلا بناحية واحدة.
 نحن ذكرنا أن تمايز العلوم هو بالأغراض والأهداف والغايات وهذا أمر مشهور عند الأصوليين، وإن ذهب بعضهم إلى أن تمايز العلوم بالموضوعات أو المحمولات، لكن الظاهر أنه تتمايز بالأغراض، لأن العلم أمر اعتباري، مسائله لها واقعية في التأثير، هناك غاية فكل ما ينفع في هذه الغاية أجعله في هذا العلم. ولذلك ذكرنا أن التمييز بين مسائل العلوم هو كل ما ينفعني في الغرض أولاً وبالذات فهو من مسائله وإن استفاد منه علم آخر. وبهذا أخرجنا علم النحو وعلم التفسير والفلسفة والمنطق، بينما كثيرٌ من التعريفات الموجودة لعلم الأصول بإطلاقها تشملها، كما لو قلنا إنها القواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية أو قلنا إن علم الأصول هو علم آلي كما عليه الإمام السيد الخميني (ره)، أيضا النحو آلة للوصول إلى الحكم الشرعي، وإذا قلنا إن علم الأصول يبحث عن الكبريات فكل كبرى تدخل في علم الأصول، مثلا: الدم أقل من الدرهم البغلي معفو عنه في الصلاة. هذه المسألة بحاجة إلى خبر وهذا الخبر بحاجة إلى حجية الخبر وإلى حجية أصالة الظهور، وأصالة الظهور بحاجة إلى أنها من صغريات سيرة العقلاء، بحاجة إلى حجية سيرة العقلاء. فكل هذه الأمور ممهدة لاستنباط الحكم الشرعي تدخل في الأصول والفقه. قلنا إن العلم أمر اعتباري هو مجموع مسائل جمعت لأجل غرض أولاً وبالذات وإن استفاد منه علم آخر ثانيا وبالعرض. مثلا: " فلا جناح عليه أن يتطوف بهما " أو في " لا جناح عليهما فيما افتدت به " ما معنى " لا جناح " قبل أن يؤسس علم الأصول وعلم اللغة وعلم الفقه، أنت بنفسك ترجع إلى اللغوي، نعم استفاد منها الفقهاء أو الأصوليون فلا تصبح مسألة أصولية لأنها أولا وبالذات لغوية.
 إذن نعلم أن تمييز العلوم بالأغراض، ونعلم أن المكلف له أحكام شرعية فرعية جزئية، والمهم الأساس للمكلف هو هذه الأحكام الفرعية الجزئية، مثلا: كنت على وضوء فشككت في وضوئي، أنا الآن ماذا أفعل؟ هل أبني على الطهارة أو لا؟ الأمور الكلية ليست هي الغاية من الأبحاث ولا عالم الثبوت ولا الأحكام الكلية الفرعية. الغاية هو التكليف الحالي ولذلك أسس هذا العلم، لم يؤسس علم الفقه حتى نعلم بقاعدة اللزوم في العقود ولا الاستصحاب ولا غيرهما من القواعد، إلا على نحو وسيلة والآلية.
 إذن الغرض الأساس هو معرفة الأحكام الشرعية للمكلف وهذه الأحكام نعلم أنها على قسمين: قسم معلوم بالضرورة متيقن، وهذا نادر قليل. وقسم مشتبه يحتاج إلى بحث وجهد.
 كان المسلمون يسألون النبي (ص) ثم الإمام علي (ع) ثم الأئمة المعصومين (عليهم) من ولد علي (ع) يسألونهم مباشرة وكانت الأحكام التي يلقيها الأئمة (ع) على قسمين:
 القسم الأول: أحكام شرعية فرعية للأشياء بعناوينها، كحرمة الخمر، الدم لا يجوز الصلاة فيه، حكم إذا بلغ الماء قدر الكر لا ينجسه شيء.
  القسم الثاني: قواعد عامة يستند إليها الراوي أو السائل أو المكلف لاستنباط حكم شرعي فرعي وذلك عند عدم التمكن من الاتصال بالإمام (ع) أو عند صعوبة اللقاء بالأئمة (ع) وغيرها من الأسباب. وهذه الصعوبة وعدم إمكان اللقاء جعل لا بدية إعطاء قواعد عامة وأصول أسست نعلم من ذلك أن علم الأصول أسسه الأئمة (ع) " نحن نلقي عليكم الأصول وعليكم أن تفرعوا " فلصعوبة الاتصال بالإمام (ع) وصعوبة لقائه كان لا بد من إلقاء قواعد وهذه الصعوبة كانت لأسباب منها:
 أولا: بُعدُ المسافة بين الإمام والشيعة خصوصا القاطنين في الأمصار البعيدة، خرسان والكوفة والبصرة والشام، وهي أمصار بعيدة عن المدينة المنورة إذا كان الإمام في المدينة، فكان الشيعة يسألون تلامذة أهل البيت (ع) ويسألون رواة احاديثهم، وبعضهم كان يستغل موسم الحج ليتشرف بزيارة الإمام (ع) ويسأله مجموعة من المسائل، وكانت رحلة الحج تستغرق شهورا أو سنة، وقد يحتاج الناس للعمل فيها لتحصيل المؤونة.
 وكانوا يتكلون على الكتب والاحاديث التي كتبها الأصحاب وسمعوها من مجالس الأئمة (عليهم).
 ثانيا: كون الإمام (ع) في السجن فهذا الإمام موسى بن جعفر (ع) قضى جزءا كبيرا من عمره الشريف في سجون العباسيين حتى أنه توفي في سجن السندي بن شاهك.
 ثالثا: كون الأئمة (عليهم) تحت المراقبة الشديدة، وكان الأذى يلحق كل من يسألهم. كان أحدهم يريد أن يسأل المسألة، فيقول له الإمام (ع) انتظر حتى تخف الطريق وتنقطع الرجل ثم أقبل. هناك قمع وعيون. وفي رواية أن أحد أصحاب الإمام الصادق (ع) لم تسنح له الفرصة، لا لزيارته ولا للسلام عليه، فأراد أن يسأله مسألة فاحتال بأن جعل نفسه بياعا للخيار، وتحت هذا العنوان دخل بيت الإمام (ع) وسأله. ولذلك لم ينتشر الفقه إلا في فترة قليلة زمن الإمام الصادق (ع) وزمن الباقر (ع)، سنوات قليلة زمن انشغال الأمويين في مواجهة العباسيين، وانشغال العباسيين في توطيد مملكتهم بعد سيطرتهم، فارتاح الأئمة (عليهم) ولذلك صار هذا الانتشار الواسع في زمنهما.
  غدا نكمل الأسباب التي دفعت الأئمة (عليهم) لجعل قواعد وأصول.
  والحمد لله رب العالمين.