الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

33/06/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 الأصول/ مباحث الألفاظ /الشبهات / تقسيم آخر
 بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبينا محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين
 إلى هنا نكون قد بينَّا الخريطة الكاملة للقواعد والأصول التي نستفيد منها في عملية الاستنباط، وإني اعتذر للإخوة الطلبة لاستغراق الوقت، ولكن أعتقد أن لها نفعا كبيرا في عملية الاستنباط لمن يسعى للحصول على هذه الملكة، أن ينظم ذهنه الاستنباطي ويعلم من أين يبدأ وأين ينتهي.
 نعم يمكن توجيه إشكالين على هذا التقسيم وعلى هذه الخريطة. نحن قسمنا في الخريطة عملية الاستنباط إلى شبهة حكمية ومفهومية ومصداقية، أو فلنعبِّر بأنه ما كان الاشتباه في الحكم اشتباها في إثبات الدليل أو مفهومه أو مصداقه، كأنما قلنا مبحث حجية الدليل، ومبحث مفهوم الدليل، ومبحث مصداق الدليل. وذكرنا كيفية معالجتها وكل المطالب التي تدخل فيها، أين تقع هذه القاعدة أي يقع هذا الأصل وقد بينا مرادنا من الشبهة الحكمية هنا الذي يختلف عن الاصطلاح العام.
 الإشكال الأول: قد يقال لقد جعلت في هذا التقسيم قواعد فقهية مثل قاعدة يد المسلم، وقاعدة الطهارة وغيرها، في تحديد المصداق. وقلنا إنه نبدأ بتحصيل العلم الوجداني فإن لم نجد فبيِّنة، فإن لم نجد فقواعد، وهي قواعد فقهية بالإجماع. فكيف دخلت هذه القواعد الفقهية في خريطة علم الأصول؟
 الإشكال الثاني: لقد جعلت الأصول والقواعد التي تعالج الشبهة في المصداق من علم الأصول مع العلم أن علم الأصول لا يعالج الأحكام الشرعية الفرعية الجزئية، مثلا: هذا دم أو لا؟ هذا السائل الخارجي طاهر، نجس أو لا؟ يجوز الصلاة فيه أو لا؟. تحقيق الحكم الشرعي الجزئي هذا ليس من شأن علم الأصول، لأن علم الأصول آلي يبحث الكبريات كما عبر عنه السيد الخميني (قده) وعبر بعضهم بأنه وسيلة أو أنه دستور أو قانون. بالنتيجة هي كلها تهدف إلى شيء واحد لكنها جميعا اتفقت على أنه ليس علما يبحث عن أحكام شرعية جزئية بل يبحث عن الكبريات التي تقع في الأقيسة التي تنتج الأحكام الشرعية.
 ولذلك الإشكال هو أنه كيف جعلنا أبحاث الشبهة المصداقية من علم الأصول مع العلم أن الشبهة المصداقية تنتج علما بالحكم الشرعي الجزئي وهذا ليس من شأن علم الأصول [1]
 
 والجواب عن الإشكالين معا: نحن قلنا أساسا أن الداعي لإنشاء العلم هو الغاية، الهدف. والمائز بين العلوم هو الأهداف والغايات ما يعبر عنه بالأغراض، الغرض الأساسي كان البحث عن الشبهات الحكمية، هناك شبهة في الحكم فتأسس علمٌ لحل هذه الشبهة، أثناء تأسيس العلم وجدوا أن هناك أمورا متكررة في كل الأبواب، وهناك أمورا غير متكررة، فبادر البعض إلى تأسيس علم للمتكررات وسمي بعلم الأصول. وإلا فالغاية واحدة بين علمي الأصول والفقه، يعني لم يؤسس علم الأصول بذاته من البداية أولاً وبالذات، كانوا يجلسون عند الإمام (ع) ويسألوا، فالإمام (ع) أسس لعلم الأصول فقال: نحن نلقي عليكم الأصول وعليكم أن تفرعوا. بعضهم ومع الأيام جعلوا من المتكررات علما خاصا واعتبرها قواعد عامة، وأخذوا يبحثونها مستقلة, وإلا هي كلها تصب في هدف واحد وهو رفع الشبهة الحكمية.
 إذا لاحظنا تاريخ تأسيس علم الأصول، لم يتأسس لغاية مستقلة عن البحث عن الحكم الشرعي الذي، كما في علم النحو تأسس بداية لغاية وهي تقويم اللسان عن الخطأ في النطق، وكذا في علم اللغة غايته المعاني. وإن وقعت جميعا في طريق الاستنباط. أما علم الأصول فلم يتأسس لغاية مستقلة، بدأت بتأسيس كيف نعالج الشبهات ثم تطور الأمر إلى جعل المشتركات كعلم خاص.
 ولذلك نقول: بالحقيقة لسد الأغراض لا فرق بين القاعدة الأصولية والقاعدة الفقهية، الهدف واحد، لذلك هو علم واحد ولذلك نجد أن كل التعاريف فيها إشكال، لكن إذا لاحظنا الأساس الذي هو الغرض في تأسيس العلم تنحل كل الإشكالات، وإذا لاحظنا تاريخ علم الأصول غداً نبينه ونعرف الرد على الإشكالين، هذه القواعد جميعا تخدم نفس الغرض، ومعالجة الشبهة المصداقية تخدم نفس الغرض. ونحن قلنا إن تمايز العلوم بالأغراض.
 
  والحمد لله رب العالمين.


[1] - تذكير: الاستصحاب هو قاعدة أصولية، وهناك كلام في هل هو قاعدة فقهية أو قاعدة أصولية؟ من أين نشأ هذا الخلاف؟ هذا الخلاف نشأ من أن الاستصحاب كثيرا ما بل غالباً في استعمالاته يحقق الجزئيات، أي: أنا كنت على وضوء أو على طهارة فشككت، فأنا أبني على الطهارة، المسألة شخصية جزئية فيؤدي إلى تحقيق حكم جزئي، وهذا ليس من شأن علم الأصول، علم الأصول آلي يحقق الكبريات، تنتج في الأقيسة أحكاما، وتطبيق الأحكام يؤدي إلى جزئي. لذلك دافعوا عن كون الاستصحاب حتى جعلوه قاعدة أصولية فقالوا: بأنه أحيانا يؤدي إلى أحكام كليّة، مثل استصحاب الشبهة الحكمية، وبلحاظ هذا البعض اعتبرناه أصوليا. فأجيب عليهم: أنه بلحاظ آخر يكون أيضا فقهيا. الاستصحاب نفسه يؤدي إلى حكم شرعي كلي وأحيانا إلى حكم شرعي جزئي، فبلحاظ الحكم الشرعي الكلي يصبح قاعدة أصولية، وبلحاظ الجزئي يصبح قاعدة فقهية. ولذلك الاستصحاب بحثه الكثيرون من الفقهاء القدماء في الفقه.