الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

33/06/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 الأصول/ مباحث الألفاظ

/

الشبهة المفهومية/ مرجعية الشارع

 بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبينا محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين
 المرجع في هذه الأصول ومعرفة الألفاظ؟.
 نحن ذكرنا انه عند الشبهة نطرق باب الشارع، فان لم اجد اطرق باب العرف ثم باب اللغة، وذلك عند محاولة معرفة الموضوع له ما هو، وهذا يستدعي أمرا مهما وهو: أين موقعية الشارع وموقعية العرف وموقعية العلوم التطبيقية. أي متى نقول ان علماء الفلك مثلا يقولون بثبوت موضوع ويكون قولهم حجة عليّ، أو الأطباء، أو متى نقول العرف ببابك. العرف يقول بكذا، فيكون حجة عليّ.
 بعبارة أخرى ما هو مجال العرف وما هو مجال العلوم التطبيقية وما هو مجال الشارع؟.
 نقول باختصار حتى لا تتداخل العلوم وتضيع المرجعية، وهذا امر كثير الابتلاء.
 أولا: متى نرجع للجهة حتى تكون هي الحَكَم والفاصل والفاروق في الأمور.
 نقول: نرجع إليها إذا كانت هي صاحبة القرار والجعل والوضع والرفع بيدها. حينئذ نرجع إليها في معرفة الموضوع.
 الشارع: مرجع في امرين:
 الأول: الأحكام الشرعية، فلا معنى لان يكون غير الشارع مرجعا فاني اعبد الله.
 والثاني: المفاهيم المخترعة شرعا مما نسميه في علم الأصول بالحقيقة الشرعية. إذا شككت بمعنى شرعي للفظ، ارجع إلى الشارع ولا ارجع للعرف. الشارع مرجع في المخترعات الشرعية التي هي الأحكام أو المفاهيم الشرعية، كما في العبادات، الصلاة، الصوم.
 العرف:
 مجاله فيما هو من شأنه أي مما وضعه، يعني المفاهيم فقط وليس مرجعا أبدا في المصاديق إلا في حالة واحدة وهي ما لو كان متعلق الحكم نفس المصداق. مثلا: اختلفنا ان هذا السائل دم أو لا، أي عند اشتباه المصداق، كثيرا ما نسمع يقال هذا عرفا دم هذا خلل، لأنك تحكم العرف في تحديد المصداق، والعرف لا علاقة له بتحديد المصداق. وكلُّ عرف بحسبه.
 العرف مرجع في المفاهيم لان المفاهيم موضوعة على احد نوعين: إما تعيينية أو تعينية، مثلا: عندما نقول: الماء سائل لا لون له ولا طعم ولا رائحة. هذا التعريف جعله العرف، جعل المعنى لهذا اللفظ ولم يجعل المصداق، ارجع للعرف في المعاني، ولذلك نرجع له في المراد في الأصول اللفظية التي ذكرناها.
 المصداق:
 هذا شأن المكلف وليس شأن الشارع ولا العرف. مثلا: الدم نجس لا يجوز الصلاة فيه. " لا يجوز الصلاة فيه " حكم مرجعه الشارع، الدم لفظ وضع لمعنى، مفهوم مرجعه العرف عند الشك في معناه. إذا علمنا ان الدم نجس لكن شككت ان هذا السائل الأحمر الموجود أمامي هذا دم أو لا؟ فالمكلف هنا عليه ان يحقق، ليس العرف ولا الشرع مرجعا، فنرجع حينئذ إما للمختبر، أو لأهل الخبرة في المصاديق، وللعلوم التطبيقية إذا أورثت اطمئنانا. فالعرف والشرع ليسا مرجعا في تحديد المصداق. إذا قال لي مرجع التقليد مثلا ان هذا دم لا تصلِّ فيه وانا مقتنع ان هذا ليس دما يجوز لي الصلاة فيه، هنا أخالف مرجعي بل تجب المخالفة في مقام تحديد المصداق. لذلك قالوا التقليد يكون في الأحكام وليس في الموضوعات باعتبار ان الشرع ليس مرجعا في المصداق.
 إذن هنا ما معنى قولهم كثيرا في مقام المحاججة والمناقشة " هذا عرفا كذا " في المصداق، كما في لفظ " الغناء ". تقول " هذا عرفا غناء " فإذن لا تستمع إليه. يعني جُعِل العرف مرجعا في المصداق. ما معنى ان نسأل العرف؟ هل هناك خطأ؟
 نقول: هم يستعينون بالعرف لأجل جعل اطمئنان عند المكلف، ليس العرف هو المرجع بل هو يسبب الاطمئنان للمكلف، فيكون مرجعا. بعبارة أخرى العرف استعين به حتى نحصل الاطمئنان، لذلك لو ان الناس جميعا قالوا: ان هذا ليس دما فيجوز الصلاة فيه، وانا رأيت ان هذا دم فلا يجوز لي الصلاة فيه. العرف يعينني على تحديد المصداق كما المختبرات تعين على تحديد هذا دم أو لا. وكما الفحص الجيني الذي يعينني في تحديد النسب.
 هناك موضوع أخر وهو ما يسمى اشتباه المفهوم بالمصداق، ماذا يعني؟
 العرف أحيانا قد يخطأ وهو مرجع في المفاهيم فيطبق المفهوم على مصداق، يشتبه بين المفهوم والمصداق. لم يعرف الموضوع له، هو المصداق أو المفهوم. العرف قد يشتبه فيجعل الموضوع له أمرا أخر، مثلا: إذا قاوم احد الاحتلال في هذه الأيام سمي إرهابا. هناك فرق بين إنسان يحرر نفسه ووطنه وإنسان يعتدي. في بعض المواقع هو تحرير ومع ذلك العالم بأكمله بسبب الوضع الإعلامي يقول هذا إرهاب. هنا العرف العالمي اشتبه في تطبيق المفهوم على المصداق مع علمه بمعنى الإرهاب.
 الإمام علي بن أبي طالب (ع) في خطبة الجهاد عندما يتألم ممن كان حوله يقول: ... ( وأفسدتم عليّ رأي بالخذلان والعصيان حتى قالت قريش ان ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب. ... )
  هنا اشتبه العرف، وهو بفهم معنى هذه الألفاظ، الشجاع، ولا علم له بالحرب. لكن طبقها على أمير المؤمنين (ع) فقال: علي (ع) ليس له علم بالحرب.
  عندما ندخل العرف في غير مجاله يخطأ، فمجاله في تحديد المفهوم، لو فرضنا أنني لم افهم كلمة " علم " و " لا " ارجع حينئذ للعرف، وإذا لم افهم السياق ولا المراد أيضا ارجع للعرف، أما التطبيق فليس من شأن العرف.
  غدا نرجع لنص المشكيني (ره) على شرح الكفاية.
 
 
 والحمد لله رب العالمين.