الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

33/06/15

بسم الله الرحمن الرحیم

 الأصول/ مباحث الألفاظ

/

الشبهة المصداقية/ تحقيق المسألة

 بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبينا محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين
 قلنا سابقا ان ما ذكره الشيخ الأنصاري (ره) من انه إذا كان دليل الاستصحاب هو الأخبار فالاستصحاب اصل عملي، وإذا كان دليل الاستصحاب هو بناء العقلاء بمعنى السيرة العقلائية فالاستصحاب أمارة. وهو ناظر إلى ان العقلاء ليس عندهم اصل عملي، والسبب ان معنى الأصل العملي هو الوظيفة عند عدم الكواشف للحكم الشرعي، حينئذ اشك ماذا افعل؟ ماذا اعمل؟ ولذلك سمي أصلا عمليا. هذا الأصل يحتاج إلى تعبد من جهة تقول له افعل كذا، من هنا الشيخ الأنصاري قال: ان العقلاء من يتعبدهم؟! بل هذا القول مشهور جدا، العقلاء بما هم عقلاء لا بما هم مخلوقات وعبيد لله عز وجل وليس بنظر العبودية، من يتعبدهم؟ بينما كمتشرعة هناك من يتعبدهم وهو الله عز وجل، ولذلك قالوا بان الدليل إذا كان سيرة عقلائية، والسيرة العقلائية دائما كاشف وأمارة ولا تكون أصلا.
 هنا أصالة الظهور تعبدا تعني ان الشارع امضى السيرة العقلائية لا بمعنى ان هناك جعل شرعي، الظهور مسألة عقلائية يعمل العقلاء بها للتفاهم لبيان المرادات، ولذلك الظهور يعتبر أمارة كاشفا عن الواقع وليس أصلا عمليا، ولذلك الظهور له صغريات: أصالة الإطلاق، العموم، التقدير، عدم التقدير، أصالة الحقيقة إلى آخره. وهذا يعني انه يثبت لوازمه الشرعية وغير الشرعية، كاشفا مقدما على الأصول.
 الشبهة المصداقية:
 مرادنا هنا من الشبهة المصداقية الشبهة في المصداق، عندما يكون الحكم واضحا والمفهوم واضحا مثلا: لا يجوز الصلاة بالدم. لا يجوز حكم واضح، الدم مفهومه واضح، لكن هذا الخارجي السائل الأحمر دم أو شيء آخر؟ ما هي المراحل التي انتهجها لتحقيق هذه المسألة؟
 المرحلة الأولى: ابحث عن علم وجداني، عن قطع. وكما ذكرنا المصداق الخارجي شأن المكلف، يعني لو ان المقلَّد قال لي هذا دم وأنا اعتقدت أنه ليس دما، فيجوز لي الصلاة فيه. فالتقليد يكون في الأحكام لا في الموضوعات.
 وطرق تحصل هذا العلم الوجداني لا تعد ولا تحصى لان الظروف الخارجية لا تعد ولا تحصى، ولذلك بحثوا في أسباب الشبهة الحكمية والمفهومية أما المصداقية لم يبحثوا في أسبابها، لذلك الشيخ الأنصاري (ره) قال بأن الشبهة الحكمية أسبابها عدم الدليل أو إجمال الدليل أو تعارض الدليلين. في الشبهة المصداقية لم يتعرض لأسبابها لأنها مسألة خارجية ولا يمكن حصرها، مثلا: زيد عادل أو فاسق؟ الذي جعلني أشك يمكن أن يكون خبر شخص، بينة، أو رأيت أنه قد دخل مدخل سوء أو ظهر منه بعض التصرفات، أو غير ذلك.
 إذن المرحلة الأولى أن أبحث عن علم والعلم لا حصر لأسبابه، قد أتكل بالنسبة للدم مثلا على فحص المختبر، والمختبر كمختبر ليس دليلا إلا إذا أورث اطمئنانا أو علما، ولذلك قلنا أن العلوم التطبيقية، كالطب والمختبر الفيزياء والفلك، بما هم علوم لا اعتبار فيها، ولذلك قالوا أن قول اللغوي بذاته لا اعتبار له. وحاولوا أن يجعلوا لقول اللغوي في مقام جعل الأوضاع طريقين للحجية: تارة أنه يؤدي إلى اطمئنان، قطع. وتارة باعتبار أن سيرة العقلاء الرجوع إلى أهل الخبرة. إذن القطع الوجداني الذي ابدأ به في تحصيل رفع الشبهة المصداقية لا حصر لأسبابه.
 المرحلة الثانية: أبحث عن أمارة يثبت في علم الأصول اعتبارها وحجيتها في إثبات المصاديق الخارجية، أي الكشف التعبدي أو القطع التعبدي كما عبر عنه السيد الخوئي (ره) مثلا : خبر عدل، أو بيّنة- شاهدا عدل-، خبر الثقة، أو حسن ظاهر- في مقام إثبات العدالة-، أو شهرة معتبرة أو يمين في خصوص القضاء.
 المرحلة الثالثة: نرجع إلى القواعد العامة في إثبات المصاديق، مثلا: قاعدة اليد، سوق المسلمين، يد المسلم، القرعة(بناء على أنها أمارة كاشفة)، إلى آخره.
 المرحلة الرابعة: أرجع إلى الأصول العملية في الموضوعات، كالاستصحاب الموضوعي والأصول العدمية، فإذا لم نحصِّل الأصل العدمي استحكمت الشبهة في المصداق ونخرج من حكم العام لأن الحكم مترتب على الموضوع ولم يحرز انطباق العام على الموضوع، فأبحث عن عام آخر.
 فإذن في الشبهة المصداقية أولا أبحث عن علم فإن لم أجد أبحث عن كاشف ناقص معتبر الذي هو الأمارات فان لم أجد أبحث عن قواعد، فإن لم أجد أبحث عن الأصول، فإن لم أجد استحكمت الشبهة أرجع إلى دليل آخر.
 بهذا نكون قد انتهينا من الشبهات الثلاثة، وغدا نبحث هل تدخل الشبهات المفهومية والحكمية في علم الأصول أو لا؟
 
 
  والحمد لله رب العالمين.